الكاتب والباحث حارث بن سيف الخروصي
يطالعنا في هذه الأيام من الثلث الأخير من شهر أغسطس، ظهور نجم “سهيل” في جنوب القبة الفلكية، ولظهور هذا النجم حديث طويل متعلق بنشاط الإنسان العماني.
إن ظهور هذا النجم يعد دليلا على انقضاء موسم القيظ الشاق وجني التمور ويبدأ الجو في الاعتدال بعد موسم الصيف، ويطول الليل و تهدأ الرياح، ومن الأمثال الشعبية في عمان “إذا طلع سهيل برد الماء والليل”، فيشعر الإنسان بتغير في المناخ، حيث يبدأ الليل بالبرودة التدريجية وكذلك يبرد الماء في أواني الفخار بعد فترة قاسية من الصيف.
و يستعد البدو مع ظهور نجم سهيل لمغادرة الواحات والرجوع إلى الصحراء، محملين بما جنوه من التمر الذي يعينهم في فترة الشتاء ومحملين بما سيحتاجونه في موسم الشتاء، متبضعين من الواحات، فيسيرون إلى الصحراء و قد انكسرت حرارة القيظ، وطالت الليالي لتعود أوقات السمر على وهج النار وأحاديث القاصين وترانيم الشعراء وغناء الحداة، وفي الليالي المقمرة يسيرون في الليل مهتدين بالنجوم في تقنيات ومهارات طوروها عبر أجيال طويلة، قال تعالى (وَعَلَامَاتٍ ۚ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) آية 16 النحل، فهم يهتدون في طريقهم إذا ما أدلج عليهم الليل بالنجوم، فيعرفون مسارهم وموقعهم من خلال مواقع وارتفاع النجوم في القبة الفلكية، وكذلك بعلامات من خلال طبيعة وطبوغرافية الأرض التي يسيرون عليها، وحتى من هبوب الرياح واتجاهها في تقنيات طورت عبر أجيال متعاقبة مما يدعوا للتأمل والتعجب.
و مع طلوع نجم سهيل تبدأ الأجواء في السكون والاستقرار، فيقوم أهل البحر بإصلاح مراكبهم و شباكهم استعدادا للموسم القادم وتزيد حركة التبادل بين الساحل و المدن الداخلية والواحات، حيث تبدأ الواحات بإرسال القوافل من التمور والليمون المجفف و منتجات الواحات الجاهزة للتصدير و تعود محملة بالأسماك المجففة و الواردات من البحر .
وقد أشار والدنا الفلكي سيف بن حارث الخروصي في كتابه “الفلك في عمان”، وهو كتاب غير منشور، إلى أن “أول نجم عند دخول الشتاء هو اليمين مائة أربعة آثار وهن طلوع الميازين يطلع نجم بو ربع أثر اليمين وهو نجم الغفر ثم يطلع نجم من الجانب الشرقي يمضي منه 11 قياسا تطلع نجوم الخنجر يمضي منه أثر ونصف يغرب نجم على حيل المحامي أم سوني وهو نجم طائر البحر يبقى من اليمين نصف أثر الثاني سهيلة مائها نصف أثر تطالع الشعرة الحمراء”.
فهنا يشير والدنا الفلكي سيف بن حارث الخروصي- رحمه الله- إلى أن أول نجوم دخول الشتاء ليس سهيل بل نجم اليمين وأيضا هنا يذكر سهيل بالتأنيث (سهيلة) ففي عمان يسمى سهيلا وسهيلة، و توجد العديد من القرى والمواضع في عمان تسمى سهيلة، وهي تدل على موضعها في الجنوب فلقب نجم سهيل (اليماني د) أي أنه جنوبي.
و يصنف الفلكي سيف بن حارث الخروصي نجم سهيل من نجوم الشتاء حيث أن مطلعه من الثلث الأخير من أغسطس إلى شهر بداية شهر مايو ويكون مطلعه في شهر أغسطس بداية الفجر و يتقدم مطلعه مع الشتاء إلى أن يغيب فيكون مواكب لشهر الشتاء.
و في عمان كان سهيل اتجاه فيقا للجنوب الجانب السهيلي و للشمال الجانب النعشي بالإضافة إلى الشرق و الغرب، أما في الأدب العربي فارتبط نجم السهيل بالشوق والحنين، فقال مجنون ليلى:
وما طلع النجم الذي يهتدى به *** ولا الصبح إلا هيجا ذكرها ليا
ولا سرت ميلا من دمشق ولا بدا *** سهيل لأهل الشام إلا بدا ليا
وقال عمرو بن أبي ربيعة:
أيها المنكح الثريا سهيلا *** عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت *** وسهيل إذا استقل يماني
فيقصد الشاعر أن لقاء سهيل والثريا مستحيل فسهيل منزله الجنوب و الثريا منزلها الشمال لا يلتقيان
و حركة النجوم ومطالعها ومغاربها لا تختلف عن سنون الكون، ومن ضمنها حياة الإنسان والحضارات بين شروق وأفول، وأيضا ما يكتنف الإنسان في حياته من صعوبات فإنها زائلة، و كذلك من مسرات في تغير دائما كما هي حركة الكون والكواكب فلا يجزع الإنسان من عسر ولا يطيل الفرح بيسر، فتغير الزمان والأحوال هو من ثوابت هذا الكون كما هي حركة النجوم وتغير منازلها وظهورها وأفولها في حركة دؤوبة يعتبر الإنسان منها وهو ذاته أصغر أجرام هذا الكون الفسيح.