مريم الشكيلية
يقول “مازيني”: “مهما يفعل الأب فإنه لا يستطيع أن يجعل ابنه رجلا، إذ يجب أن تأخذ الأم نصيبها من ذلك”.
وهناك مثل عربي يقول: “كن لابنك معلما وهو طفل، وصديقا حين يكبر”، وبونابرت يقول: “مستقبل الولد صنع أمه”.
أقوال كثيرة وكثيرة في ما يخص الأبناء ونشأتهم وطبيعة علاقتهم مع والديهم،
وفي هذا المقال أود أن أتحدث عن الآمال التي يعلقها الوالدين على الأبناء وطبيعة هذه الآمال والكيفية التي يعتمدونها ويمارسونها مع أبنائهم.
إن الآمال هي تلك الأحلام التي يرسمها الآباء ويحلمون بأن يحققها الأبناء، أما أن تكون هي أحلامهم ونجاحاتهم وإنجازاتهم في الحياة ويودون ويخططون أن تكون هذه الأحلام والآمال في أبنائهم أسوة بهم، أو أنهم يودون أن يحققوا تلك الآمال في أبنائهم بعد فشلهم هم لسبب أو لآخر في تحقيقها.
حين يبدأ الزوجان مشوار حياتهم الأسرية، من الطبيعي أن تكون لهم أحلام مستقبلية ناجحة، منها أن يكون لهم أبناء ناجحون ومتميزون في حياتهم العلمية والعملية، وهذا حلم كل أبوين وهدف يضعونه نصب أعينهم، وهذا أمر طبيعي جدا جدا لاستقرار وحياة أسرية مستدامة ومستقرة.
ولكن ما هي الطرق والوسيلة لتحقيق أسرة ناجحة مع أبناء متميزين وصالحين في الحياة؟.
هذا هو السؤال السهل والصعب في آن واحد، ولماذا تلجأ الأسر إلى طرق مختلفة بغية تحقيق هذا الهدف؟ ولماذا نعلق الآمال الكبيرة على الأطفال؟ وفي الحقيقة هي آمالنا نحن وأحلامنا نحن ننقلها منا إلى أبنائنا بعد فشلنا في تحقيقها، أو نجاحاتنا وإنجازاتنا وتميزنا نعكسه منا إليهم.
للوالدين الحق ومن الطبيعي أن يجعلوا أبناءهم في منصات التفوق والنجاحات المتواصلة والتميز الدائم، هذا حلم وأمنية لكل أب وأم وكل ما يمارسونه من تربية وتنشئة وعلاقة مع أبنائهم بهدف الوصول بهم إلى التميز والتفوق، ولكن ما لا يدركه الكثيرون من المربين أنهم يسلكون مسالك خاطئة لتحقيق هذا الهدف مما قد تؤدي بهم إلى نتائج عكسية، منها تعليق آمال كبيرة على عاتق أبنائهم فمنذ اللحظة الأولى في مرحلة إدراكهم تجد الأب والأم أو إحداهما يقول للابن أو البنت: فلان المهندس أو الطبيب أو المعلم أو فلانة الدكتورة أو الأستاذة ، ليس بقصد الحديث العفوي أو ما شابه وإنما التكرار وبمناسبة أو بدون مناسبة، قد يكون الابن أو البنت لديها ميولا مختلفة في مجالات مختلفة كالفن أو الرسم التشكيلي أو غيرها من المجالات، وهنا يصبح الأبناء بين رغبات والديهم وبين رغباتهم هم د، أو أن يقول الوالدان ايني أو بنتي سيكونون كذا وكذا في الحياة دون أن يحدثوا أنفسهم إن كان أبنائهم لديهم الرغبة أو القدرة في ما يرسمون لهم والديهم.
حين يعلق الوالدان الآمال العريضة والكبيرة على أطفالهم ولا يستطيع أو مقدرة الطفل لا تقوى أو تستوعب أو قدراته لا تأهله ليكون على مقاس تلك الآمال، يبدأ الوالدان في لوم الطفل أو يقللون من شأن ما يستطيع أن يكون أو ميوله، لا يستوعب الوالدان أن للأبناء مقدرة أو ميول أو طبيعة خاصة بهم وأنهم كائن مختلف عنهم، وليس بالضرورة أن يكون مثلهم في القدرات أو الإنجاز أو الميول، هنا يحدث الصدام بين الوالدين وأبنائهم، حينها يشعر الوالدان بخيبة الأمل في أبنائهم، في حين يشعر الأبناء أنهم محرومون من دعم ذويهم أو تقبلهم لهم.
وهنا أيضا ينظر الوالدان للأبناء أنهم مشاريع نجاح أو فشل يتفاخرون بهم أو يصابون بالخيبات وكأنهم يقرأون في أعين المجتمع نجاحهم أو فشلهم هم، ويغيب عنهم أنهم أبناء كائن حي لهم رغباتهم وقدراتهم، وليست مشاريع حلم أو براويز وإطار من خلالهم نصنع واجهة لنا على حسابهم.
إن ما تخلفه تلك الطريقة من تعليق الآمال الكبيرة على الأبناء وتحملهم مستقبل وعبء أكبر من طاقتهم أبعد مما يظن ويعتقد الوالدان والمربون، وأنه قد يؤدي إلى تبعات ونتائج وخيمة، أقساها شعور الأبناء بالنقص وعدم الرضا عن ذاتهم، وهذا يتركهم عرضة للأفكار السلبية والهدامة واستغلال أصحاب النفوس الضعيفة لهم، أو شعورهم الدائم بالفشل ولا يستطيعون إنجاز تقدم في حياتهم في ظل غياب الصورة والحقيقة لميولهم ودعم والديهم وتقبل لقراراتهم وقدراتهم، وأيضا يشعرون بعدم محبة والديهم والنفور منهم وتجنبهم لهم في المنزل أو تحججهم بحجج واهية في اصطحابهم معهم في المجتمع، حين تأتي هذه الآمال بغير ما يشتهون وليس فقط آمال مستقبلية لطموحاتهم وإنما أيضا آمال تربوية.
في المقابل يكبر الأبناء وهم يحملون مشاعر متناقضة عن والديهم حين يعتقدون ويلمسون خيبة آمال والديهم منهم يكبر في داخلهم الغضب والحزن والشعور الدائم بالغربة والوحدة ويضعف حبهم وانتمائهم لوالديهم.
ولتجنب كل هذه النتائج وهذا الشتات الأسري يجب على الوالدين والمربين توخي الحذر في التعامل مع قدرات أبنائهم وتجنب حملهم آمال أكبر من طاقتهم وأن تكون علاقتهم بهم وتعاملهم معهم.