يونس بن جميل النعماني
حكى لي صديقٌ مؤخرًا عن كيفية حصوله على رخصة للغوص (Diving license) وكيف أنها كانت تجربة مدهشة جدًا، وهو يشاهد الحياة تحت أعماق البحر، بعد تجربة جميلة وصعبة في آن واحد، حيث كان عليهم أثناء التدريبات للحصول على الرخصة أن يترك موصل الأوكسجين وهم تحت عمق 14 متر اً في المحيط، ثم يكتم نَفَسَه، ويسعى للحصول على الكمامة قبل أن يحرك يده بأنه لا يستطيع التنفس، ليأتي العضيد وهو الشخص الآخر الذي لا بد أن يكون معه؛ خوفًا من أي طارئ، لكنهما نسيا أن يتَّبعا التعليمات، فدخل الماء إلى فمه، واستطاع في النهاية أن يلتقط موصل الأوكسجين وينجو بنفسه.
هذه القصة تزامنت مع انطلاق ندوة التراث الثقافي المغمور بالمياه – الواقع والتطلعات، التي أقامتها اللجنة الوطنية العُمانية للتربية والثقافة والعلوم منتصف هذا الشهر بالتنسيق مع مكتب اليونيسكو الإقليمي لدول الخليج العربية واليمن بالدوحة.
الندوة أثارت كثيرًا من التساؤلات من قبل كثير من المهتمين بالتراث خاصة ومن المجتمع عامة. أيوجد لدينا تراث ومغمور بالمياه أيضا؟ ما هذا التراث وكيف نستخرجه؟ وكيف يمكن المحافظة عليه؟ هل من آليات لضبط محاولات سرقته والعبث به؟ وغيرها من الأسئلة التي أثارت فضول الكثيرين ممن تابع أخبار هذا الندوة.
التراث المغمور بالمياه حسب تعريف اليونسكو هو: “جميع آثار الوجود الإنساني التي تتسم بطابع ثقافي أو تاريخي أو أثري التي ظلت مغمورة بالمياه جزئياً أو كلياً، بصورة دورية أو متواصلة، لمدة مائة عام على الأقل”. ويشمل هذا التراث جميع المواقع والهياكل والمباني والمصنوعات الأثرية والرفات البشرية، مع سياقها الأثري والطبيعي؛ والسفن والطائرات وغيرها من وسائل النقل أو أي جزء منها أو حمولتها أو أي من محتوياتها، كما يضم الأشياء التي تنتمي إلى عصر ما قبل التاريخ… الخ
وتوجد اتفاقية باليونسكو في هذا الشأن يطلق عليها “اتفاقية صون التراث المغمور بالمياه” أعتُمدت عام 2001، وانضمت إليها العديد من الدول، كما انضمت إليها السلطنة عام 2020، وأفردت وزارة التراث والسياحة دائرة خاصة بهذا التراث. وتركز هذه الاتفاقية على صون هذا النوع من التراث القيّم؛ بسبب ما يتعرض له من العبث والسرقة. وقد كنتُ يومًا على متن طائرة، ورأيت سيدتين قادمتين إلى عُمان، ومن خلال الحديث معهما، و الترحيب بهما، عرفت أنهما جاءتاخصيصًا للغوص في بحار عُمان، وعندما سألتهما: لماذا بحار عُمان بالذات؟ أجابتا بأنها نظيفة جدُا ومياهها صافية، والحياة البحرية تحت الماء لا توصف؛ لجمالها. ولكم أن تتخيلوا عدد السياح الذين يأتون للاستمتاع بالغوص، ورؤية التراث الثقافي المغمور بالمياه أو لمآرب أخرى.
ما أدهشني أيضا أن الكثير لا يعرف عن هذا التراث، ربما لم يسمعوعنه يومًا؛ لذلك فإن المسؤوليةَ مشتركةٌ بين الجهات الحكومية والمعنيين بهذا التراث وبين أفراد المجتمع؛ لتعميق الوعي بهذا التراث لاسيما أن شواطئ عُمان التي تمتد إلى 3165 كم تضم الكثير من حطام السفن التي جَنَحت في بحر عُمان وبحر العرب، والأمثلة كثيرة لا يسع المجالُ لذكرها.
أخيرًا فإنَّ تضمين التراث المغمور بالمياه في المناهج الدراسية، والتعريف به، وبمبادئ اتفاقية اليونسكو 2001، وربطها كذلك بالذكاء الاصنطاعي مطلبٌ مُلِحٌ؛ حتى نستفيد منه في تحقيق التنمية المستدامة وفق رؤية 2040، بالإضافة إلى تشجيع الباحثين على سبر أغوار هذا التراث، وكيفية التغلب على التحديات المصاحبة له، والخروج بتوصيات ومرئيات تصب في جانب تنمية السياحة في السلطنة.