العُمانية- شؤون عمانية
نظمت محافظة جنوب الباطنة ضيف شرف معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته السابعة والعشرين، جلسة حوارية بعنوان “الرواية التاريخية في عُمان بين التخييل والتوثيق” بمشاركة مجموعة من الباحثين المتخصصين، وذلك ضمن الفعاليات الثقافية المصاحبة للمعرض بقاعة العوتبي.
تضمنت الجلسة ثلاث قراءات: قراءة في رواية “فومبي” للكاتبة بدرية البدرية تقدمها الدكتورة رائدة مهدي العامري أستاذة في كلية التربية الأساسية قسم اللغة العربية بجامعة بابل العراقية، ورواية “عُماني في جيش موسيليني” للكاتب ماجد شيخان قدمها الدكتور محروس محمود القللي أستاذ النقد الأدبي والأدب المقارن بقسم اللغة العربية في جامعة السلطان قابوس، ورواية “أبراهام غوبي” للكاتب خليل خميس، يقدمها الدكتور نضال الشمالي أستاذ السرديات والنقد الحديث بجامعة صحار.
وقالت الدكتورة رائدة العامري التي شاركت عبر الاتصال المرئي: إن النص السردي في رواية “فومبي” أعطى للنص الأدبي قيمة فنية ثقافية مكَّنه من الخوض في أعماق الفكر والأدب، ليمنح الكاتب سلطة وحرية في التخيل والكلام؛ ما أدى إلى انفتاح معناه وتداخل بعضه بمفاهيم مميزة.
وأكدت أن الروائية العُمانية بدرية البدرية من أهم العلامات الأدبية والإبداعية المشرقة في الأوساط الثقافية وفي ترسيخ حضورها على الساحة الأدبية، وتمهيد طريقها الإبداعي بقلمها المتوهج ورؤيتها السردية الرائعة.
وأشارت إلى أن رواية “فومبي” استحضارٌ لذكريات مع الألم ترسم أشكال الصدام والمناورة التي فرضتها الهيمنة، وتركت آثاراً أدبية وثقافية مميزة، حيث سرّعت وتيرتها الإبداعية في إنتاج عملها الأدبي، فاحتل إنجازها الأدبي مكانة بارزة من حيث الكم والنوعية، وهذا يدل على قدرتها وثقافتها الواسعة التي تمثل ظاهرة أدبية مميزة.
ووضّحت أن الروائية حاولت ربط الأماكن الحقيقية بالشخصيات بدقة طبيعية استمدتها من الواقع الذي يحمل أسماء وأماكن تلامس الواقع الاجتماعي المتعلق بقضايا تعبّر عن واقعهم النفسي، وتطمح إلى تسجيل توثيق تاريخي لها، وتكشف الأحداثُ حقيقة المجتمع، وتكتسب أهمية لتثير قضايا إنسانية وثقافية وفكرية، وتحفز التفكير والحوار.
وذكرت الدكتورة رائدة العامري أن اختيار موضوع الهوية كمادة في الرواية يتجاوز المستوى الدلالي إلى المستوى السردي، إذ يرتبط بقضية عميقة لتوفر الظروف المناسبة لتغيير أنماط السرد وإنشاء أنواع جديدة غير عادية، مشيرة إلى أن المتأمل في لغة الرواية يدرك أنها تؤدي الوظيفة التي تحرك بنية السرد، وتنضح بالنص السردي وتداخله وتفاعله ليقدم رؤى مميزة للمتلقي والمجتمع.
من جانبه قال الدكتور محروس القللي: “يبدو أن التأويل مهمٌّ في تفسير نص روائي يقوم في جزء منه على فكرة التاريخ، في مكانٍ “سردي” لا ينتمي إليه الروائي العُماني ماجد شيخان ولا بطلُ روايته “خلف”، وأعني هنا رواية “يوميات عُمانيّ في جيش موسوليني” التي صدرت طبعتها الأولى عام 2020 حيث تقدم الرواية شخصية “خلف” ذلك الشاب الذي يرغب في الهجرة من أجل الحصول على تجارةٍ تعودُ عليه بالمال الوفير”.
وأضاف أن الرواية تُصوّر شخصيات حقيقية وأخرى متخيلة، ضمن أحداث وقعت في الماضي، وفيها يُقدم التاريخ من خلال هذه الشخصية وأحاسيسها ووجدانها، وفيها يكون الاعتماد على توثيق الحدث المهم بذكره أو بالإحالة إليه.
وأكد أن الرواية تستوحي أحداثها من وقائع حقيقية، وأماكن وشخصيات تاريخية، ونقصد هنا الشخصيات الفعلية والمؤثرة، منها: موسوليني من إيطاليا، ومحمد عبدالله حسن في الصومال. ومن عدد من الصراعات والمعاهدات؛ وهي خصائص تتوفر عليها كذلك الكتابة في السير الذاتية، من حيث الاسترجاع الآلي لحياة الأعلام توثيقًا وتخيّلًا.
وأشار إلى أن هذا التوصيف قد يكون الأقرب إلى رواية ماجد شيخان، حيث تُبنى الرواية على المزاوجة بين حياة شخصية حقيقية اسمها “خلف” وأحداث تاريخية حقيقية تقرّب بناء الرواية من البناء التاريخي، وهذا التقارب النوعي في الرواية تقارب مألوف أشار إليه جورج لوكاش في كتابه “الرواية التاريخية”.
وقال الدكتور نضال الشمالي: إن رواية “أبراهام غوبي” سيرة ذات بُعد رومانسي تاريخي بامتياز، تتخذ من العُمانيّ القادر على التكيّف مع الظروف الصعبة موضوعًا لها. مضيفًا أن عنوان الرواية جاء لافتاً ومحرّضاً على القراءة، متحيّزاً إلى شخصية بطلها، ويبشّر مبكراً بتبئيرها ومتابعتها، وهي إحالة مبكرة لتشخيص هذا العُماني وعبوره لطقوس التشكّل.
وأشار إلى أن غلاف الرواية يدّخر مفردات خاصة ظهرت بجلاء، منها السفينة والرياح والبحر والبحارة واليابسة، وهي مفردات سيكون لها شأن كبير في الرواية.
ووضّح أن الرواية وظفت راوياً غائباً عليماً غير مشارك بالأحداث، يملك القدرة على اقتحام الأسرار وعرضها، وتتبع الشخصيات عبر الزمان المكان، لكنه راوٍ مؤازر لشخصية البطل متابع لها من كثب، يقف خلف شخصية البطل “إبراهيم” على الدوام ينظر بعينيه ويفكر نيابة عنه.
وذكر أن هذا الراوي مصرٌّ على تقديم جميع البيانات دفعة واحدة عن الموقف نفسه ويجيد التسجيل أكثر من التشكيل، ويستخدم لغة بسيطة محدود العمق فيها في معظم المواقف، وأكثَرَ هذا الراوي من المعلومات غير الضرورية المباشرة التي تقلل من فنية الرواية، فضلاً عن أن هذا الراوي لا يجيد اللعب على الزمن ويبقى عند النمط الكرونولوجي في تناميه.
وأكد أن أكثر ما اشتغلت عليه الرواية شخصية بطلها “إبراهيم بن أيوب بن محمد”، وهو بحّار عُماني شابّ من بلدة السويق، وركزت على شخصيته منذ أن كان ابن تسعة عشر عاماً، وتنتهي بوفاته على شاطئ بحر عُمان مطمئناً هادئ البال.
