سعاد بنت علي العريمية
قبل فترة طالعنا الدكتور المبدع صالح الفهدي بمقال تحت عنوان: “صناعة القدوات السلبية”، ثم بعده بفترة وجيزة جاء الرد من الكاتب البارز أحمد بن سالم السيابي في مقال بعنوان: “خطر تسطيح عقول المجتمع.. من المسؤول؟”، وكلا المقالين يضجان بالمحبة للمجتمع العماني.
ومن خلال هذه السطور أريد أن نطمئنكم ونطمئن كل مخلص في النصيحة لأبناء وطنه، أننا نرى في الميدان التربوي كمشرفين تربويين أن هناك من المعلمين والمعلمات صناع لقادة مستقبل هذا البلد، ومربين لهم ومستثيرين لهممهم.
إن هناك من أفنى عمره في سبيل تربية مواطنين صالحين، ونحن كمشرفين تربويين سعينا لتسليط الضوء على هذا الجانب وهو “التركيز على القدوات التاريخية العمانية”، وذلك من خلال برنامجنا التدريبي “صناعة القدوات التاريخية العمانية وطرق تدريسها”، والذي تأجل تقديمه من العام الدراسي السابق إلى هذا العام بسبب الجائحة.
ونهدف من خلال هذا البرنامج إلى لفت نظر معلمي ومعلمات مادة الدراسات الاجتماعية إلى ضرورة تسليط الضوء على جوانب من حياة شخصيات عمانية غيّرت في التاريخ العماني، وامتد أثرها للتاريخ العالمي، ولا يتم ذلك إلا بتعميق معارف الطلبة بهذه الشخصيات والتحديات التي تعاملوا معها، وكيف أصبحوا منجزين على أصعدة مختلفة، السياسية والثقافية والدينية والفكرية والمجتمعية.
وهنا أحب أن أذكر -على سبيل المثال لا الحصر- عبد وجيفر اللذين كانا على رأس الحكم في عمان، وكيف تعاملا مع رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف ساهما في حروب الردة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا دليل على خيرتهما.
أيضا، مازن بن غضوبة الذي طلب من الرسول أن يدعو لأهل بلده حبا فيهم وفي وطنه، والصحابي كعب بن برشة الطاحي، الإنسان الموسوعي الذي يتحدث بأكثر من لغة وسعيه لطلب العلم، وشخصية الطبيب العماني ابن الذهبي الذي سافر إلى بلاد عدة لطلب العلم، ووصل للأندلس أشهر المراكز العلمية في عصره وتوفي بها، بعد أن ساهم بإنجازات علمية كبيرة.
من الأمثلة أيضا، عبد الله الصحاري، التاجر العماني الذي لقبه امبراطور الصين بجنرال الأخلاق، وعائشة الريامية التي تحدت ظروفها الصحية والمجتمع وساهمت في نشر العلم، وغيرهم الكثير.
ومن أهم الأمثلة في العصر الحديث، باني النهضة العمانية الحديثة المغفور له السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، الذي قفز بالإنسان العماني نحو أنوار العلم وبث روح السلام في علاقاته مع جميع دول العالم، واتخذ من رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد قال الله تعالى: “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا” الآية 33 سورة الأحزاب.
فهذه دعوة من الله الكريم للاقتداء بخير البشر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي كان يرجو بكل عمل يقوم به رضا الله، وهو المعيار الذي من خلاله تستقيم الأنفس وتحقق به من الإنجازات ما يتسع أثره عبر الأزمنة والأمكنة.
إن القدوات موجودة في تاريخنا الإسلامي والعماني، بدءا من سيد الخلق محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلوات والتسليم؛ لتمتد القائمة بشخصيات تستحق أن نقتدي بها، فهذه كنوز موجودة علينا أن نستثمرها لبناء قادة بارزين لمستقبل هذا الوطن، وهذا الدور تتقاسمه جميع مؤسسات المجتمع بدءا من الأسرة ثم المدرسة ثم الإعلام والوزارات المسؤولة عن تربية وثقافة المجتمع.
فعلى جميع هؤلاء أن يعرفوا أبناءهم بهذه الشخصيات ليضعوها نصب أعينهم كقامات تستحق أن يُقتدى بها، فالتغيير في السلوك يحتاج لوقت ويحتاج إلى تعاون جميع هذه المؤسسات، لذا علينا أن نبدأ بتعريفهم بهذه الشخصيات عن طريق دراستها، وإبراز أهم الصفات والعوامل التي ساعدتهم على أن يكونوا منجزين، ثم دعوة أبناء هذا الوطن لتحويل هذه الصفات لسلوك ثم عادة إلى أن تصبح قيمة راسخة في أنفسهم، وهذا يحتاج إلى أن يتحول جزء كبير من تعليمنا إلى تدريب مستمر ومتابعة مقننة ومحفزة في ذات الوقت؛ لنرقى بأبناء هذا الوطن وجعلهم سعداء.
إن الهدف الذي رسمه المغفور له السلطان قابوس، من أول خطاب له كان واضحا حين قال: “سأعمل بأسرع ما يمكن لجعلكم تعيشون سعداء لمستقبل أفضل” وحدد الزمن: “الذي يتطلب السرعة من مبدأ أننا لا نعلم كم سنعيش فعلينا أن ننجز اليوم ولا ننتظر الغد”، وحدد الغاية: “سعادة أبناء هذا الوطن، فكل الإنجازات البشرية هدفت لتحقيق السعادة لجميع البشر، وهذا المبدأ السامي الذي يجب أن نضعه نصب أعيننا وأعين أبناء هذا الوطن”.
وأخيرا، أدعو الله بأن يبارك جهود من سطر كلمات أو قدم نصائح، محبة وغيرة على أبناء وطنه، فعلينا دائما أن نتحسّس المواطن الخيّرة في نفوس وتاريخ أهل هذا البلد لنستضيء بها ونضيء بها شموس هذا البلد والعالم أجمع.