منى بنت سالم المعولية
التقط أفكاره من أحاسيس الناس، قض مضاجع الجبناء بريشته، رسم وزلزل وزحزح الأقنعة عن مكامن الخلل، وقطع الحبال عن دمى المسارح لتظهر كما هي من غير محرك.
يقول: “كلما ذكروا لي الخطوط الحمراء فيما أفعل طار صوابي، أنا أعرف خطا أحمرا واحدا، وهو أنه ليس من حق أكبر رأس أن يوقّع على اتفاقية الاستسلام والتنازل عن فلسطين”.
صاحب هذه العبارة هو رسام الكاريكاتير الساخر ناجي العلي، الفلسطيني الحر ابن مخيمات اللجوء، المهجر عن وطنه قسرا، وهو الذي عاشت فلسطين بين ضلوعه وبقت حتى لحظة اغتياله ممسكا بيديه رسوماته التي تدينهم، وتفضح خيانة العرب أنفسهم لقضية فلسطين.
من خلف خرائط أسلاك اللجوء، عاش ناجي العلي يرسم بالطباشير على جدران مخيم “عين الحلوة” بلبنان، يحلم بعودة فلسطين وعودته إلى وطنه، وكبر لتكبر ريشته معه، ريشته التي أنجبت الفتى حنظلة ذو العشرة أعوام، حنظلة الذي لم يكبر منذ ساعة ولادته، كان من خلاله يعبّر ناجي العلي عن الوضع العربي والصمت والتخاذل تجاه قضية وطنه بأسلوب ساخر، كان يظهر حنظلة دائما عاقد اليدين إلى الخلف، يعطي للواقع ظهره ليعبر عن استيائه.
حين سئل رسام الكاريكاتير عن وجه حنظلة متى سنراه؟! أجاب حين يسترد العربي حريته وكرامته، بقي حنظلة حاضرا في رسومات العلي وبقيت يداه خلف ظهره مستديرا عن وجوه من تخلوا عنه وعن أرضه، تلك التي عرف عشبها وأحجارها وعرف فيها الظل والنور، تلك التفاصيل التي ارتوت بها موهبته حتى أصبح قلمه وفرشاته كمبضع الجراح، أينما أصاب استأصل الورم وكشف الخلل.
اغتيل ناجي العلي في لندن بطلقة آثمة استهدفت رأسه، لكنها لم تغتال حنظلة الذي بقي يروي تفاصيل أصحاب الموائد والمصالح أولئك الذين كانوا أول من اقتسم كعكة فلسطين وسقطت بسقوطها كرامتهم.