منى المعولية
ينتج الوعي تراكميا، لا بالاستيراد دفعة واحدة، فما هو مقياس التحضر وما هي المعايير والأسس التي تقوم عليها الحضارة العربية حاليا، إذا ما افترضنا أنني عن وعي الإنسان العربي أتحدث؟!.
أرى أننا اكتفينا بالنقل والتقليد دون اسقاط تلك الممارسات على الواقع، حين نتمعن في الأفكار الجديدة أو ما يسمى بالحداثة، نجد كثيراً إننا اكتفينا بتقليد الحداثة العمرانية والتسابق على تطوير شكل المباني لتواكب العصر والغرب، وكأن جل أحلامنا هو خلق مجتمعات شكلية تضاهي المجتمعات الأوربية من حيث شكل الحياة وأسلوبها في حين يغيب عنا بناء قاعدة وأسس راسخة لذلك التحضر من خلال البشر، لا الحجر.
لا يوجد حداثة أو حضارة ما لم يتشكل الوعي الإنساني، ولن يتشكل ذلك الوعي المطلوب، ما لم يكن الإنسان هو اللبنة الأولى المستهدفة في ذلك الوعي، يجب أن ننطلق من الإنسان وننتهي إليه، والاهتمام بكل ما من شأنه أن يوصله للقمة، فحين نتج الوعي فإننا نضمن رسم الحضارة في جميع المجالات الأخرى.
فما الذي حدث حقا؟
لقد كان كارل ماركس يرى أن الوعي يولد من خلال ثورة العمال ومن خلال الحراك الاقتصادي الطبقي، حين تنشط البروليتارية ضد الرأسمالية الاستغلالية،
ولكن كما قلنا أن الوعي بقى كلاما انشائيا لا أكثر ولم يتشكل لا بالتاريخية الاقتصادية التي افترضها ماركس ولا بالصفة الجدلية الهيجلية، على الأقل علينا كشعوب عربية، وحين نسقط عدم نجاح هذه الفرضيات على شعوبنا تتحقق رؤية هاربرت ماركوز في ” الإنسان ذو البعد الواحد” وسنتوقف عن الاستثارة الحقيقية والأسباب التي من أجلها يخلق الوعي، فقد أصبحت العدالة الوهمية هي من تحارب ذلك الوعي الحقيقي، لماذا؟!
لأن اليوم صاحب المال والعامل يستطيعان امتلاك نفس الماركة في السيارة وفي الموبايل وفي شكل الأبنية وأماكن العيش، والسفر وفي كل التفاصيل، فيتوهم الإنسان الحرية وتهدأ الثورة الحضارية وتبقى شكلية لا حقيقية، لن يتمعن ذلك العامل أن ما اكتسبه هو قيود وتكبيلات أخرى وعبودية جديدة مدموغة بصكوك الحرية الزائفة، إنها استعبادات العصر الحديث ووهم الحداثة وزيف التحضر وانفلات القيم الإنسانية الثورية، ولا يعي العامل أنه يقيد ويكبل بالديون في حين أن الرأسمالي يتمتع بأرباح جهده هو – أي العامل- دون ان يكتسب وعيا حقيقيا ينير دربه إلى حقه.
نحن خدعنا كثيرا باسم التمدن والتحضر، فأصبحنا نتقمص الشعارات دون أن نعي أبعادها، فننادي بالتعايش مع إسرائيل على سبيل المثال بحجة السلام، فكيف تسالم مستعمرا؟
وأصبحنا نتضمخ بالديموقراطية الزائفة وننتخب ونختار ولكن وللأسف مازالت الكثير من شعوبنا ذائبة في حدود القبيلة والطائفية ومازال هناك من يختار مرشحه من أجل ضمان رغيف خبز وزيت وحليب!!
ما لم تخلق الوعي في البشر لن ينفع تمدن الحجر، علينا أن نحقق القاعدة الهرمية لماسلو وضمان الاحتياجات الأساسية للإنسان والسير به نحو التكامل والاكتفاء ومع ضمان الغذاء والماء والدواء عليه أن يجد العلم بذات الوتيرة والتساعد لكي يتشكل وعيه بالتمكين، لا بالتلقين،