منى بنت سالم المعولية
يوم الحادي عشر من يناير، ذلك اليوم الشتوي القارس الذي كان بالنسبة لنا كعمانيين مجرد رقم في روزنامة التقويم تسقط ورقته كسابقها وما بعدها دون أن تذكر، ولكن للزمن فلسفته وحكاياته وهذا هو ديدنه كلما أراد أن يحفر أساطيره.
كنا على موعد غير مسبق مع فجر هذا اليوم وشروق شمسه، ما أن خلع الليل سواده وقبل أن يكتسي الصباح بنور الشمس، تهافتت أصوات تزامل أصوات المآذن “استيقظوا قابوس قد رحل”، طنين وصدى أصوات تتردد، ديوان البلاط ينعى القائد، ولا أريد أن أصطنع الصدمة، فقد كانت الأيام السابقة لرحيله حبلى بالأخبار المتضاربة.
إذن شمس تشرق مع مغيب شمس الوطن، تغرب شمس بلادي مع إشراقة شمس العالم، يوم مهيب طغت تفاصيله على دهشة الأحداث، فجيعة نعم فجيعة، فقيد ليس ككل المفقودين ولكن آثار صنيعه وحضارته ثابتة كثبات آثار الإغريق واليونان، وثابتة كثبات الأهرام ورفعة المسلات، فالرجل صنع تاريخه ورحل لتنام روحه بسلام جزاء ما قدم وفعل.
لكن هناك شمسا أخرى تشع بخطى واثقة بعثت أشعتها وأرسلت خيوط نورها لتربت على أكتاف العمانيين تطمئنهم وتقف بثبات وحزم لتقول لهم تماسكوا فعمان باقية، يد مخضبة بالوفاء والعزيمة والإرادة، صوت أقسم وعيون تراهن عليه أنه سيبر بالقسم، تهللت الوجوه استبشارا بالسلطان القادم لأنها تدرك في مكامنها حكمة السلطان الراحل الذين ووثقوا في وصيته وعلموا جيدا أن خليفته ليس بالرجل العادي، وكان ليس بالعادي قولا وفعلا، رجل حمل على عاتقه تجديد نهضة وطنه بما يتوافق مع زمانه.
لقد جاء السلطان هيثم بن طارق وهو مدرك جيدا أن العالم كله ومن ضمنه عمان يعاني ركودا اقتصاديا ضاعفته الجائحة المرضية لفيروس كوفيد-19، وكأن كل الضغوطات الأخرى لم تكن كافية حتى تبتلى البشرية بهذا الجراد الفيروسي الذي خلف الدول حطبا بلا أغصان أو ورق، أشباه أشجار واقفة يعصف بها خريف العمر مع تخاريفه، فما فتئ يصلح الداخل ويقلّمه كطبيب ماهر يعلم جيدا أن علاج الورم هو المشرط ويعلم جيدا أن الوجع المؤقت النابت من الاستئصال هو أقل ضررا من التخدير المستمر مع تفاقم العلة بأخذ المسكنات التي لا تحل المشكلة بل تضاعفها حتى تنفجر.
قدم سلطاننا كريح هبت على خريف الشجر لتتساقط الأوراق اليابسة وتثبت الخضراء الصالحة وتخرج براعم جديدة لتصبح غدا أوراقا يانعة جميلة، كنست الريح الورق المصفر وذهب أدراج الماضي والزمن.
بقي علينا أن نتكاتف معه ونلتف حوله ونناوله معاول الحرث ونساعده ليجني خير غرسه، نزرع معه ونحن نتقن تقلبات مطر السماء مدركين أن أحوال الأرض أعواما خضراء ولكن هناك ايضا أعواما فيها جدب.