شؤون عمانية
أزمة محطة الفحم تعبير يطلق على الأزمة المرتبطة بالعلاقات العمانية والفرنسية والبريطانية بعدما وافق السلطان فيصل بن تركي على منح فرنسا محطة للتزود بالفحم في بندر الجصة على سواحل مسقط مقابل قصر العلم عام 1898م.
جاء إنشاء محطة الفحم نتيجة سعي بول أوتافي نائب القنصل الفرنسي في مسقط للتقرب من السلطان فيصل مستغلاً الفجوة التي حدثت بين السلطان والإنجليز من جراء هجوم عبدالله بن صالح بن علي الحارثي على مسقط عام 1895م وتخلّي السلطات البريطانية في مسقط عن مساعدة السلطان، كما أن أوتافي تمكّن من إقامة علاقات صداقة مع الشخصيات المقربة من السلطان، خاصة مستشاره عبد العزيز بن محمد الرواحي الذي ساءت علاقته بالإنجليز بعد أن أبعدوه من زنجبار.
خاطب أوتافي وزارة الخارجية الفرنسية بضرورة تقديم المزيد من المعونات للسلطان فيصل بهدف التقرب منه وتخفيف اعتماده على الإنجليز، وقدّم في عام 1895م تقريراً لفرنسا أعطى فيه صورة مفصلة عن أوضاع عمان، وبين فيه سيطرة بريطانيا على الخطوط البحرية المؤدية إلى الهند، وطالب فيه بضرورة حصول فرنسا على محطة نفوذ في عمان مستغلة تصريح عام 1862م الذي يضع فرنسا على قدم المساواة مع بريطانيا في مسقط، وشجع السفن الفرنسية على القيام برحلات إلى الخليج العربي، فقامت شركة المساجيري البحري ـ وهي شركة فرنسية للنقل البحري ـ بتسيير رحلات بحرية شهرية إلى الخليج.
زارت السفينة الفرنسية سكوربيون الموانئ العمانية، والتقطت صوراً من ميناء بندر الجصة لإمكان تحصينه اعتماداً على جزيرة صغيرة تقع على مدخله واستثماره للتزود بالوقود، واختتمت هذه الزيارة بتبادل الهدايا مع السلطان، ومن ذلك أن ربان السفينة أهدى له مدفعاً.
أصدر السلطان فيصل بن تركي عام 1898م قراراً بمنح بندر الجصة للفرنسيين للاستفادة منه في تخزين الفحم الحجري على غرار مخزن الفحم الذي تملكه بريطانيا في ميناء مسقط منذ عام 1877م وظل الاتفاق سرياً إلى أن أوردت الصحيفة الفرنسية جورنال دي ديبتس في عددها الصادر بتاريخ 20 نوفمبر 1898م خبر حصول فرنسا على مخزن للفحم في بندر الجصة، فقرأت بريطانيا موقف السلطان على أنه نقضٌ لتعهداته تجاهها وانتهاك للملحق المرفق باتفاقية عام 1891م المتعلق بعدم تنازل السلطان عن أي جزء من أراضيه دون استشارتها، كما رأت بريطانيا بأن منح فرنسا محطة للفحم في بندر الجصة سيكون نواة لإنشاء محطة للأسطول الفرنسي الحربي على السواحل العمانية، وسيمهد السبيل أمام القوات الروسية في إيران لأن تبحث لها عن موقع نفوذ في مسقط وذلك للتحالف الفرنسي الروسي عام 1892م، ومن هذا المنطلق قامت بريطانيا بإجراءات دبلوماسية وعسكرية لإلغاء الامتياز الذي منحه السلطان للفرنسيين.
تلقى وزير الدولة البريطاني لشؤون الهند في 25 يناير 1899م أمراً من الحكومة البريطانية بأن يذكّر السلطان بشروط الصداقة والالتزام التي يتوقف عليها استمرار الاتفاق، وأعدت حكومة الهند مذكرة أرسلتها إلى مسقط تضمنت المطالب التي يجب على السلطان تنفيذها، من أبرز تلك النقاط:
ـ إلغاء امتياز محطة الفحم الذي منحه السلطان للفرنسيين.
ـ إقصاء عبد العزيز الرواحي مستشار السلطان عن الخدمة بصفة دائمة.
ـ تسديد فائدة بنسبة 5% على الرصيد المتبقي من تعويض الرعايا البريطانيين عن الخسائر التي لحقت بهم من جراء الهجوم على مسقط في عام 1895م بقيادة عبدالله بن صالح الحارثي.
ـ تخفيض رسوم الاستيراد إلى نسبة 5%.
وافق السلطان على جميع البنود الواردة في المذكرة ما عدا البند المتعلق بإلغاء امتياز محطة الفحم، فقد طلب اعطاءه مهلة للمناقشة والتفكير، غير أن بريطانيا ألزمته بالرد خلال مدة لا تتجاوز اليومين، فردّ السلطان بتأكيد أنه حاكم مستقل غير خاضع لبريطانيا ولا يستطيع مناقضة نفسه أمام القبائل.
حاولت بريطانيا فرض سيطرتها بالقوة فأرسلت السفينة سفنكس إلى بندر الجصة لإنزال العلم الفرنسي ورفع العلم البريطاني، فجاءت ردة الفعل الفرنسية بإرسال قواتها العسكرية، وهددت بإطلاق النار، مما اضطر السفينة البريطانية إلى التراجع، ولم تتمكن من تنفيذ مهمتها، وفي فبراير 1899م ظهر دوغلاس قائد الوحدات البحرية الهندية أمام مسقط على رأس أسطول بريطاني، طلب من السلطان أن يلغي رسمياً الاتفاق مع فرنسا في الوقت الذي كانت فيه وحدات الأسطول البريطاني مستعدة لقصف مسقط، فاضطر السلطان إلى إعلان تجديد علاقاته الودية مع بريطانيا وإلغاء اتفاقه مع فرنسا بشأن منحها محطة للتزود بالفحم في بندر الجصة.
بعد إعلان السلطان فيصل بن تركي إلغاء اتفاقه مع فرنسا بخصوص مخزن الفحم في بندر الجصة سعت بريطانيا إلى استرضاء الحكومة الفرنسية من أجل التوصل إلى حل بعض المشكلات العالقة بين الطرفين مثل: تقسيم مناطق النفوذ في إفريقيا الوسطى وتسوية النزاع حول حقوق الصيد في مياه نيوزيلندا، ومن هذا المنطلق أعطيت فرنسا في مارس 1899م تأكيداً بعدم وضع عوائق من أجل حصولها على مخازن للفحم في مسقط ـ توفير مكان لمحطتي الفحم: البريطانية والفرنسية في خور المكلّا في مسقط، لكن فرنسا رفضت ذلك واقترحت خليج ريام ثم خليج كلبوه في مسقط أيضاً، وأخيراً وافقت في مايو 1900م على العرض البريطاني بتقاسم موقع المكلّا، وترك للفرنسيين حرية الاختيار فاختاروا القسم الجنوبي.
أعطى قرار السلطان بإلغاء اتفاقه مع فرنسا على منحها محطة للتزود بالفحم في بندر الجصة مركزاً قوياً للحكومة البريطانية على سواحل الخليج والجزيرة العربية، وقد دفع هذا الأمر بعض أعضاء الجمعية الوطنية في باريس إلى الاحتجاج على قرار التنازل، كما نتج عن هذا القرار أن حُرمت عمان من الاستفادة من صادرات الفحم الحجري الذي كان من الممكن أن يشكل أحد المصادر الرئيسة للدخل القومي في تلك الفترة لما يتميز به الفحم من جودة عالية وفقاً للتقارير البريطانية التي أكدت أن جودة الفحم الحجري العماني تفوق جودة الفحم المستخرج من مناجم ويلز.
المصدر: الموسوعة العمانية ـ الجزء الأول ـ ص 169 ـ 170
بول أوتافي: نائب القنصل الفرنسي في مسقط(1894 – 1901 ) .
*الصورة الأولى: رسمة توضح أزمة مستودع الفحم أو ما عُرف باسم أزمة مسقط سنة 1899 م.
مصدر الصورتين: مجلة (قلعة التاريخ) العمانية الدورية الالكترونية.