محمد عبده الزغير محمد [1]
مقدمة
تستند معظم النظم القانونية في دول العالم إلى هيكل هرمي من الصكوك القانونية، ويأتي الدستور أو النظام الأساسي في قمته. وتتوافق جميع قوانين الدولة أو تدابيرها القانونية الأخرى مع الدستور. وعليه تعمد الدول في أجزاء كثيرة من العالم إلى تعديل دساتيرها بين الحين والآخر، وفي بعض الحالات إلى صياغة دساتير جديدة كليًّا مواكبةٍ للتطورات التي حدثت أو لتنظيم رؤى مستقبلية يتعيَّن تعزيزها.
وتعمد الدول إلى تضمين حقوق الإنسان في صلب النظام الدستوري للدولة الحديثة، وهي لا تحدِّد العلاقات بين الأفراد والجماعات والدولة فحسب، بل تسري أيضًا في هياكل الدولة وعمليات صنع القرار والرقابة. ومن ثم فإن شِرعة الحقوق تشكل جزءًا لا يتجزأ من الدستور الحديث.
ويعني إقرار الدساتير المرتكزة على الحقوق أن حقوق الإنسان هي التي تُرسي إطار عملية وضع الدستور والإصلاح الدستوري، وأن معايير حقوق الإنسان وضماناتها تقع في قلب دستور الدولة.[2] وبذلك يعَدّ الدستور الإطار الأساسي للحقوق والحريات العامة؛ نظرًا إلى ما يتضمنه من مبادئ ومقتضيات لقيام دولة القانون؛ لذا أقرَّت غالبية الدول، ومن ضمنها السلطنة، حقوق الأفراد وحرياتهم التي هي من عوامل التطور، بل كذلك من شروطه الرئيسة، وضمَّنتها في الدستور أو النظام الأساسي للدولة لتشكِّل العمود الفِقَري لتشريعات متخصصة، وهو ما يُطلق عليه دسترة الحقوق. وتتفاوت عملية تضمين الدستور لحقوق للإنسان من دولة إلى أخرى.
وعرفت سلطنة عمان خلال العقود الخمسة الماضية – من وجهة نظري – مرحلتيْن مختلفتيْن في تطورها القانوني، تميزت المرحلة الأولى من 1970 – 1995، بتعدد التشريعات المتخصصة، والمرحلة الثانية من 1996 – 2020، بوجود نظام أساسي للدولة صدر في عام 1996بالمرسوم السلطاني رقم 101 / 96، وتمَّ تعديله مرة واحدة في عام 2011م بموجب المرسوم السلطاني رقم 99 / 2011. بالإضافة إلى منظومة من التشريعات والقوانين.
وشهد النظام القانوني منذ العهد الجديد بقيادة السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله ورعاه – مع بداية عام 2021م تطورًا نوعيًّا، مع إصدار النظام الأساسي للدولة بالمرسوم السلطاني رقم 6 / 2021 الذي يشكِّل بداية مرحلة جديدة لعهد جديد في التطور الدستوري بالسلطنة، استنادًا إلى ما تمَّ إنجازه في المراحل السابقة.
واشتمل هذا التطور على وضوح نظام آلية الحكم في السلطنة؛ وبالتالي أدوار السلطات الثلاث الرئيسة: التشريعية والقضائية والتنفيذية، كما جسَّد النظام الأساسي في مضمونه أبرز الحقوق والحريات للإنسان في أبوابه الرئيسة، ونظَّمها في موادّ محددة تتوافق مع معاهدات حقوق الإنسان واتفاقياتها التي أقرَّتها الأمم المتحدة، والتزمت سلطنة عمان بالعديد منها من خلال الانضمام أو التصديق.
وتجدر الإشارة إلى أن النظام الأساسي للدولة السابق (1996، 2011) تضمن أيضًا موادَّ معنية بالحقوق والحريات للإنسان، إلا أن ما يميز النظام الحالي هو التأكيد على هذه الحقوق والحريات بوضوح، وتعزيزها بموادّ وفقرات جديدة، تشكِّل صلب مبادئ عدد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وأحكامها. وهو ما سوف نسعى إلى عرضه في هذا الموضوع؛ بهدف الإشارة إلى أن النظام الأساسي الحالي كفل عديدًا من الحقوق والحريات للإنسان التي تتوافق مع الشِّرعة الدولية لحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية الأخرى المعنية بحماية حماية حقوق الإنسان وفقًا لآليات الأمم المتحدة، وتتسق مع القانون الدولي.
أولًا) لمحة موجزة عن شِرعة حقوق الإنسان، وأهم معاهدات حقوق الإنسان للأمم المتحدة واتفاقياتها
من المتعارف عليه في أدبيات حقوق الإنسان اصطلاح الشِّرعة الدولية لحقوق الإنسان التي تحتوي على ثلاث وثائق أساسية وتحديدًا على:
– الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948.
– العهد الدولي الخاصّ بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر عام 1966، والبروتوكول الإضافي الملحق به.
– العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966، والبروتوكوليْن الإضافييْن الملحقيْن به.
أما بشأن أهمّ معاهدات حقوق الإنسان واتفاقياتها، فتجدر الإشارة بداية إلى أنه منذ تأسيس الأمم المتحدة سنة 1945 قامت المنظمة بإنشاء نظام لحماية حقوق الإنسان، ركيزته عدد من المواثيق والصكوك التي تعتمد من أجل تنفيذها على نوعيْن من الآليات. فالآليات غير التعاهدية لحماية حقوق الإنسان تشكَّلت استنادًا إلى ميثاق الأمم المتحدة؛ وعليه تمَّ تأسيس لجنة حقوق الإنسان (سابقًا) ومجلس حقوق الإنسان حاليًّا، وصدور القراريْن الأساسييْن للمجلس الاقتصادي والاجتماعي وهما: القرار رقم 1235 الصادر في السادس من يونية 1967 الخاصّ بإنشاء مقرَّريْن خاصيْن وفرق عمل، والقرار رقم 1503 الصادر في السابع والعشرين من مايو 1970 الخاصّ بالبلاغات الفردية. وقد تمَّ لاحقًا تطوير هاتيْن الآليتيْن.
غير أن الآليات التعاهدية لحماية حقوق الإنسان، تقوم بها اللجان التي تعهد لها الاتفاقيات الدولية بمراقبة تنفيذ الدول والتزامها بموجب التصديق على الاتفاقية الدولية. فقد تبنَّت الأمم المتحدة – من بين العديد من اتفاقيات حقوق الإنسان- (9) اتفاقيات أساسية تنصّ صراحة على وجود آليات للتطبيق، وتتمثل في إنشاء عدد من اللجان لمتابعة تنفيذ التقدم المحرز من قِبل الدول لهذه الاتفاقيات. [3]
ويُعدّ إبرام الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان من أهم إجراءات تعزيز حقوق الإنسان؛ فبمقتضاها يُصبح التزام الدولة باحترام حقوق الإنسان للأشخاص الخاضعين لها التزامًا داخليًّا، بالإضافة إلى كونه التزامًا دوليًّا. وقد تمَّ بالفعل إرساء العديد من الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان في إطار المنظمات الدولية والإقليمية.[4]
وسنركز في هذا الموضوع على الآليات التعاهدية؛ لكونها تتضمن أهمَّ المعاهدات والاتفاقيات التي تشمل جوانب أساسية في قضايا حقوق الإنسان. والجدول التالي يبيِّن الاتفاقيات المعتمدة وتاريخ اعتمادها، ودخولها حيز التنفيذ، وتاريخ مصادقة أو انضمام السلطنة إليها.
الاتفاقية | تاريخ الاعتماد | تاريخ الدخول حيز التنفيذ | تاريخ مصادقة أو انضمام السلطنة |
اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري | 21 / 12/ 1965 | 4 / 1 / 1969 | 2 يناير 2003م ( إ ) |
العهد الدولي الخاصّ بالحقوق المدنية والسياسية | 16/ 12 / 1966 | 23 / 3 / 1976 | – |
العهد الدولي الخاصّ بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية | 16/ 12 / 1966 | 13 / 1 / 1976 | 9 يونية 2020م ( إ ) |
اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة | 18 / 12/ 1979 | 3 / 9 / 1981 | 7 فبراير 2006م ( إ ) |
اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية او اللا إنسانية أو المهينة | 10 / 12/ 1984 | 3 / 9 / 1987 | 9 يونية 2020م ( إ ) |
اتفاقية حقوق الطفل | 20 / 11/ 1989 | 2 / 9 / 1990 | 9 ديسمبر 1996م ( إ ) |
الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم | 18 / 12/ 1990 | 1 / 7 / 2003 | – |
اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة | 13/ 12 / 2006 | 30 / 3 / 2007 | وقعت في 17 مارس 2008م، وصُدِّقت عليها في 6 يناير 2009م |
الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري | 20/ 12 / 2006 | 24/ 12/ 2010 | 12 يونية 2020م ( إ ) |
المصدر: موقع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة،https://www.ohchr.org/AR/HRBodies/Pages/HumanRightsBodies.aspx
وتعمل الدول التي صدقت على المعاهدات، على الالتزام بتنفيذها من خلال وضع سياسات وخطط وبرامج وتدابير تشريعية وإجراءات إدارية أخرى، وتقوم بإعداد تقارير عن مدى تنفيذها. وتجدر الإشارة إلى أن جميع الدول تعتبر أطرافًا في بعض أو كل اتفاقيات حقوق الإنسان. وإذا صدقت الدول على المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان فإنها تصبح بموجب القانون الدولي ملتزمة قانونًا بتطابق تشريعاتها وسياساتها وممارساتها مع المعايير المنصوص عليها في هذه الوثائق. [5]
وقد بلغ اهتمام المشرِّع الدستوري في السلطنة بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية لا سيما المتصل منها بحقوق الإنسان مبلغًا كبيرًا لدرجة أنه نصَّ في المواد (89) و (93) و (97) على ذلك؛ حيث حددت عدم إخلال النظام الأساسي بما ارتبطت به السلطنة مع الدول والمنظمات الدولية من معاهدات واتفاقيات، وحصول المعاهدات والاتفاقيات الدولية على قوة القانون بعد التصديق عليها، وعدم جواز إصدار لوائح أو قرارات أو تعليمات تخالف المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تعد جزءًا من قانون البلاد. وبهذا حدد النظام الأساسي قوة الإلزام ومكانة المعاهدات والاتفاقيات الدولية في النظام القانوني للسلطنة، وأعطاها قوة القانون الداخلي.
وفي العادة تشير أغلب الدول التي اعتمدت على المعايير الدولية لحقوق الإنسان في دساتيرها، إلى ذلك في مضمون نصوص الدستور، وهذا ما تمَّ النصّ عليه في النظام الأساسي للدولة في السلطنة، كما سنرى ذلك لاحقًا.
وفي هذا السياق يجدر التشديد على أن السلطنة انضمَّت أو صادقت على (7) اتفاقيات أساسية من الاتفاقيات المشار إليها في الجدول أعلاه، [6]وبالتالي التزمت باتخاذ التدابير التشريعية لمواءمتها مع النظام القانوني للسلطنة.
ثانيًا) الحقوق والحريات الي كفلها النظام الأساسي للسلطنة (2021)
كفل النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 6 / 2021 عديدًا من الحقوق والحريات في المجالات المختلفة التي ترتبط بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان. وجاءت الإشارة إلى ذلك بوضوح بدءًا بديباجة المرسوم السلطاني التي حددت أسس إصدار النظام الأساسي للدولة، ومنها “تعزيز الحقوق، والواجبات، والحريات العامة”، كما تمت الإشارة إلى ذلك والتأكيد على أهمية الاتفاقيات في مضمون النظام بنصوص صريحة في المبادئ الموجهة لسياسة الدولة، وتحديدًا في المبادئ السياسية، في المادة (13) حيث نصَّت على “مراعاة المواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة. وكذلك على إقامة نظام إداري سليم يكفل العدل والطمأنينة، والمساواة للمواطنين. وفي عديد من مواد النظام الأساسي التي أشارت إلى حقوق محددة، سواءً في الباب الثالث الخاصّ بالحقوق والواجبات، أو في غيره من المواد الواردة في فصول الأبواب الأخرى.
وبمراجعة مضمون النظام الأساسي للدولة الذي اشتمل على (7) أبواب رئيسة، و(16) فصلًا، و(98) مادة، نجد أن المعايير الدولية لحقوق الإنسان، تجسدت في مجالات عديدة في هذا النظام. ويمكن هنا تحديدها في التالي:
- المبادئ الأساسية لمواثيق الحقوق الدستورية
حددت الشِّرعة الدولية لحقوق الإنسان عددًا من المبادئ أو القيم الأساسية لحقوق الإنسان؛ ومن بينها مبادئ الكرامة الإنسانية والحرية والمساواة. ومع أن هناك نقاشًا بشأن حدود تلك القيم والمفاهيم، إلا أن الفقه الدستوري في عديد من الدول يؤكد أن الإشارة إليها في الدساتير تعزَّز في ضمان توفير حماية عامة لحقوق الإنسان. [7]
ويلاحظ أن النظام الأساسي للدولة في السلطنة، أشار إليها في عددٍ من المواد؛ منها: المادة (13) التي أشارت إلى “إقامة نظام إداري سليم يكفل العدل والطمأنينة، والمساواة للمواطنين”. وفي المادة (15) التي حددت كفالة الدولة العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع، وتحقيق المساواة بين المرأة والرجل. وكذلك المادة (18) التي نصَّت على أن “الحياة والكرامة حقّ لكل إنسان، وتلتزم الدولة باحترامهما وحمايتهما وفقًا للقانون”. وفي عدد آخر من المواد كالمادتيْن (21) و(25) اللتيْن أشارتا إلى أن المواطنين جميعهم سواسية أمام القانون، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الدين أو المذهب أو الموطن أو المركز الاجتماعي، وعدم تعرض أي إنسان للتعذيب المادي أو المعنوي، أو للإغراء، أو للمعاملة الحاطة بالكرامة. علمًا أن مبدأ عدم التمييز يعدّ من أهم المبادئ الرئيسة التي تستند إليه أغلب معاهدات واتفاقيات حقوق الإنسان. [8]
- فئات الحقوق والحريات
أرست الشِّرعة الدولية لحقوق الإنسان أشكالًا مختلفة من الحقوق والحريات التي ترتبط بالقيم المتعلقة بقدرات الفرد أو الجماعة، والتي يمكن تحديدها قانونًا لكي يتم حمايتها بحقوق دستورية. وبمراجعة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، نجد أن الإعلان تضمَّن مجموعات محددة من الحقوق هي : الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وتتكفل المواد من ٣ إلى ٢١ بشرح الحقوق المدنية والسياسية التقليدية (بما في ذلك الحق في اللجوء، والحق في الملكية). أما المواد من ٢٢ إلى ٢٨ فتكفل مجموعة واسعة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ونظرًا إلى أن الإعلان لم يكن ملزمًا، فقد تمَّ تفصيل هذه الحقوق والحريات لاحقًا بتوسُّعٍ في العهديْن الدولييْن للحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي الاتفاقيات الأساسية الأخرى المعنية بحقوق الإنسان. ويمكن هنا تناولها من خلال التالي:
- الحقوق والحريات المدنية والسياسية
حدَّد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية العديد من الحقوق التي تضمّ الحقوق والحريات المدنية كحماية الحياة، والحرية، والخصوصية، والأمن الجسدي، والسلامة الشخصية للفرد، بالإضافة إلى الحقوق التي تتيح اللجوء إلى إجراءات الحماية، كما سبق للإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن أشار إلى عددٍ من الحقوق كحقِّ التملك وحقِّ اللجوء السياسي وحقِّ الجنسية. وعليه تضمَّنت دساتير عدة هذه الحقوق وفقًا لخصوصية كل دولة.
كما أن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، أشار إلى حرية تكوين الجمعيات وحرية التجمع والحقّ في المشاركة في التصويت والانتخابات والحصول على الخدمات العامة. وبمراجعة القانون الأساسي للدولة في السلطنة، يلاحظ أنه تضمَّن عديدًا من هذه الحقوق والحريات. وفيما يلي نعرض الحقوق والحريات التي ينطوي عليها النظام الأساسي بشأن الحقوق المدنية والسياسية.
- الحقّ في الحياة الآمنة والكرامة: كفل النظام الأساسي لكل إنسان الحقّ في الحياة وصون كرامته وألزم الدولة بحمايتهما؛ حيث نصَّت المادة (18) من الباب الثالث في الحقوق والواجبات العامة على أن ” الحياة والكرامة حقَّان لكل إنسان سواءً كان مواطنًا أو مقيمًا، وتلتزم الدولة باحترامهما وحمايتهما وفقًا للقانون”، وعزَّزتهما بضمان توفير الحياة الآمنة لكل إنسان باعتباره حقًّا؛ فقد نصَّت المادة (22) في الباب ذاته الخاصّ بالحقوق والواجبات على أن “الحياة الآمنة حقّ لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها ولكل مقيم على أراضيها”.
- الحق في المساواة وعدم التمييز: سبقت الإشارة إلى أن هذا الحق هو أحد المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان؛ ولذا حرص المشرع على وضعه ضمن المبادئ السياسية (المادة 13) والاجتماعية (المادة 15)، وخصَّه بمادة محددة في الباب الثالث الخاصّ بالحقوق والواجبات؛ وهي المادة (21) التي أشارت إلى أن “المواطنين جميعهم سواسية أمام القانون، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الدين أو المذهب أو الموطن أو المركز الاجتماعي”. وهذه المادة تتقاطع مع المادة الخاصَّة بعدم التمييز التي جاءت في أغلب الاتفاقيات الأساسية لحقوق الإنسان.
- الحقّ في الجنسية: كفل النظام الأساسي هذا الحقّ في المادة (19) باعتبار أن “الجنسية العمانية ينظمها القانون، ولا يجوز إسقاطها أو سحبها إلا في حدود القانون”.
- حرية وأمن الشخص: كفل النظام الأساسي ذلك في إطار المبادئ العامة الموجهة لسياسة الدولة وتحديدًا في المبادئ الأمنية في المادة (17) من الفصل الخامس بأن “تحمي الدولة الأمن والطمأنينة للمواطنين”.
- حظر العمل الجبري أو القسري: أشارت المادة (10) من الفصل الثالث في الباب الثانيالخاصّ بالمبادئ الاجتماعية إلى أنه “لا يجوز إلزام أي مواطن بالعمل جبرًا إلا بمقتضى قانون”.
- حرية الانتقال من بلدة الشخص والعودة إليها: كفلت المادتان (23) و(20)حرية التنقل، ولم تجيزا تحديد تقييد حرية إنسان في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون. فقد نصَّت المادة (23) على عدم تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون. كما لم تُجِز المادة (20) إبعاد المواطنين أو نفيهم أو منعهم من العودة إلى إقليم الدولة.
- الحق في الاعتراف به شخصًا ذا أهلية أمام القانون: نصَّت المادة (23) على أن “الحرية الشخصية مكفولة وفقًا للقانون، ولا يجوز القبض على إنسان أو تفتيشه أو حجزه أو حبسه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون.”
- حقّ الشخص المقيدة حريته في المعاملة بإنسانية واحترام: لم تُجِز المادة (24) الحجز أو الحبس إلا في أماكن مخصصة لذلك، لائقة إنسانيًّا وصحيًّا، وذلك على النحو الذي يبيِّنه القانون.
- مناهضة التعذيب أو المعاملة أو العقوبات القاسية واللا إنسانية والمهينة: ضمانًا لحقّ الحياة والكرامة، حرَّمت السلطنة التعذيب أو المعاملة أو العقوبات القاسية واللا إنسانية والمهينة، بنصٍّ صريحٍ في النظام الأساسي- المادة (25) من الباب الثالث بشأن الحقوق والواجبات العامة، بل حدَّدت عقوبة لمن يفعل ذلك وفقًا للقانون، كما أنها زادت بأن أبطلت كل قول أو اعتراف يثبت صدوره تحت وطأة التعذيب أو بالإغراء أو لهذه المعاملة، ونصَّت المادة على أن ” لا يعرض أي إنسان للتعذيب المادي أو المعنوي، أو للإغراء، أو للمعاملة الحاطة بالكرامة، ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك، كما يبطل كل قول أو اعتراف يثبت صدوره تحت وطأة التعذيب أو بالإغراء أو لتلك المعاملة، أو التهديد بأيٍّ منها”.
- حقّ الشخص في إقامة الدعوى الجنائية، وافتراض براءته إلى أن تثبت إدانته وفقًا للقانون، وحقه في عدم إدانته في جرائم جنائية إذا لم يشكل الفعل جريمة جنائية عند ارتكابه: كفلت المادة (27) هذا الحقّ، بأن “المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تُؤمَّن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حقّ الدفاع وفقًا للقانون، ويحظر إيذاء المتهم جسمانيًّا أو معنويًّا”.
- الحقّ في المحاكمة المشروعة والعادلة: كفلتالمادة (28) حقّ المتهم في أن يوكل من يملك القدرة على الدفاع عنه في أثناء المحاكمة، ويبيِّن القانون الأحوال التي يتعيَّن فيها حضور محامٍ عن المتهم، ويكفل لغير القادرين ماليًّا وسائل الالتجاء إلى القضاء والدفاع عن حقوقهم.
- حقّ المتهم في معرفة أسباب القبض عليه والتظلم أمام القضاء: نظَّمت المادة (29) هذا الحقّ من خلال
“إبلاغ كل من يقبض عليه أو يعتقل بأسباب القبض عليه أو اعتقاله فورًا، ويكون له حقّ الاتصال بمن يرى إبلاغه بما وقع، أو الاستعانة به على الوجه الذي ينظِّمه القانون، ويجب إعلانه على وجه السرعة بالتهم الموجَّهة إليه. وله ولمن ينوب عنه التظُّلم أمام القضاء من الإجراء الذي قيَّد حريته الشخصية، وينظِّم القانون حقَّ التظلم بما يكفل الفصل فيه خلال مدة محددة، وإلا وجب الإفراج عنه حتمًا”.
- حقّ المقيدة حريته بالإصلاح والتأهيل: نظَّمت المادة) 31) هذا الحقّ بأن “السجن دار للإصلاح والتأهيل، وتخضع السجون وأماكن الاحتجاز لإشرافٍ قضائيٍّ على النحو الذي يبيِّنه القانون، ويحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرِّض صحته للخطر، وينظِّم القانون أحكام إصلاح وتأهيل المحكوم عليهم”.
- الحقّ في التقاضي والمساواة أمام المحاكم: كفلت المادة (30)هذا الحقّ، وحدَّدت أن التقاضي حقّ مصون ومكفول للناس كافة. ويبيِّن القانون الإجراءات والأوضاع اللازمة لممارسة هذا الحقّ، وتعمل الدولة، قدر المستطاع، على تقريب جهات القضاء من المتقاضين، وسرعة الفصل في القضايا.
- حظر الاتجار بالأعضاء وحرية الشخص في عدم الخضوع لتجارب طبية أو علمية دون موافقته: حظرت المادة (32) من الباب الثالث، الاتجار بالأعضاء وحرية الشخص في عدم الخضوع لتجارب طبية أو علمية دون موافقته؛ حيث نصَّت على أن “لجسد الإنسان حرمة، والاعتداء عليه أو تشويهه أو التمثيل به جريمة يعاقب عليها القانون، ويحظر الاتجار بأعضائه، ولا يجوز إجراء أي تجربة طبية أو علمية على أي إنسان بدون رضائه الحرّ، على النحو الذي ينظِّمه القانون”.
- الحقّ في الخصوصية وعدم التدخل في شؤون الأسرة، أو انتهاك مراسلاته، وحماية الشخص من أي فعل غير قانوني يمسّ سمعته وشرفه: كفلت هذا الحقّ المادة (33) بأن “للمساكن حرمة، لا يجوز دخولها بغير إذن أهلها، إلا في الأحوال التي يعيِّنها القانون وبالكيفية المنصوص عليها فيه .”وكذلك المادة (36) بأن “للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمسّ. وللمراسلات الإلكترونية بأنواعها كافة، والمراسلات الهاتفية، والبرقية، والبريدية، وغيرها من وسائل الاتصال، حرمتها وسرِّيتها مكفولتان؛ فلا يجوز مراقبتها، أو تفتيشها، أو الاطلاع عليها، أو إفشاء سريتها، أو تأخيرها، أو مصادرتها إلا في الأحوال التي يبيِّنها القانون، ووفقًا للإجراءات المحددة فيه”.
- حرية الفكر والضمير والديانة: كفلت المادة (34) “حرية القيام بالشعائر الدينية طبقًا للعادات المرعية مصونة، على ألا يُخلَّ ذلك بالنظام العام، أو ينافي الآداب”.
- حرية الرأي والتعبير: نظَّمت المادة (35) “حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة، وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون”.
- حرية الصِّحافة والطباعة والنشر: كفل النظام الأساسي ذلك في المادة (37) بأن “حرية الصِّحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقًا للشروط والأوضاع التي يبيِّنها القانون، ويحظر ما يؤدي إلى الفتنة أو الكراهية أو يمسّ بأمن الدولة أو يسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه”.
- حقّ الاجتماع وتكوين الجمعيات: كفلت هذا الحق المادة (39) بأن “للمواطنين حقّ الاجتماع على النحو الذي يبيِّنه القانون”. وكذلك المادة (40) بأن “حرية تكوين الجمعيات مكفولة، وذلك على أسس وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية وبما لا يتعارض مع نصوص وأهداف هذا النظام، ووفقًا للشروط والأوضاع التي يبيِّنها القانون، ويحظر إنشاء جمعيات يكون نشاطها معاديًا لنظام المجتمع، أو سريًّا، أو ذا طابع عسكري، ولا يجوز إجبار أحد على الانضمام إلى أي جمعية”.
- حقّ العامل الأجنبي في حمايته ضد الطرد التعسفي: نظَّمت هذا الحقّ مادتان؛ الأولى، المادة (22) بأن “الحياة الآمنة حقّ لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها ولكلّ مقيم على أراضيها”. وكذلك المادة (42) بأن “يتمتع كل مقيم أو موجود في السلطنة بصفة قانونية بحماية شخصه وأملاكه طبقًا للقانون، وعليه الالتزام بالتشريعات والقوانين، ومراعاة قيم المجتمع، واحترام تقاليده ومشاعره”.
- حظر تسليم اللاجئين: حددت المادة (43) بوضوح أن “تسليم اللاجئين السياسيين محظور، وتحدد القوانين والاتفاقيات الدولية أحكام تسليم المجرمين”.[9]
- الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
حدَّد العهد الدولي الخاصّ بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مواده (6 – 15) عديدًا من الحقوق والحريات؛ كالحقِّ في العمل والتدابير التي تتخذها الدول الأعضاء لتأمين ممارسة هذا الحقّ من التدريب والتوجيه، والحق في التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية، والحقّ في تشكيل النقابات والانضمام إليها، والحق في الضمان الاجتماعي والأمن الغذائي والصحي، وحقّ الأسرة والأمهات والأطفال والمراهقين في أكبر قدر ممكن من الحماية والمساعدة والحقّ في مستوى معيشي كافٍ، والحقّ في الصحة الجسمية والعقلية، وحقّ كلّ فرد في الثقافة والحياة الثقافية، وحقّ التعليم الابتدائي إلزاميًّا ومتاحًا للجميع بالمجان، وتيسير التعليم الثانوي والمهني والفني والتعليم العالي.
وتقرّ كل دولة صدَّقت على العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بمسؤوليتها عن العمل نحو ضمان شرط معيشة أفضل لشعبها. وقد جاءت الحقوق الواردة في هذا العهد أطول وأشمل من مثيلاتها في الإعلان العالمي، لكنها في الوقت ذاته جاءت أعمَّ وأقلَّ تحديدًا مما جاء به الإعلان. [10] وفيما يلي نعرض الحقوق والحريات التي تضمَّنها النظام الأساسي بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
- حظر التمييز في ممارسة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: كفلت المادة (21)مبدأ عدم التمييز إجمالًا، بأن “المواطنين جميعهم سواسية أمام القانون، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الدين أو المذهب أو الموطن أو المركز الاجتماعي. وهذا المبدأ يسري على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من الحقوق والحريات. كماأن المادة (15) أكدت على ” كفالة الدولة العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين؛ باعتبارها دعامات للمجتمع”.
- المساواة بين الرجل والمرأة في ممارسة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: كفلت المادة (15) هذا الحقّ كمبدأ عام (المساواة)، ويسري على الحقوق كافة، وجاءت الإشارة إليه بشكل محدَّدٍ في المبادئ الاجتماعية (الفصل الثالث)، وخصَّصت فقرة لذلك بأن “تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل..”.
- حقّ العمل: نظَّمت المادة (15) هذا الحقّ بفقرة تؤكِّد على أن “العمل حقّ وشرف، ولكل مواطن ممارسة العمل الذي يختاره لنفسه في حدود القانون، ولا يجوز إلزام أي مواطن بالعمل جبرًا إلا بمقتضى قانون، ولأداء خدمة عامة، ولمدة محدَّدة، وبمقابلٍ عادل”.
- حقّ كلّ فرد في التمتع بظروف عمل عادلة وملائمة: كفلت الدولة هذا الحقّ في المادة (15) أيضًا؛ حيث أكدت على أن “تسنَّ الدولة القوانين التي تحمي العامل، وصاحب العمل، وتنظِّم العلاقة بينهما، وتوفِّر شروط الأمن والسلامة والصحة المهنية”.
- حقّ كلِّ فرد في الضمان الاجتماعي، بما في ذلك التأمين الاجتماعي: كفلت المادة (15) هذا الحقّ في الإشارة بفقرة خاصَّة إلى أن “تكفل الدولة للمواطنين خدمات التأمين الاجتماعي، كما تكفل لهم المعونة في حالات الطوارئ، والمرض، والعجز، والشيخوخة”.
- التزام الدولة بتوفير الحماية والمساعدة للأسرة: حددت المادة (15) أن”الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتعمل الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها”.
- التزام الدولة باتخاذ تدابير خاصَّةٍ لحماية ومساعدة جميع الأطفال والشباب: ألزمت المادة (15) الدولة “برعاية الطفل والمعاقين والشباب والنشء…”.
- حقّ كل مواطن في مستوى معيشة ملائم له ولأسرته: ألزمت المادة (14) في المبادئ الاقتصادية للنظام الأساسي، الدولة بأن” تكفل حرية النشاط الاقتصادي على أساس العدالة الاجتماعية، والتعاون والتوازن بين النشاطيْن العامِّ والخاصِّ؛ لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وزيادة الإنتاج، وتحقيق الرخاء للمواطنين، ورفع مستوى معيشتهم، وتوفير فرص العمل لهم، والقضاء على الفقر”.
- الحقّ في الحفاظ على البيئة: كفلت المادة (15) هذا الحقّ من خلال “التزام الدولة بالعمل على حماية البيئة، وتوازنها الطبيعي؛ تحقيقًا للتنمية الشاملة والمستدامة لكل الأجيال، وعلى المواطنين والمقيمين المحافظة عليها، وعدم الإضرار بها.” ومع أن هذ الحقَّ يُعدّ من حقوق الجيل الثالث الخاصَّةِ بالبيئة والتنمية، إلا أن النظام الأساسي وضعها في المبادئ الاجتماعية في الفقرة (6) من المادة (15). ولذا أبقيناها في تصنيف الحقوق الاجتماعية.
- الحقّ في الحصول على أعلى مستوى متاحٍ في الرعاية الصحية: كفلت المادة (15) هذا الحقّ بأن ألزمت الدولة “بالرعاية الصحية للمواطنين، والعمل على توفير وسائل الوقاية والعلاج من الأمراض والأوبئة، وتشجع على إنشاء المستشفيات والمستوصفات ودور العلاج الخاصَّة، وذلك بإشراف من الدولة”.
- الحقّ في التعليم وإلزاميته: كفل النظام الأساسي هذ الحقّ في الفقرتيْن الأولى والثانية من المادة (16) في الفصل الرابع الخاصّ بالمبادئ الثقافية؛حيث أشارت إلى أن “التعليم حقّ لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية العمانية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمي في التفكير، وتنمية المواهب، وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح والتآلف”. وجعلت التعليم إلزاميًّا “حتى نهاية مرحلة التعليم الأساسي”، وأن تشجع الدولة “إنشاء المدارس والمعاهد الخاصَّة بإشرافٍ من الدولة”. كما أكدت “على مكافحة الأمية” لضمان مجتمع متعلِّم.
- حرية الإبداع، والحقّ في المشاركة في الحياة الثقافية: أكدت المادة (16) أيضًا على “كفالة الدولة لحرية الإبداع الفكري، ورعاية المبدعين، وأن تشجع على النهوض بالفنون والآداب“.
- حرية البحث العلمي، والحقّ في التمتع بمزايا التقدم العلمي وتطبيقاته: ونصَّت المادة (16) أيضًا على كفالة الدولة لحرية البحث العلمي، والعمل على تشجيع مؤسساته، ورعاية الباحثين، والمبتكرين، وتكفل الدولة سبل المساهمة الفعالة للقطاعيْن الخاصّ والأهلي في نهضة البحث العلمي.
- حماية الملكية الفكرية: نظَّمت المادة (38) “التزام الدولة بحماية الملكية الفكرية بشتى أنواعها في المجالات كافة، وذلك وفقًا للقانون”.
- الحقّ في مخاطبة السلطات العامة: ضمنت المادة (41) “الحقّ لكل مواطن في مخاطبة السلطات العامَّة فيما ينوبه شخصيًّا، أو فيما له صلة بالشؤون العامة، وذلك بالكيفية والشروط التي يعيِّنها القانون”. [11]
ثالثًا: الضمانات المؤسسية والإجرائية للحقوق والحريات
يتطلب تنفيذ حقوق الإنسان الواردة في الدستور أو النظام الأساسي توفُّر مجموعة من الضمانات التي توضع خصيصًا لحماية هذه الحقوق؛ ومنها:
- تنفيذ الدستور أو النظام الأساسي وحقوق الإنسان
يلعب الدستور دورًا محوريًّا في بناء هذا النظام الاجتماعي المواتي من أجل حماية حقوق الإنسان من خلال وضع حلول لضمان تنفيذ الدستور المعمول به، وهو ما يتطلب ضمانات مؤسسية من ناحية، وبرنامجًا للتدابير التشريعية ولبناء القدرات من ناحية أخرى، بالإضافة إلى مشاركة المجتمع المدني. وفيما يلي نعرض الضمانات التي كفلها النظام الأساسي لحماية حقوق الإنسان:
- الضمانات المؤسسية
هناك علاقة لا تنفصم بين حقوق الإنسان والديمقراطية أو الشورى. وتلعب المؤسسات الديمقراطية دورًا مهمًّا في خلق إطار داعم لحقوق الإنسان من خلال الدستور. لذا حرص النظام الأساسي على تأكيدها في المبادئ السياسية (المادة 13)، وكذلك من خلال التالي:
- الفصل بين السلطات
يضمن مبدأ الفصل بين سلطات الدولة قيام البرلمان بدورٍ رئيسٍ باعتباره ممثلًا للشعب، ومؤسسة شرعية قادرة على وضع التشريعات. كما يُشدِّد هذا الفصل على استقلال السلطة القضائية التي تعدّ الأداة التي تحمي الفرد أو الجماعة التي تطالب بحقوقها وحرياتها الدستورية، كما أن مبدأ الفصل بين السلطات يضمن أن كلًّا من سلطات الدولة الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية تباشر مهامها في حدود اختصاصاتها الدستورية فقط، ويكقل تحقيق الاستقلال اللازم لمختلف السلطات ويمنع تركزها.
وهذا الأمر تضمَّنه النظام الأساسي للدولة في السلطنة؛ حيث حدَّد في الأبواب الرابع والخامس والسادس، أدوار السلطة التنفيذية وصلاحياتها (الرئيس ومجلس الوزراء … إلخ)، والسلطة التشريعية (مجلس عمان)، والسلطة القضائية (القضاء)، ويعدّ ذلك أبرز الضمانات لحماية الحقوق والحريات. ويمكن الإشارة لاحقًا بإيجاز إلى أدوار كلٍّ من البرلمان والهيئات القضائية في حماية حقوق الإنسان.
- دور البرلمان
تؤدي البرلمانات وظائف عدة لها أثر مهمّ على حماية حقوق الإنسان؛ فهي التي تصدر القوانين لتنفيذ الحقوق والحريات الدستورية، وهو اختصاص أصيل لهذه البرلمانات. كما أن البرلمانات هي التي تمنح موافقتها على المعاهدات والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان قبل المصادقة عليها، وفقًا لبعض الدساتير.
وفي الكثير من البلدان تتيح البرلمانات منابر أساسية لوضع السياسات التي يجب أن تساعد على إرساء الحقوق والواجبات، كما تسهم هذه البرلمانات في إرساء البنية الأساسية لحقوق الإنسان. وهناك علاقة وثيقة تربط البرلمانات بالمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. وقد كان للمساندة البرلمانية لهذه المؤسسات أثر مهمّ على فاعليتها. كما أعطت الوظيفة الرقابية للبرلمانات فرصة أخرى للإسهام في إنفاذ الحقوق والحريات الدستورية، ومن أجل القيام بهذه المهام أنشأت العديد من البرلمانات لجانًا برلمانية متخصصة لحقوق الإنسان [12] ، أو مجالس وطنية لحقوق الإنسان تكون تحت إشرافها.
ويقوم مجلسا الشورى والدولة في السلطنة بدوريْهما في حماية حقوق الإنسان، ليس فقط من خلال المصادقة على القوانين أو المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، وإنما أيضًا من خلال دوريْهما الرقابي في متابعة عديد من لجانها المعنية بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في خطط الأجهزة الحكومية وبرامجها. وتجدر الإشارة غلى أن اللجنة العمانية لحقوق الإنسان تتبع مجلس الدولة وفقًا لمرسوم إنشائها رقم 128 / 2008.
- استقلال الهيئات القضائية
يكفل الدستور أو النظام الأساسي للدولة استقلال القضاء. وهذا شرط أساسي لضمان نزاهة قرارات المحاكم أو عدالة الإجراءات، وتساوي المراكز القانونية للأطراف المسؤولة عن إدارة العدالة. وتجسَّد هذا في النظام الأساسي للدولة في السلطنة؛ حيث أكدت المادة (77) على أن السلطة القضائية مستقلة، تتولاها المحاكم على مختلف أنواعها ودرجاتها… والمادة (78) بأن لا سلطان على القضاة في قضائهم لغير القانون… والمادة (85) التي تشير إلى الجهة القضائية التي تختصّ بالفصل في المنازعات المتعلِّقة بمدى تطابق القوانين واللوائح مع النظام الأساسي للدولة، وعدم مخالفتها أحكامه.وتشكِّل هذه المواد وغيرها حماية خاصَّة لحقوق الإنسان في السلطنة.
- ضمانات خاصَّة
بالنظر إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان، يتعيَّن على القانون المحلي أن يضع ضمانات فعالة لتنفيذ حقوق الإنسان. وعلى الرغم من أن القانون الدولي لحقوق الإنسان لا ينصّ على الإجراء القانوني الذي على أساسه تتحقق هذه الضمانات، فإن عديدًا من الدول المعاصرة تعتبر أهم ضمانة لحقوق الإنسان هي وضعها في مرتبة دستورية أو مرتبة قانونية؛ لضمان أكبر قدر من الحماية الفعالة ولمدِّها بأدوات متكافئة للحماية.
وبوجه عام، لم تضع المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان أي تصور لنظام معيَّن للضمانات المؤسسية أو الإجرائية، ولا أشارت إلى أي تفضيلات بالنسبة إلى الضمانات الخاصَّة. ولهذا من الضروري إيجاد تدابير لإنصاف أي شخص انتهكت حقوقه أو معرَّض لانتهاك حقوقه. وكل ما أشارت إليه بعض أحكام هذه المعاهدات هو أن القرارات التي تؤثر على حقِّ الحياة والحرية الشخصية للفرد، أو تتعلق بفرض عقوبة جنائية يجب أن يتم اتخاذها من جانب محكمة مختصَّة، مع الأخذ في الاعتبار أن مبادئ حقوق الإنسان المعاصرة، وما أضافته المعاهدات الدولية إليها، جعل مفهوم وضع ضمانات مؤسسية وإجرائية على المستوى المحلي يحظى بتأييدٍ واسع النطاق.
وتشمل قائمة الضمانات المؤسسية والإجرائية التي تتحدد كثيرًا في الدساتير المعاصرة كلًّا من حقّ اللجوء للمحاكم، وحقّ الاستئناف أو الطعن، وحقّ تقديم شكوى دستورية، وحقّ تقديم عرائض أو التماسات، وحقّ طلب التعويض، ومبدأ مساءلة من ينتهك حقوق الإنسان، وإنشاء مؤسسات قومية أو وطنية مستقلَّة لحقوق الإنسان.[13]
ويلاحظ إجمالًا أن النظام الأساسي للدولة في السلطنة، حدَّد الوضع القانوني للمعاهدات والاتفاقيات الدولية، بمرتبة القانون، أي تحوز قوة القانون، وقد تجسَّد ذلك في المادتيْن (93) و (97). كما كفل النظام حقّ اللجوء إلى المحاكم (المادة 30)، وأن سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، وشرف القضاء ونزاهة القضاء وعدلهم ضمان للحقوق والحريات (المادة 76)، وحقّ مخاطبة السلطات العامة فيما ينوبه أو فيما له صلة بالشؤون العامة (المادة 41). وتعدّ هذه المواد وغيرها ضمانات خاصة لإقرار حقوق الإنسان.
وفي الختام، يمكننا القول إن النظام الأساسي للدولة (الدستور) الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 6 / 2021، تضمَّن جوانب وأسس بناء الدولة العصرية كافة، وشكَّل الإطار المرجعي للعلاقات القائمة بين مؤسساته، والمسؤوليات والواجبات المنوطة بالسلطات الثلاث: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، وكفالة قيام كلٍّ منها بدورها الوطني في تناغم وتكامل لما فيه مصلحة للبلاد، كما جاء النظام الأساسي للدولة ضامنًا لحقوق المواطنين وحرياتهم في إطار سيادة القانون.
المراجع:
- – الأمم المتحدة، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، https://www.ohchr.org/AR/ProfessionalInterest/Pages/CCPR.aspx
- المفوضية السامية لحقوق الإنسان – الأمم المتحدة، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، https://www.ohchr.org/AR/ProfessionalInterest/Pages/CESCR.aspx
- (جنيف) ومركز العقد الاجتماعي (مصر)، الدليل الإرشادي لحقوق الإنسان ووضع الدستور، جنيف – إعداد البروفيسور/ دزيدك كيدزيا وآخرون، 2013.
- الوثيقة الأساسية الموحَّدة (المعدلة)، تشكِّل جزءًا من التقارير المقدَّمة من الدول الأطراف، الصكوك الدولية لحقوق الإنسان للأمم المتحدة، HRI/CORE/OMN/2019
- مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، حقوق الإنسان ووضع الدستور، نيويورك وجنيف، 2018.
- موقع الأمم المتحدة، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، https://www.un.org/ar/universal-declaration-human-rights/index.html
- موقع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة
https://www.ohchr.org/AR/HRBodies/Pages/HumanRightsBodies.aspx
- وائل أحمد علام، سريان اتفاقات حقوق الإنسان في النظام القانوني الداخلي (سلطنة عُمان نموذجًا) في مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية، المجلد 12، العدد 1، يونية 2015 م.
- (101/96) وتعديلاته الصادرة بموجب المرسوم السلطاني السامي (99/2011).
- وزارة العدل والشؤون القانونية، المرسوم السلطاني رقم 6 / 2021 بإصدار القانون الأساسي للدولة، الجريدة الرسمية (العدد 1374).
[1] خبير شؤون الطفولة بوزارة التنمية الاجتماعية.
[2] قارن، الدليل الإرشادي عن حقوق الإنسان ووضع الدستور، المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة (جنيف) ومركز العقد الاجتماعي (مصر)، 2013، ص 7.
[3] هناك أكثر من (30) معاهدة دولية تتعلق مباشرة بحقوق الإنسان، وهذه الاتفاقيات التسع منها تعدّ معاهدات أساسية.
[4] وائل أحمد علام، سريان اتفاقات حقوق الإنسان في النظام القانوني الداخلي (سلطنة عُمان نموذجًا (، في مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية، المجلد 12، العدد 1، يونية 2015 م، ص 217.
[5] انظر للمزيد من التفصيل، الدليل الإرشادي عن حقوق الإنسان ووضع الدستور، مرجع سبقت الإشارة إليه، ص ص 7 – 12.
[6] لم تصادق السلطنة بعدُ على العهد الدولي الخاصّ بالحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم.
[7] قارن الدليل الإرشادي عن حقوق الإنسان ووضع الدستور، مرجع سبقت الإشارة إليه، ص 16.
[8] للمزيد من الاطلاع، انظر: المرسوم السلطاني رقم 6 / 2021 بإصدار القانون الأساسي للدولة، الجريدة الرسمية (العدد 1374)، وزارة العدل والشؤون القانونية، ص ص 5 – 10.
[9] المرجع السابق، ص ص 10 – 15.
[10] تضمَّن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في المواد من 22 إلى 28.
[11] انظر: النظام الأساسي للدولة، مرجع سبقت الإشارة اليه، ص ص 10 – 15.
[12] انظر: الدليل الإرشادي عن حقوق الإنسان ووضع الدستور، مرجع سبقت الإشارة إليه، ص 22 وص 23.
[13] المرجع السابق، ص ص 23 – 25.