خاص- شؤون عمانية
تحدث عدد من المتخصصين حول ما تتضمنه “رؤية عمان 2040” من استراتيجيات مستقبلية لجميع المجالات، مؤكدين أهمية الشراكة المجتمعية في تنفيذ هذه الرؤية لاستكمال الصورة الوطنية وتحقيق الازدهار لهذا الوطن وأبنائه.
وتنطلق غدا فعاليات “معا نتقدم”، وهو الملتقى الأول من نوعه الخاص برؤية عُمان 2040، وذلك بمركز عمان للمؤتمرات والمعارض، وبدعوة من الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وبمشاركة مجموعة نوعية من الفاعلين والنشطاء والأكاديميين والخبراء والمختصين؛ للوقوف على أبرز ما تم تنفيذه والتخطيط له في مختلف المجالات ضمن الرؤية”.
ويؤكد المكرم الدكتور محمد الشعيلي عضو مجلس الدولة، أن التخطيط الاستراتيجي يساعد الدول في الوصول لمستقبل أكثر إشراقا وازدهارا، وذلك عبر الوقوف على الخطط المستقبلية، وما يرتبط بها من توجهات عامة ومن أهداف تسعى لتحقيقها في مختلف الجوانب الاقتصادية منها والاجتماعية والثقافية وغيرها، وهو الأمر الذي يمكن تجسيده في رؤية عمان 2040، التي تسعى الحكومة من خلالها إلى تكييف إمكانياتها البشرية والمادية من أجل تجاوز الصعوبات، وإيجاد البيئة المناسبة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، ورفاه اجتماعي ومستوى معيشي مرتفع، دون إغفال أهمية الحوكمة في ذلك، بحيث تصبح الرؤية في النهاية وحسب ما جاء فيها: “المرجع الوطني للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي لسلطنة عُمان خـلال الفترة 2021-2040″.
ويضيف: في الحقيقة إن الحكومة ومنذ إطلاق مشروع الرؤية، سعت جاهدة نحو تحقيق ما جاء فيها، وأيضا التعريف والترويج لأهميتها واستخدام كافة الوسائل المتاحة لتعزيز الوعي بأهمية الرؤية في مستقبل عمان من خلال مؤسسات الدولة وعلى رأسها وحجة متابعة وتنفيذ رؤية عمان 2040”.
ويشير الشعيلي إلى أن الحوار الوطني يأتي في إطار جهود الحكومة نحو تحقيق ذلك، والاستماع إلى الأفكار ووجهات النظر المقدمة من مختلف شرائح المجتمع، والذي من المؤكد أن يخرج بحصيلة وافرة تجعل من المواطن العماني شريكا أساسيا في عملية التنمية، وبما يعزز روح المواطنة التي يسعى إلى تحقيقها هذا الحوار من خلال التفاعل المباشر بين الحكومة والشعب.
ويرى الأكاديمي والمحلل الاقتصادي الدكتور محمد الوردي، أن رؤية عُمان 2040 بمثابة خارطة طريق لعمان نحو المستقبل، بما تتضمنه من محاور ومرتكزات وأوليات تشمل كافة نواحي الحياة، وأنه لضمان تحقيق الرؤية فقد تم وضع أهداف مرتبطة بمؤشرات عالمية بما يسهل متابعة تنفيذها، مضيفا: “من منظور اقتصادي تهدف الخطة إلى تحقيق العديد من الأهداف الاقتصادية لتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي لسلطنة عمان وتنويع مصادر الدخل وتعزيز الناتج المحلي للسلطنة، وصقل مهارات الشباب العماني لرفع حصتهم في القطاع الخاص، ولضمان الاستقرار المالي تهدف الرؤية إلى تقليل نسبة الدين إلى الناتج المحلي بحيث لا يتجاوز نسبة 60% بحلول 2040، علما بأنه بفعل مبادرات التوازن المالي فقد تمكنت سلطنة عمان من خفض تلك النسبة من 80% في 2021 إلى أقل من 50% على نهاية 2022”.
ويتابع: فيما يتعلق بتنويع مصادر الدخل فتهدف الرؤية إلى تنويع المصادر وعدم الاعتماد كليا على النفط كمصدر وحيد للدخل، حيث تهدف إلى رفع مساهمة القطاع غير النفطي من 61% إلى نسبة 91% على نهاية 2040، بالإضافة إلى رفع مساهمة الإيرادات غير النفطية إلى الناتج المحلي من 9% إلى 18% على نهاية 2040، وسيؤدي ذلك إلى تعظيم الناتج المحلي للسلطنة حيث تهدف الخطة إلى رفع نصيب الفرد من الناتج المحلي بنسبة 90 في المائة على نهاية الرؤية، وفي بداية الرؤية بلغ نصيب الفرد 6264 ريال وفي نهاية الرؤية يبلغ 11900 ريال عماني للفرد.
ويذكر الوردي: أن أحد مرتكزات الرؤية إيجاد شباب عماني متسلح بالمهارات والمعارف العصرية المواكبة للعصر بما يتوافق مع احتياجات سوق العمل، وتهدف الخطة إلى رفع نسبة القوى العاملة في القطاع الخاص من 11 إلى 40 في المائة على نهاية الرؤية 2040، علما بأنها تبلغ في الوقت الحالي قرابة 17 في المائة.
وفي الجانب الإعلامي، يبين الكاتب الصحفي محمد الشيزاوي: “مما يتطلع إليه الإعلاميون من رؤية عمان 2040؛ في مقدمته إيجاد جيل من الإعلاميين على مستوى عال من المهنية والمعرفة والثقافة العالية، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التدريب الجاد الذي تتضافر فيه جهود الجهات الحكومية المختصة مع المؤسسات الإعلامية سواء كانت هذه المؤسسات حكومية أو خاصة، وما نلحظه في الوقت الراهن أن بعض الجهات الإعلامية لا تؤمن بالتدريب بالشكل الذي يؤدي إلى إيجاد كوادر إعلامية محترفة وإنما دورات تدريبية عادية لا يمكنها صقل مهارات الإعلاميين بالشكل الكافي”، مضيفا: الأمر الآخر المهم هو الاستفادة من الخبرات الإعلامية المتوفرة في المؤسسات الإعلامية بحيث تبقى في هذه المؤسسات عند تقاعدها لتكون بمثابة مرجع يستفيد منها الجيل الجديد”.
ويقول المتخصص في الاقتصاد الإسلامي الدكتور وضاح بن زاهر السيباني من جامعة السلطان قابوس، إن أن أبرز ما تتميز به رؤية عمان 2040 هو المتابعة والتقييم الدوري، ناهيك عن التركيز على تحقيقها من خلال خطة خمسية، تتضمن محاور وممكنات، تعمل على إيجاد توجه استراتيجي واضح قابل للتحقيق، ومبنية على خطط وبرامج سنوية، تُنفذ من قبل مختلف الوحدات الحكومية بالدولة، بوجود إطار تنفيذي لأنشطتها المختلفة والمتنوعة، وفق كلفة محددة، ومدة زمنية معينة، لها مؤشرات لتقييم نتائجها والنظر في نجاعتها، ومدى مساهمتها في تحقيق أهداف الرؤية العامة.
ويضيف: “هذا الترابط والتشعب التنازلي من بداية وضع الأهداف إلى تقييم النتائج، مع ولوج ذات العلاقة يجعل من آلية التنفيذ واضحة المعالم والكلفة والنتائج المرجوة، ما يمكن المحاسبة والتحقيق، والرقابة في التنفيذ، ذلك يعطي انطباعا حسناً على أن للرؤية وقع خاص عن سابقتها، وستحقق نتائج مرجوة من خلال إشراك المجتمع، حيث يتجلى له واقع المسلك وحسن التنفيذ لها، فالكثير من أفراد المجتمع أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من تحقيق أهداف الرؤية، على أقل تقدير وجودهم أو أقربائهم في مختلف الوحدات الحكومية، ما يظهر مسؤوليتهم اتجاه صياغة الإطار الناجع وطرح البرامج الواقعية اللازمة، والآخذة بتحقيق الرؤية وتطلعاتهم في آن واحد، وبالتالي الخروج بآلية التنفيذ من طموح للمجتمع وتطلعات أفراده، إلى ديمومة وواقعية العمل وحسن المآل”.
وتوكد الباحثة في التاريخ الدكتورة بدرية بنت محمد النبهانية: من خلال القراءة العامة للأحداث التي مرت وتمر بها سلطنة عمان منذ تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله ورعاه مقاليد الحكم في سلطنة عُمان نجد أن البلاد تسير نحو ترسيخ مبادئ الرؤية ومرتكزاتها مع وضع في الاعتبار كافة التحديات التي يمكن أن تواجهها وواجهتها البلاد، ففي مستوى الفكر والثقافة ظهر الأمر واضحا في الحراك الذي يشهده المشهد الثقافي العماني من تنوع في العناوين والفعاليات وكان معرض مسقط الدولي للكتاب في دروته ٢٣ شاهدا على ذلك،وقد شهدت الساحة بروز العديد من البرامج الثقافية المتنوعه التي ترعاها المؤسسات والجمعيات الأهلية والتي تعزز الشراكة بين الحكومة والمجتمع المدني أيضا.
وتضيف: نرجو أن يستمر الوضع في التطور والتجديد على كافة المستويات في السنوات المقبلة مع التأكيد والحرص على الانتقال لمرحلة متقدمة من الشراكة على مستوى القياداتويتاخ للشباب المزيد من الفرص ليتولى زمام القيادة في المجتمع، أما اجتماعيا فإن منظومة الحماية الاجتماعية التي تسعى الحكومة هذه الأيام لاقرارها فهي وكما يتداول تحمل في طياتها مزيدا من التقنين والتنظيم لرعاية المجتمع بكافة شر ائحه من صغار السن حتى كبار السن فيه.
من جهته، يؤكد الشاعر والأديب يونس بن مرهون البوسعيدي، أنه لا يمكن استيعاب الحديث عن الثقافة في رؤية عمان 2040 دون الحديث عن وضع أسس للثقافة العمانية تسير بها للعالمية، تتمم المنجزات التي نالتها الثقافة العمانية على الصعيد العالمي سواءً بواسطة الإدارة الثقافية الحكومية أو المنجزات الشخصية للمثقفين العمانيين، وهذه الأسس تحتاج لإعادة تقييم الوضع الثقافي العماني، ووضع شراكة جديدة مرّة أخرى بين الإدارة الثقافية الحكومية والمثقفين والداعمين للثقافة العمانية تستوعب أطياف الثقافة العمانية لأنهم جزء مهم من الثقافة العمانية وليسوا الكل، فالأدباء جزء والفنّانون جزء والمؤرخين جزء، حتى نصل للصورة الكاملة للثقافة العمانية، ونبني الصورة البانورامية الكاملة للثقافة.
ويوضح: “نحتاج لمصارحة أنفسنا، فالعالَم حوالينا يستخدم القوة الناعمة في تنفيذ خططه السياسية والحكومية، وأظن أننا في سلطنة عمان لم نشتغل جيدًا على هذا الجانب، ولعل العائق المادي له سبب إضافة للأسباب الأخرى، فهنا أرجو أنْ تكون في رؤية عمان 2040 قرارات تنفيذية لوضع مصادر مالية ثابتة تتناسب مع الطموح المرجوّ من الثقافة العمانية، هذه المصادر لو أديرتْ بكفاءة عالية من الأجزاء الثقافية العمانية ستمكننا من تحقيق خطوات مهمة في الجانب الثقافي من رؤية عمان 2040”.