شؤون عمانية- عبير الحوسنية
قد تصادفنا الكثير من النماذج الناجحة في مجالات متنوعة، لكن تستوقفنا أحيانا بعض النماذج التي تضرب أروع الأمثلة في التحدي والإصرار، ومن بين هذه النماذج معاذ بن خلفان الرقادي، والذي أمامه يقف العقل حائرا من طوفان المعرفة وصوت الأمل والنظرة إلى المستقبل المشرق.
“الرقادي” هو شاب عماني فقد بصره فجأة لكنه لم يفقد أمله وطموحه وسار في طريق النجاح مسترشدا بنور العلم في عقله والإيمان في قلبه.
نبذة عن معاذ الرقادي
ولد “الرقادي” في ولاية بوشر بمحافظة مسقط عام 1988، وتخرج في جامعة السلطان قابوس متخصصا في مجال التاريخ حاصدا المركز الأول على دفعته، ليعمل حاليا مسؤولا عن متابعة الشؤون الأكاديمية لطلبة ذوي الاعاقة في كلية الآداب بالجامعة، ومن بين الإنجازات التي حققها أيضا حصوله على براءتي اختراع.
بداية الألم والأمل
كان عام 2009 نقطة تحول في حياة معاذ، فقد أصيب في هذه السنة بضعف حاد في البصر لكن هذا الأمر لم يثنه عن مواصلة طريقه للنجاح.
واعتبر في حديث لـ شؤون عمانية، أن هذا العام كان من أصعب الأعوام التي مرت عليه، لأنه تحول من شخص سليم ليس لديه أي مشكلات في البصر إلى شخص يعاني من ضعف حاد بصره، موضحا أن هذا الأمر جعله يفقد شغفا كبيرا وهو دراسة الطب بعدما حصل على القبول في بعثة للدراسة في استراليا.
اضطر “الرقادي” لتغيير التخصص بما يتناسب مع وضعه الجديد، خصوصا بعد فشل الكثير من العمليات الجراحية التي أجراها، فالتحق بكلية الهندسة وأمضى فيها 3 سنوات، ثم اضطر لتغيير التخصص مرة ثانية بعدما فقد البصر بشكل كامل.
التحق معاذ بكلية الآداب تخصص التاريخ، وهي الكلية الوحيدة التي تقبل الطلاب الذين يعانون من مشاكل في البصر، مؤكدا أنه شعر في بداية الأمر بالإحباط بسبب عدم تأقلمه مع الوضع الجديد، لكنه اكتشف أن ما حدث منعمة من الله عز وجل و”أعظم نعمة حدثت في حياته” حسب تعبيره.
أول براءة اختراع
وذكر أن من أبرز اختراعاته أداة لتوسيع مساحة الطاولات الدراسية، وهي طاولة تنطوي لتصبح مثل حجم الكتاب، قابلة للفتح والتحول إلى طاولة كاملة بكامل مميزاتها حيث توجد بها أماكن للحاسب المحمول والأقلام، وأهم ما يميز هذا الاختراع هو أنه معلقة متوازنة مع الجاذبية لا يسقط، وهو ما أهّل الجامعة أن تسجل أول براءة اختراع ضمن قاعدة بيانات منظمة “الويبو” التابعة للأمم المتحدة في عام 2015م.
أمّا بالنسبة لمشروع “وحدة طلبة ذوي الإعاقة” والذي بدأ العمل به من عام 2016 إلى 2019م، فقال “الرقادي” إن هذا المشروع جاء ليهيء بيئة مناسبة تسهل على الطلاب ذوي الإعاقة مواصلة مسيرتهم العلمية والتنقل بين القاعات الدراسية بكل سهولة، ويخدم المشروع طلبة ذوي الإعاقة البصرية والحركية في جامعة السلطان قابوس، ويعتبر هذا المشروع من الأول من نوعه على مستوى مؤسسات التعليم العالي في السلطنة من حيث تهيئة البنية التحتية للطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة.
واستطاع معاذ بهذه الفكرة تذليل العقبات التي تواجه الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة، ليكون الطالب الذي يعاني من مشكلة في البصر في كلية الآداب قادرا على التنقل بين مرافق الكلية دون الحاجة إلى مساعدة الغير.
مرحلة جديدة
وأشار “الرقادي” إلى أنه دخل مرحلة جديدة في حياته منذ سن الثامنة عشرة، موضحا أن الإنسان عندما يولد سليما ويواصل حياته بصحة وعافية حتى سن 18 سنة، ثم تبدأ ظهور المشاكل الصحية التي تعيق تقدمه وتحقيق طموحاته فيصاب بالإحباط وأنه كان يرى كل شيء حوله وأصبح لا يراها بشكل جيد.
وعن عنوان “العالم بين يديك” ذكر أن هذا كان عنوانا لكتاب كان لديه الرغبة في تأليفه، لكنه لم يكمله لأنه لا يميل إلى هذا المجل وانقطع عن تأليفه وحول مساره إلى تأليف كتاب في المجال الذي يهتم به.
ومن المقرر أن يصدر لـ”الرقادي” كتابا اسمه “يوم سلطانة” وهو عبارة عن رواية تجمع بين الماضِي والحاضر من ضواحي الموسكو إلى الكابيتول.
مواجهة الصعوبات
واختتم معاذ حديثه بتوجيه نصيحة لكل من فقد شيء من أعضائه في حادثٍ ما أو فقد أحد حواسه قائلا” “يجب النهوض والتحلي بالقوة والصبر، وتذكر أن الله تعالى لا يأخذ شيئًا إلا وأعطى أشياء أعـظم، فعلينا مواجهة كل الصعوبات، لنتمكن من تحقيق أهدافنا في الحياة”.