مريم الشكيلية
عندما نسمع بكلمة “عاريا” يتبادر إلى الذهن العريّ بمعناه الجسدي، ولا عجب في هذا لأننا اعتدنا على هذا المفهوم ولم نسمع من قبل أن العريّ قد يقصد به شيء آخر.
نعم هناك عريّ الأرواح وعريّ النفوس والجيوب وعريّ الحياة بشكل أشمل، الجميع اليوم أو البعض منا نمشي عراة بين الناس في دائرة ضيقة وصغيرة في الزاوية اليسرى من تطبيقات التواصل الاجتماعي على هواتفنا المحمولة تسمى “الحالة”، وفي الحقيقة هي اسم على مسمى، حالة من حالنا أو مختصر الحالة الوقتية التي نحن عليها الآن.
ومما يؤسف له هو أن أصبحت هذه الدائرة الصغيرة عاكسة لحياتنا من خلالها، نعري كل تفاصيل حياتنا حتى أصبح العالم يعرف ما نحن عليه، ولم يعد لدينا غموض يحتار البعض منه، حتى أنه في بعض الأحيان لا يحتاج الناس لسؤالنا عن أحوالنا، بل يكفيهم أن يلقوا نظرة خاطفة لخاصية “الحالة” لدينا لتدلهم علينا.
لم نعد نحتفظ بخصوصيات حياتنا، والبعض يقوم بحذف كل الخطوط الحمراء من حياته ليختار أن يمشي “عاريا” بيننا، يعري جيوبه من خلال ما يعرضه من تفاصيل الشراء والترف ومأكله وملبسه وبيته ورحلاته وغيرها، وكأنه يمشي ويقول هذا هو مالي وجيبي، ولا أفهم ما هي الرسالة التي يريد إيصالها للآخرين؟ أو ما هي الاستفادة التي سيجنيها من استعراض ما يملكه في جيبه.
وفي المقابل هناك آخر تجده يعري قلبه وخلجات نفسه، ومع الأسف هذا النوع هو الأكثر انتشارا بين النساء ويقع فيه كثير من الرجال، لكن النساء أكثر بحكم طبيعتهن العاطفية، يستعرضن أمام الجميع ما تخبئه القلوب وأصبحت مشاعرهن واضحة لكن من يطالع “الحالة”، وكأنهن في سوق يعرض بضاعتهن، فلماذا يعلم الآخر عن مدى قربك من شريك حياتك أو علاقاتك مع صديقاتك؟!.
نماذج أخرى، تجد بعض الفتيات والنساء يكشفن عن مشاعرهن السلبية أو خصوماتهن، وكأنهن يستعطفن الآخر لحالهن، أو يسددن الضربات للشخص المعني بالأمر، فلماذا نكشف “عري” قلوبنا ومشاعرنا للغير، ولماذا أصبحنا نجر تفاصيل سعادتنا وتعاستنا ونستعرضها أمام الجمع؟!.
إن المؤسف والمضحك المبكي أن هناك من ضمن قوائم هواتفنا أرقام أشخاص لا علاقة لهم بنا ولا بتفاصيل حياتنا، وربما تكون أرقاما خدمة معينة كأرقام صالونات التجميل أو أرقام طلبات التوصيل أو أرقام محلات البيع وغيرها، وهناك أرقام في بعض الهواتف لزملاء العمل، وفي بعض الأحيان يكون العمل مختلطا بين الجنسين، وغيرهم كثيرون ممن لا علاقة لهم ولا تعنيهم حياتنا.
قد يقول قائل هناك خاصية الحذف والخصوصية عند نشر “الحالة”، هذا صحيح، ولكن ليس الجميع يعلم بها أو يتقن استخدامها، ورغم هذا ما خرج من بيوتنا أو قلوبنا أو جيوبنا ووصل لبرامج هواتفنا ولخاصية “الحالة” ولو لشخص أو شخصين يفقد خصوصيته، فما بالك بقائمة طويلة من الأشخاص التي تطلع على تفاصيل حياتك.
بسبب هذه الخاصية أصبحنا نتقن التناقضات ونعيش التناقضات، نعري بيوتنا وجيوبنا والبعض يستعرض العكس حيث يظهر مباهج الحياة وفي الحقيقة هو يعيش تعاسة الحياة، أو يظهر رصيد جيبه وفي الحقيقة هو يعيش على الديون، وفي كلا الحالتين لا أحد يعنيه ضيق جيبك من فسحته، ولا يعنيه بهجتك أو تعاستك ولا حتى أمور قلبك ومشاعرك.
الناس أصبحت في مقام المتفرج وأنت على خشبة المسرح، ينظرون إليك وأنت تستعرض لهم خصوصياتك وأكثرهم من المستهزئين أو الشامتين أو الحاسدين أو الضاحكين، ومع وجود المتناقضين لحياتهم وتلاشي المصداقية بيننا إن صدقنا “الحالة” كذبنا الواقع والعكس صحيح.
وبسبب هذه الظاهرة تحول معظمنا إلى أشخاص فضوليين، نبحث عن خصوصيات الغير، حتى الأشياء التي لا تعنينا نشغل بها ونسأل عن تفاصيل المعروض، ليبقى السؤال: لماذا نستعرض خصوصياتنا أمام الجميع، لماذا نصر على المشي “عراة” بين الناس ولم ندخر لأنفسنا ما نستر به خصوصياتنا؟!، لقد سرقت منا هذه الخاصية البسيطة التي لا تتعدى القليل من الثواني كل فضائلنا.
21984maryam@gmail.com