ماجد بن سليمان المحزري
تعد الأفلاج مصدرا أساسيا في إمداد التجمعات السكانية بالمياه بمختلف استخداماتها، وهي أساس لاستقرار هذه التجمعات سواء كانت قرى على ضفاف الأودية أو على سفوح الجبال أو في السهول المنبسطة.
ومن طبيعة الإنسان لكي يستقر أنه يبحث عن توفر المياه أولا، وقد قام الإنسان العماني كنتيجة حتمية لعدم توفر المياه السطحية بحفر هذه الأفلاج للمحافظة عليها، وأنشأ لها منظومة متكاملة شملت نظام السقي وتوزيع الماء بين المساحات المزروعة، آخذا في الاعتبار نوعية التربة وأحوال الطقس وكمية المياه المتدفقة وفصول السنة المتقلبة.
كما خصص المواطن العماني أوقاتا معينة لتكون مصدرا لصيانتها، ونظّم الاستفادة من هذه الأفلاج في الحياة الاجتماعية، وأوجد لها نظاما اجتماعيا مميزا، فتجد شريعة الفلج مخصصه للشرب، فهي أول نقطة تظهر فيها مياه الفلج إلى السطح، وهذه المنطقة تكون منطقة مفتوحة ولا يوجد بها أي مصادر للتلوث أو ما يعكر صفو الماء في هذه المنطقة.
ثم يمر الفلج بالمسجد ثم المكان المخصص للرجال لأجل الاستحمام والاغتسال وبعد مسافة كبيرة تجد الأماكن المخصصة للنساء، وبهذا النظام حافظت هذه الأفلاج على هذا النسق الاجتماعي.
ونتيجة لتلك المنظومة وتطبيقها حرفيا جيلا بعد جيل، لا زلنا نرى بقاء هذه الأفلاج ومدى استمرار الحياة في هذه التجمعات السكانية المختلفة، لكني أحاول أن أتطرق من خلال هذا المقال إلى الأخطار الكبيرة المحدقة بالأفلاج، وأهمها خطر التلوث الناتج عن الزحف العمراني.
لو ألقينا نظرة على مسارات الأفلاج لم نجد أي تجمعات سكنية أو زراعية على نقطة بدايتها أو ما يسمى بـ”آمة الفلج”، وذلك حفاظا عليها من التلوث والمحافظة على منسوب المياه فيها، إلا ما ندر من هذه الأفلاج التي تكون رؤوسها في المزارع باستغلال ما يتسرب من مياه السقي والاستفادة منه لسقي مناطق أخرى.
لكن ما نلاحظه الآن أن هناك زحفا عمرانيا خطيرا على مسارات وأمهات هذه الأفلاج، مما يهدد بقائها واستمراريتها دون اكتراث من الجهات المعنية، سواء وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، أو وزارة الإسكان والتخطيط العمراني، حيث لا توجد مسافات أو أحرام كافية لحماية هذه الأفلاج.
إن وزارة الإسكان والتخطيط العمراني تحدد مسافة ثلاثين مترا فقط كأحرام بين المباني السكنية والأفلاج، فهل هذه المسافة كافية لحماية الفلج من التلوث الناتج عن أماكن تجميع مياه الصرف الصحي التي غالبا ما تكون مخالفة لاشتراطات البناء، والتي تكون عرضة لتسرب تلك المياه الملوثة؟!
كما أن هناك ظاهرة خطيرة وهي حفر الآبار داخل البيوت التي تكون في تلك المخططات القريبة من هذه الأفلاج وهذا بلا شك عامل أساسي في انخفاض منسوب المياه بهذه الأفلاج، والذي يؤدي إلى تدهورها وجفافها مما يؤدي إلى نقص المساحات المزروعة أو انعدامها بشكل كلي، وهجرة ملاكها إلى أماكن أخرى.
إن التعلل بعدم وجود مخططات سكنية إلا في تلك المساحات الواقع على رؤوس الأفلاج لا يمكن الأخذ به، فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأي مفاسد أعظم من تلك التي تؤدي إلى اندثار الأفلاج التي عمرت لآلاف السنين دون انقطاع.
يجب علينا أن نقف جميعا كمؤسسات حكومية ومواطنين لصيانة وحماية هذه الأفلاج، وأن نعطى الأفلاج مسافات كافية كأحرام تحميها سواء من التلوث أو استنزاف مصادر المياه الجوفية المغذية لها، وأن تكون هذه المسافة كافية يحددها خبراء الأفلاج مع الأخذ في بالأعراف العمانية المتجذرة في عمق التاريخ العماني للمحافظة على الأفلاج واستمرارية تدفقها واستقرار ملاكها والقرى القائمة عليها.