مروه بنت سيف العبرية
مجريات الثالث والعشرين من يوليو عام ١٩٧٠ تتغير في عمان، نزل الغيث ليحل عهد جديد انتظره العمانيون في أحلامهم، ولكنه أصبح حقيقة.. سلطان جديد يدعى قابوس، لسان حال كل من يعيش على أرض عمان ومسقط، يعرفه الكثير منهم، فيما لم يرَه آخرون في الشمال.
البشرى جاءت من قصر الحصن في صلالة ليدوّي صوت عمان الجديدة في أرجاء الوطن، الذي كان يرضخ تحت وطأة ثالوث الفقر والجهل المرض، ليأتي السلطان قابوس ويزيح الظلام الدامس الذي عاشته سنين طويلة، ولم يدرك حينها العمانيون أن ذلك سيختفي بسرعة، وأن قابوس سيجعل من عمان دولة حضرية متطورة في كافة القطاعات.
بدأ فارس عمان الجديد في العمل، وما هي إلا أيام حتى وصل إلى مسقط في الثلاثين من يوليو عبر طائرة تابعة لطيران الخليج نزلت في مطار بيت الفلج، لينزل السلطان الجديد منها ومعه البشائر، حيث اصطف العمانيون منتظرين جلالته وقلوبهم معه لبناء الدولة، نزل من الطائرة مقررا اتخاذ مسقط عاصمة، لتبدأ لبنات البناء، وفي خلده أن لا يخيب طموح وأمل الحشد الكبير الذي كان في انتظاره.
بدأ السلطان قابوس يخاطب الناس عبر المذياع أن “هلمّوا لوضع حجر تلو حجر”، واستقبل الناس دون حجاب، كان معهم في كل الأمكنة ومعه معول التشييد، يسابقون الزمن للحاق بالركب كحال الدول الأخرى، في وقت كانت فيه الحرب مشتعلة في ظفار مع الجبهة الشيوعية، ولكن عزيمة بن سعيد عظيمة أطفأت النيران الملتهبة، ونظر إلى لم شمل الوطن ونشر الاستقرار مهما كلف الأمر.
في الوقت الذي بدأ فيه عودة العمانيين المغتربين، في الداخل كان هناك حراك في كافة الأصعدة، دكت الجبال دكا، ومهد الطريق البحري بمطرح، ورفعت أعمدة طريق الداخلية على ضفاف فنجا، والسلطان قابوس يسير من ظفار لمسقط في طريق ترابي، ويقف في طريقه مع الناس، يسامرهم، يتحدث إليهم، يرتشف القهوة معهم ويغادر، ويعدهم أن الطريق “المسفلت” سينتهي عما قريب، وتعالت الجسور في روي، تلتها المدن الأخرى، تحقق الحلم، من طريق يربط مسقط بريام يبلغ طوله بضع كيلومترات، إلى ألوف الكيلومترات.
بدأ النشاط الاقتصادي يدب بعد تشغيل ميناء السلطان قابوس، ونشطت التجارة في كل مدن السلطنة مع بدء السلطنة خططها الخمسية، ونبتت المدارس لتصل إلى قمم الجبال حيث يقطن العماني، ووصلت الصحة إلى مصيرة وكمزار وكل مكان لم يخطر ببال أحد قبل ذلك.
وفي خارطة العالم، خطّ السلطان قابوس بقلمه السلام، فكان حمامة سلام حقيقية يشار لها بالبنان، وتهافتت إليه الأمم للصلح، فكان له دور محوري في حل الكثير من القضايا العالقة، فمفتاح بيت البركة فك شفرات أصعب الملفات الدولية.
خمسون عاما، تكتب من ماء الذهب، لا تختصر في جرة قلم، ولا بيت شعر، بل المجلدات لن توفي حق السلطان قابوس، الذي رحل في العاشر من يناير 2020، وقلوب كل بيت عماني لا تزال في حالة عزاء مستمر، وستظل، فكيف لا وهو أب كل عماني.