منى بنت سالم المعولية
علينا أن نتواطأ مع ضعفنا أحيانا، مع أخطائنا مع نرجسيتنا مع رغباتنا المفتوحة تلك المعلنة أو المكبوتة، المشروعة أو المحرمة، نحن مزيج من المشاعر المختلطة والملونة، وحدها الأصنام تبقى على هيئة واحدة، وحدهم الفاشلون يبقون على فكرة واحدة وعلى فكر واحد ونظرة أحادية.
أستشهد هنا بما قاله الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو للصحفي الذي عاتبه وقال له في حوار صحفي: “أنت يا فوكو تناقض نفسك، فليس هذا رأيك قبل عشرة أعوام”، فما كان من ميشيل فوكو إلا أن أجابه بثقة كبيرة: “ماذا؟ وهل تراني أعمل كالكلب طيلة خمسين عاما وأقرأ وأبحث، لأقول لك ما قلته قبل عشرة أعوام؟”.
خلاصة الأمر، لا تنتظروا منا أن نكون في موقف واحد في كل شيء، فكل موضوع له ظروفه وحتميته وقراراته ورؤيته، محدودو الفكر وحدهم من يصنفون البشر وفق أمزجتهم، وهم وحدهم الذين يفتقدون المساحة الرمادية تلك التي يلجأ إليها العقلاء غير المنحازين للبياض التام أو السواد القاتم.
وجودي الإنساني يحتم عليّ الأسس الظرفية المنتقدة بعقل، أو التي تؤيد بالعقل أيضا، موقفي ليس معنيا بالأشخاص لأن الأشخاص عابرون والوطن باقٍ، نعم كغيري أثور وأتراجع وأدافع عن حقي وكلمتي، لكن لا أنسف جهود البشر دفعة واحدة، ولا أخلط الظروف ببعضها، ولا المؤسسات ببعضها ولا القرارات ببعضها، هناك فرق بين انتقادك من أجل عمان وفرق أيضا من أنك تنتقد عمان نفسها، كل آرائنا قابلة للتبديل والشطح ولكن تبقى المبادئ راسخة لا نقايض عليها.
لدينا سقف مرتفع من حرية الرأي والتعبير وأحيانا يتجاوز الحقوق المكفولة إلى تلك المتطاولة، هناك من ينتقد وهذا حق متاح لي ولك َولهم وللجميع، وهناك من يشتم ويخون ويتهم ويسيء، هنا أيضا لي وجهة نظر أنك تجاوزت حرية التعبير وقفزت إلى انتهاك حقوق الغير وسمعتهم، بين الانتقاد والشتائم ليس شعرة واحدة بل خصلات كثيرة وتدرجات ومساحات، وليس عليك أن توصل نفسك إلى هذا المستوى المتدني الذي سيستوجب عندها التعامل بطريقة أخرى لكي تعود إلى رشدك ويعود عقلك إلى رأسك إن لزم الأمر.
في الختام أقول لأولئك المصطادين في الطقوس العكرة؛ نحن محكومون بالذاتية محبون للخير، متمسكون بحقوقنا حين نرى أن هناك قرارا مجحفا حيال أمر منتظر منذ أعوام، وسوف نوصل أصواتنا وفق الأخلاق وأصول إبلاغ الرسالة، لعل تلك المطالبات تجد استجابة تنصفنا وتجعل الطرف الآخر يعيد النظر فيها لأنها مطالبات مشروعة ومتاحة لا تمس الوطن في شيء.
أما أن أكون سوداويا وسلبيا وأسقط وطني في مكب المقارنات لكي ترضى أنت عني فلن أرضى، ولا أهتم برأيك المراهق وقليل النضج من وجهة نظري، تارة تتهمني بـ”التطبيل” حين أساند وأرحب بقرار معين، ولا أهتم بترهاتك حين تتربص بصفحتي لترميني بسيل من الاتهامات بالتناقض إذا انتقدت قرارا أراه غير موفق.
رأيك بالنسبة لي يقبع في مزابل الآراء، تلك التي أبصق على مخلفاتها وبعدها بكل ثقة أكمل نهجي واستقراري.