الكاتب: بدر بن سالم العبري
ولد محمّد الغزاليّ، وبدأ حياته في الفترة الذّهبيّة الّتي عاشتها مصر، إذ ولد عام 1917م، فهو عايش أواخر الملكيّة، وقيام الجمهوريّة في مصر، وتوفي عام 1996م، وهي فترة التّراجع المعيشيّ والسّياسيّ والفكريّ في مصر.
وفي فترة حياته كانت التّجاذبات بين التّيارين التّجديديّ والتّغريبيّ، ومن ثمّ التّيار الإسلاميّ والعلمانيّ من جهة، والحداثيّ من جهة أخرى، كذلك ظهور تيار الصّحوة وصراعه مع التّيارات والمذاهب الإسلاميّة الأخرى.
وفي الجانب السّياسيّ كان الغزاليّ إخوانيّا ثمّ خرج عنهم، وابتعد عن السّياسة، وتفرغ للتّعليم والكتابة والدّعوة، لذلك كرس حياته في محاربة التّيار الإسلاميّ – إن صح التّعبير – المتشدد، والّذي يراه بالتّيار البدويّ أو الصّحراء، فكتب في مناقشته كتبا منها هموم داعية، والسّنة بين أهل الفقه وأهل الحديث، وفي المقابل محاربة التّيار المتنكر للشّرق، الرّافض لكلّ ما هو تراث، كذلك جادل المستشرقين، وناقش العديد من الشّبهات الّتي يراها تثار حول الإسلام والأديان عموما.
ومن القضايا الّتي وقف عندها الغزاليّ قضيّة الفن، ومنه الغناء والمعازف، وقد وصل الفن بسبب الشّاشة الصّغيرة، والسّينما والمسرح، ومسايرة الصّحف، وتشجيع الحكام مكانة كبيرة، ومنزلة لها قيمتها في العالم ككل.
فهنا واجه الغزاليّ التّيار الرّافض للفنّ والغناء والمعازف، وفي الوقت نفسه رفض أن يكون الفنّ وسيلة للعريّ والفسوق والمجون، فهو رسالة نبيلة إذا أحسن توظيفه.
وعليه يرى أنّه ليس من المعقول أن نحظر الغناء والمعازف لكون فئة من النّاس استخدمته استخداما سيئا، بل علينا أن نصحح الفكرة والغاية، لتكون في صالح الأمّة، ونشر الفضيلة.
وإذا كانت هناك فئة من النّاس تعوّدت أن تنظر إلى الغناء من منظور السّفور والمجون، حسب عاداتهم وتقاليدهم، على هؤلاء أن يعلموا أنّ هناك أمّة من النّاس عرفوا كيف يستخدمون الغناء والمعازف، فأخذوا ما ينفعهم، وسخروه لأجل أممهم وأوطانهم، وتركوا ما يضرّهم، فلا يجوز أن نمنع شيئا باسم الدّين، ما دامت عاداتنا لا تتفق مع هذا الشّيء.
على أنّه لابدّ من وضع ضوابط للغناء والمعازف، لا أن يكبت، ولا أن يترك سائبا يتلاعب به المتلاعبون، ويستغلّه المفسدون في الأرض، ولهذا قرر قاعدة أنّ الغناء والمعازف إذا اقترنا بمحرّم؛ انتقلا من الإباحة إلى الحرمة.
ولهذا يرى أنّ الغناء والمعازف وسائلها قد تقدّمت، فإذا تركها المصلحون استغلها غيرهم، فهي أقرب إلى الفضاء المفتوح للجميع.
ويبين أنّ الأمّة بحاجة إلى الكثير من الجدّ، والقليل من اللّهو، ولو رزقنا بفنانين ذوي شرف ومقدرة؛ لأمكن تحويل الفنون إلى عوامل البناء لا الهدم، ولإثارة المشاهر النّبيلة لا إهاجة الغرائز الدّنيا.
وعموما الغزاليّ في استدلاله تأثر بفلسفة ابن حزم [ت 456هـ] وسبق الإشارة إلى فلسفته!
يتبع الحلقة التّاسعة عشر
الهامش:
[1] للمزيد ينظر: الغزاليّ: محمد؛ السّنة بين أهل الفقه وأهل الحديث، ط دار الشّروق، مصر/ القاهرة، الطّبعة الثّالثة عشر، ص: 72 وما بعدها.