سعاد بنت علي العريمية
ما أروع كلام الله الكريم الذي يحبب إلينا الطاعات ويبين الحكمة منها بأن فيها “مصلحتنا وسعادتنا”، ويوضح بشيء من التفصيل والبيان ويختم ذلك بأحد صفاته العلية أو أسمائه الحسنى؛ متلطفا بنا ومدللا على أن رحمته سبقت غضبه، وبأنه كريم كرم مطلق، ورحيم رحمة مطلقة، ولا أحد مثل الله في صفاته سبحانه وتعالى “ليس كمثله شيء”.
ومن الآيات التي نكثر الوقوف عندها في هذا الشهر الفضيل، الآيات الدالة عليه -سبحانه- في سورة البقرة من الآية 183:186، هذه الآيات تبين الركن الثالث من أركان الإسلام وهو صوم رمضان.
آيات الصوم في سورة البقرة أكتب عنها في هذا المقال متدبرة ولست بعالمه في التفسير، ولكن أكتب عن جمال هذه الآيات وتأثيرها في أنفسنا، خاصة عندما نقرأها أو نسمعها ونحن في شهر رمضان، تبدأ هذه الآيات بقول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”، فالله الكريم كتب علينا الصيام كما كتبه على الأمم السابقة، وبينت الآية الغاية من ذلك “لعلكم تتقون”، فالصيام عبادة تيسر على الإنسان التقوى وتعطيه دلالة واضحة على أنه قادر على أن يتحكم في ذاته وأهوائه فتكون ذات تقية “تفعل ما أمرها الله به وتأمر به غيرها وتنتهي عما نهى وتنهى عنه”.
ثم ذكرت الآية التي تليها أن هذا الصيام يكون أياما معدودات، وكذلك هي أيام يسيرة وسريعة الانقضاء؛ لتدل على تلطف الله بنا حتى في كونها أياما قليلة؛ وذلك تخفيفا من ربنا الكريم الذي يعلم ذواتنا وما ينفعها.
وفي الآية الكريمة التي تليها: “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”؛ يبين الله زمان الصيام “شهر رمضان” الذي اختصه الله بنزول القرآن الكريم فيه، رحمة من الله بالعالمين وهداية لهم وفرقانا بين الحق والباطل، فهو النور من الله نور السماوات والأرض، نستنير به ونسترشد بآياته البينات.
إن الآية فيها دلالة واضحة على أن القرآن الكريم رحمة عظيمة لنا من ربنا الرحمن الرحيم، وكذلك الصيام رحمة بالمؤمنين وواجب على كل سليم معافى، والصيام هو يسر من الله بنا حيث تتطهر أرواحنا به في هذا الشهر، فامتناع المؤمن عن الطعام والشراب وجميع مبطلات الصوم يطهر البدن والروح؛ فيسهل علينا تدبر القرآن ونحن صائمون.
الصيام فيه الكثير من النعم والفوائد خاصة نعمة نزول القرآن الكريم -كلام الله الذي يسر لنا تلاوته، وأن يمر علينا عام جديد نرزق فيه صيام رمضان وتدبر القرآن فيه هي أكبر نعمة يغبطنا عليها من حرم هذا الفضل، فكم من إنسان لم يعد بين الأحياء ليصومه، وكم من مبتلى لا يستطيع صيامه، فاللهم لك الحمد على نعمك العظيمة.
الله سبحانه وتعالى هو المستحق للشكر، وهو المستحق أن نكبره ونقدسه وننزهه عن كل ما لا يليق به، فهو الذي رزقنا نعما لا تعد ولا تحصى، وتأتي في صدارتها نعمة أن هدانا إليه.
ثم تُختتم هذه الآيات بقوله تعالى: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ” (186)، في تلطف يليق بربنا الكريم مبينا بأنه قريب جدا منا، وبأنه يحب أن ندعوه فيعطينا فهو المعطي، ويحب أن يكثر العبد في سؤاله له خاصة في شهر رمضان، فلا رب سواه خالق العباد ومدبر أمورنا بلطفه الخفي، قبل أن ندعوه فهو يدبر أمورنا برحمته ولطفه.
علينا أن نستجيب لما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من آيات بينات من ربنا الرحمن الرحيم، وعلينا أن نؤمن بوجوده وبأنه أقرب لنا من كل شيء لنكون من الراشدين الذين اتبعوا طريق الهداية، فسبحانه رب كريم وسبحانه رب عظيم.
فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك في رمضان هذا وأبدا ما أبقيتنا آمين يا رب العالمين.