حمد بن سعيد الصواعي
تنهض الأمم من مخاض ألم التحديات والأزمات عبر بوابة استشراف المستقبل بتحليل واقعها بما تقتضيه المكتسبات والتحديات، عبر أداة التخطيط الفعَّال كما ينبغي أن يكون في ظل معايشة تحديات الواقع، وتحليلها بأدوات قياس علمية مقننة بهدف التوصل لاستراتيجيات حلول تُلامس الحاضر والمستقبل.
والعمل على ضوء تحقيق ذلك لن يكون من فراغ، وفي ليلة وضحاها، إلا من خلال العمل الدؤوب على التحول المعرفي في هذا العصر عبر أدوات تبني المبادرات الفذة، والأفكار الاستباقية، والمشاركة الفعّالة في النقد البناء، في داخل نبض التلاحم والتكاتف الشعبي والمؤسسي المبني علي وحدة المصير والهدف من خلال استشراف خيوط المستقبل، من أجل الاستثمار في الإنسان والأرض للفرص المتاحة وإعداد العدة لنوائب الدهر.
ولقد أنعم الله على سلطنة عمان بمقومات جغرافية وحضارية واقتصادية واجتماعية وديموغرافية، تستطيع بقوة روح شعبها العظيم وتكاملية مؤسساتها خلال الفترة الزمنية القادمة أن تتبوأ مكانة عالية بين الدول القيادية في العالم كي تُزاحم هذه الدول في الخطوط الأمامية اقتصاديًا وعلميًا وسياسيًا، وهذا لن يتحقق إن لم يكن لدينا استراتيجية وطنيه واضحة وواقعية ومرنة ومستدامة، وهذا ما تم العمل من أجله ونفتخر ونُفاخر به وهي حلم رؤية عمان 2040م.
وما أحوجنا اليوم في ظل وجود منافسة شرسة بين دول العالم أن تكون لدينا رؤية مستقبلية متبلورة في رؤية كاستراتيجية وطنية وحضارية تُركز على حاضر عمان ومستقبلها، من أجل مواكبة المستجدات العالمية في كافة القطاعات على مختلف المستويات، من خلال تفخيم قوة مكاسبنا التنموية التي تحققت في عهد جلالة السلطان قابوس رحمة الله عليه، كي تُعطينا الدوافع الصلبة لذلك، مقياسًا كيف كانت عمان؟ وكيف أصبحت في عهده بتأسيس دولة نمت وطاولت إنجازاتها عنان السماء، وبالوقت نفسه العمل علي التحسين والتطوير بصفة مستمرة في توظيف مواردنا ومقوماتنا لتكون المصدر الذي يُغذي هذه الرؤية المستقبلية الإبداعية من خلال حشد الحشود الشبابية واستثّمارها، والعمل على شحذ هممها وطاقاتها وقدراتها لتكون رؤية عمان 2040م هي خارطة طريق وطن.
وهكذا رؤية عمان 2040م في جوهرها ليست مشروع تطوير مؤسسات دولة كما يظن البعض، أو توفير عدالة اجتماعية كما يريد البعض، أو تحقيق نهضة اقتصادية كما يحلم البعض، بل هي أبعد من ذلك، وأعمق بكثير في مضمون الرؤية كمصدر نواة نهضة أمل أمة تمتلك إرثا تاريخيا وحضاريا منذ أزل العصور الزمنية، وهذا الإرث يعطيها الدافع القوي بأن تكون كما يجب أن تكون في المكانة العالمية التي تستحقها.
فالرؤية هي خارطة طريق لوطن ولإنسان ولأرض، لرسم مستقبل العماني من خلال أدوات الأفكار الإبداعية والبرامج الإصلاحية والخطط الاستباقية لتحقيق التنمية الشاملة لتفتح المجال بأن تكون عمان في المكانة العالمية التي تستحقها بين الأمم المتقدمة وهو الهدف الأسمى لرؤية عمان 2040م.
ومن هنا تبدو المسؤولية عظيمة على شباب الوطن في تحقيق الغاية المنشودة بأن يكونوا قاطرة بناء وعمل تجذب خلفها كل ما يساهم في تحقيق أن تكون سلطنة عمان مشروع نهضة أمة.
وفي ختام كل عام وبداية كل عام، يجد العماني نفسه ملتفا بقوة الروح حول رؤية عمان 2040م من خلال الرغبة والحماس وبذل الجهد والعرق في المضي قُدمًا لتحقيق الإنجاز كتطبيق عملي وليس كإطار نظري كما يروج له أصحاب النظرة التشاؤمية.
وكل ذلك يرجع في أن محاور الرؤية تحت مجهر جلالة السلطان هيثم حفظه الله ورعاه، من خلال توجيهاته المستمرة في تحقيق المحاور والركائز التي تقوم عليها الرؤية، وهذا الاهتمام المكثف من رمز الوطن هو دلالة واضحة بأن الرؤية هي البوصلة في تحقيق الأهداف المرسومة على المدى القريب والبعيد.
وتجلى ذلك عمليًا من خلال تخصيص وحدة متابعة تنفيذ رؤية عمان 2040م كجهة مستقلة معنية بمتابعة تنفيذ محاور الرؤية وفق الخطة الزمنية المعدة لذلك.
والمتابع عن كثب لبنود الرؤية يسَّتشعر الثمار الناضجة في كل محور من محاورها، وفي كل هدف من أهدافها، وفي كل برنامج من برامجها، وفي كل فكرة من أفكارها، وهذا بحد ذاته يُبرهن قوة وضوح الرؤية وصلابتها رغم التحديات وسلامة التطبيق رغم تقلبات الزمن لما خطط من أجل تنفيذه.
وها هي المشاركة تتجسّد في أبهى صورها من خلال لقاء مفتوح بكافة شرائح المجتمع في مناقشة بأداة العصف ذهني حول ما تم تحقيقه من أهداف رؤية عمان كبرهان قاطع، ودليل ثابت بأن الرؤية واهدافها وبرامجها وأفكارها هي بصمة ضوء قد تُحلق بعمان نحو هامات المجد، ونجمة مضيئة وستظل مُضيئة في سماء عمان حتى عام 2040م بحول الله وقوته.
وعلاوة على ذلك، تجسَّدت المشاركة المفتوحة في الشفافية بالطرح بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني دقيقة في فتح مجال حرية الرأي للجميع ومن مختلف شرائح المجتمع، لمناقشة محاور الرؤية عبر بوابة فعاليات ملتقى ”معا نتقدم”، بمركز عمان للمؤتمرات والمعارض، وذلك بدعوة من الأمانة العامة لمجلس الوزراء حيث يعد الملتقى الأكبر من نوعه، بمشاركة مئات الفاعلين والنشطاء والأكاديميين والخبراء والمختصين؛ للوقوف على أبرز ما تم تنفيذه والتخطيط له في مختلف المجالات ضمن رؤية عمان 2040.
