د. معمّر بن علي التوبي
أكاديمي وباحث عُماني
عُمان تدخل مرحلة اقتصادية جادة ومتميزة، وهذه المرحلة تُعدُّ نتاجًا مبكّرًا لمشروع رؤية عُمان 2040 التي يرتبط مدى نجاحها بتحقيق التطلعات الخاصة برفع المستوى المعيشي للمواطن التي نطمح إليها جميعنا؛ كون تحقق هذه التطلعات مَنوط بتحقق عدد من الشروط، أهمها تحقيق أقل نسبة ممكنة للعجز المالي، وخفض الدين العام، وتحسين الصورة الاقتصادية العالمية لسلطنة عُمان مثل رفع التصنيف الائتماني. عندما نأتي إلى لغة الواقع والأرقام فإننا نجد أنفسنا نسير إلى جهة واضحة المعالم تُبشّر بمستقبل اقتصادي واعد وقوي، وهذا ما يمكن رؤيته مؤخرًا من إنجازاتٍ تُحسب لصالح النمو الاقتصادي العُماني مثل تحسّن النظرة المستقبلية الخاصة بالتصنيف الائتماني حسب وكالة موديز (Moody’s) من نظرة سلبية (في العام الماضي) إلى نظرة مستقرة، ومن نظرة مستقبلية مستقرة إلى نظرة مستقبلية إيجابية حسب وكالة ستاندرد آند بورز (Standard & Poor’s) 1. كذلك التحسن الملحوظ في الأداء المالي خصوصًا من حيث انخفاض معدل العجز في 2021 بنسبة 58% عن معدل العجز في عام 2020 ليصبح 1,030 مليونًا هذا العام (حتى نهاية سبتمبر 2021) مقارنة بعجز بلغ 2,448.3 مليونًا سُجّل في 2020 .2كذلك توقع صندوق النقد الدولي زيادة النمو الاقتصادي لسلطنة عُمان في 2021 ليصل إلى معدل 2.5% الذي يُعدُّ الأعلى خليجيًا بعد المملكة العربية السعودية وفقًا لآخر تصنيف (شهر أكتوبر 2021) نشرته World Economic Outlook .3كذلك خفض المديونية (الدين العام) يأتي ليكون أحد أهم الأولويات التي تسعى الحكومة إلى تحقيقها من خلال تنفيذ خطة التوازن المالي. هذا التحسن الملحوظ لم يكن ليتحقق لولا وجود خطة اقتصادية ومالية رُسِمت بدقة عالية تتمثل في رؤية عُمان 2040 التي شقّت -ولا تزال تشق- طريقها بوجود العاملين المخلصين من أبناء الوطن متمثلًا في التخطيط والتنفيذ والمتابعة والتضحيات المؤقتة التي نقبلها بوعي وإيمان راسخ لتحقيق مستقبل اقتصادي مشرق.
أثبتت التوجيهات السامية الأخيرة التي ركّزت على رفد مستوى معيشة المواطن أنَّ المواطن العُماني في قمة الأولويات التي تعمل الحكومة على التركيز عليها ورفع مستوياتها بعد كل مرحلة تصحيحية مثمرة مثل هذه المرحلة التي أينع بعض ثمارها في وقت مبكّر وقياسي؛ لتعكس الإنجازات والصور الإيجابية المعروضة آنفًا وسبل استثمارها فيما يصب في مصلحة الوطن والمواطن. جاءت هذه التوجيهات السامية لتكون بمثابة مكافأة يستحقها المواطن العُماني الذي آمن بأهمية تبنّي رؤية مستقبلية تسعى لبناء استدامة اقتصادية ومالية طويلة ومستقرة، وهذه التوجيهات تمثلت -كما نُشرت- في عدة جوانب منها ترقية المواطنين التابعين لنظام الخدمة المدنية والأنظمة المدنية الأخرى من أقدمية 2011، وتثبيت أسعار وقود المركبات وفقًا لأسعار شهر أكتوبر 2021 كحد أعلى على أنْ تدعمَ الحكومة أي زيادة تتجاوز هذا المعدل حتى نهاية عام 2022. كذلك التوجيهات السامية بإنشاء وحدة مستقلة لقياس أداء المؤسسات الحكومية تتبع جلالة السلطان بشكل مباشر؛ لتعكس الرؤية الثاقبة في تفعيل نظام المتابعة والمحاسبة؛ ولرفع مستوى الجودة والخدمات الذي يساهم بشكل إيجابي في معالجة هدر المال العام، وتخفيض العجز المالي؛ وبالتالي تحسين المستوى الاقتصادي والمالي الذي سيسهم في إيجاد مزيد من المميزات التحسينية التي تخص معيشة المواطن واستقراره المالي.
المبتغى الذي يحمله هذا المقال هو ليس لعرض مبالغات لا تمت إلى الواقع بصلة، وليس لتكرار ما يُقال ويُعرض لكن لعكس الصورة الواقعية الإيجابية التي ينبغي أنْ نراها أيضا بجانب تطلعاتنا الكبيرة والكثيرة التي لم تكن لتوجد لولا حب الوطن والشعور بالمسؤولية الوطنية؛ فالواقع الحالي المبني على ما أُنجِزَ مؤخرًا أراه مسارًا تصحيحيًا يمنحنا تفاؤلًا كبيرًا، ويمكننا من خلاله أن نستشف مستقبل الوضع الاقتصادي والمالي العماني عبر تفحص شامل لجزئيات المراحل الأولى لمسيرة رؤية عُمان 2040 وذلك منذ انطلاقتها الفعلية في 2020 وما تبعه من قرارات قد يجدها بعضنا غير مريحة، ولكن ما إنْ نرى حصيلة ما أُنجِزَ في أقل من عامين وثماره وهي تتوالى في الظهور فإنَّ ذلك يبرهن على نجاح خطوات هذه الرؤية المستقبلية، وما تبع نجاحها من التوجيهات السامية التي برهنت هي الأخرى أنَّ المواطن العماني هو الهدف الأول التي تعمل هذه الرؤية لأجله ولأجل استدامة اقتصاد وطنه، ولا بد حينها أنْ نستبشرَ مستقبلًا واعدًا يحمل في طياته المزيد من الإنجازات التي ستُسعِد المواطن العُماني وتحقق تطلعاته المنشودة، وإنّي لأجد ذلك قريبًا بإذن الله.
المراجع:
1- ينظر: https://www.atheer.om/archives/572877/موديز-تعدل-تصنيف-السلطنة-الائتماني-إ/ تاريخ الزيارة 15th October 2021.
2- ينظر: https://www.omandaily.om/الاقتصادية/na/226-ارتفاعا-في-الإيرادات-العامة-مع-تحسن-أسعار-النفط-613-مليون-ريال-أرباح-الاستثمارات-الحكومية-ونحو-970-مليون-إيرادات-الضرائب-والرسوم تاريخ الزيارة 15th October 2021.
3- ينظر: https://www.imf.org/-/media/Files/Publications/WEO/2021/October/English/text.ashx تاريخ الزيارة 15th October 2021.