بدر بن سالم العبري
بعد زيارتنا لجبل سمحان – كما رأينا في الحلقة السّابقة – رجعنا إلى نزل النّيل في صلالة، فذهبنا إلى النّزل لأخذ شيء من الرّاحة ولحق بنا الحبيب فيصل المشهور لنذهب إلى مطعم تركي قريب النّزل لتناول وجبة الغداء، وعندهم كما رأينا سابقا وكما يظهر لنا أنّ تأخير الغداء حتى بعد العصر أمر طبيعيّ، وهذا سابقا يسمى العشاء، وقيل إنّ الغداء عند العرب من الغداة أي من شروق الشّمس وحتى زوالها، فهو بمثابة الفطور اليوم، والعشاء من العشيّ من بعد الظّهر حتى غروب الشّمس، فهو بمثابة الغداء اليوم، فكانت لهم وجبتان، ولهذا جعلوا قوله تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة/ 89]، أي الوسط بمعدّل وجبتين في اليوم، ولا زالت حتى بعض الأقوام الأخرى في الغرب – حسب علمي – لهم وجبتان رئيستان في اليوم، وقت الصّباح ووقت المساء، ولعلّ طبيعة اللّيل وقصره، والنّهار وطوله له تأثير في ذلك.
وأدركنا هنا في داخل عمان الغداء قبل الظّهر، ولهذا كانوا يقيلون عند الزّوال، وتفتح الأسواق ظهرا، وقيل كان العرب يقيلون في الظّهيرة كما جاء في رواية مسلم [ت 261هـ] من طريق سهل بن سعد [ت 91هـ]: “ما كنّا نقيل ولا نتغدّى إلا بعد الجمعة في عهد النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم –”، ولعلّ رواية سهل مخصوصة بيوم الجمعة.
وكذا العَشاء كان في السّابق قبل المغرب، أو بعده مباشرة، وكانوا يؤخرون صلاة العِشاء؛ ليتمكّن النّاس من السّمر وقضاء حوائجهم، ولأنّ العديد منهم يكره السّمر والسّهر بعد العِشاء، وهذا لطبيعة الحياة يومها، وإن كان ما يفعلونه أقرب في الحفاظ على الصّحة والجانب النّفسيّ.
عموما شاركنا الغداء الحبيب علويّ الكاف، وكان عبارة عن مشاوي بأنواعها، ثمّ ذهبنا لأداء صلاة المغرب والعِشاء، وذهبتُ أنا والحبيب علويّ إلى المسجد القريب من النّزل، فجمعت الصّلاتين عدا الحبيب لأنّه مقيم وليس مسافرا.
وبعدها تقدّمت الأخوة إلى بيت الحبيب سالم المشهور لتسجيل الحلقة مع الكاف، وسجلّت يوم 16 رجب 1440هـ يوافقه 31 مارس 2019م، في السّاعة الثّامنة والنّصف مساء، وبثت يوم الخميس 18 رمضان 1440هـ يوافقه 23 مايو 2019م في قناتنا اليوتيوبيّة من برنامج حوارات الحلقة 36 بعنوان: ذكريات رمضان في ظفار.
وتحدّث الكاف في البداية أنّ ذكريات رمضان تعود إلى بلدة مرباط، في زمن لا يوجد فيه كهرباء، ولا توجد ملهيات كما هو الآن، فقط كان يوجد الرّاديو، وكان النّاس يعيشون على الفانوس ويسميه البعض (التريج) و (المسردة) أي الشّمعة، وكانت النّاس متقاربة، والمساجد متواضعة.
ويقول: كنّا نعرف بدخول شهر رمضان عن طريق برقيّة تصل عن طريق مكتب الوالي أو نوابهم من خلال لجنة الرّؤية في صلالة، فلمّا يقره القضاة تأتي البرقيّة إلى باقي المناطق ومنها مرباط، وكان من القضاة جدّي عبد الرّحمن الكاف، والشّيخ عامر بن عليّ وغيرهم، ولمّا بدأت الإذاعة العمانيّة أصبحنا نعرف عن طريق المذياع، وكان الموضوع حينها سهلا، والنّاس بأنفسهم يتحروّنه ويرونه.
ويبدأون رمضان بالمشاهرة والنّية، والمشاهرة تكون في أول شهر رمضان، وهي التّهنئة، وفي السّابق كانوا يطلعون فوق منارة المسجد ويرحبون برمضان، وقد يجتمعون في المسجد ويرحبون بالشّهر، ويقولون: مرحبا يا رمضان، شهر البركة والإحسان، والقبول والغفران.
وأمّا النّية فتعقد عند المغرب بعد وصول الخبر يقولون: نويت أصوم غدا … من شهر رمضان لله تعالى، حيث في أول يوم كان المعلم أو الإمام يلقن النّاس، وبعضهم يعيدها بعد التّراويح من باب التّذكير، قلتُ: وعادة النّية وتلقينها موجودة عندنا في المجتمع الإباضي حتى وقت قريب جدّا.
وكان الطّعام حينها المحلبيّة (الكاستر)، والشّربة، ثمّ ظهرت عن طريق السّوق اللّقيمات، وبعضهم يشتري الحلوى الزّلابيّة، وهذه الأطعمة نحلم فيها؛ لأنّه لا نجدها إلا في رمضان، وما كلّ النّاس حينها يستطيع شراءها، وكانت المساجد حينها قليلة، وكان الفطور في المسجد، وكانوا يقتصرون على التّمر واللّقيمات واللّبن أو الحليب من الجبل مع الماء، والسّحور كلّ في بيته، ويكون عادة السّاعة الثّالثة فجرا.
ومن عادة النّاس حينها أنّهم يسهرون في رمضان ويكثر اللّعب كلعبة الورق، وأحيانا الكرة، ومن عادتهم التّزاور بعد التّراويح.
وعادتهم في التّراويح تتشابه مع أهل حضرموت، بما في ذلك الصّلاة، وعادات أهل ظفار جاءت من حضرموت، لكنّها تأثرت حاليا بسبب بعض التّيارات السّلفيّة الّتي تراها بدعة، فأصبحت أغلب المساجد لا تصلّي عشرين ركعة، فيصلونها حاليا ثمان ركعات، ولا يلتزمون بالعادة السّابقة في القراءة وإنّما ما تيسّر من القرآن، وتركت الأذكار بين الرّكعات، وتركت المصافحة، وكان من عادات أهل ظفار المصافحة بعد الفجر والعصر [والتّراويح في رمضان]، وبعد الفجر والعصر في غير رمضان، واعتبرها ابن بطوطة [ت 779هـ] من العادات الحسنة في أهل ظفار.
قلتُ: وعادة المصافحة بعد الفجر والعصر، وكذا بعد التّراويح موجود عندنا في الدّاخل، وترك الأغلب المصافحة بعد الفجر والعصر، أمّا بعد التّراويح لا زالت باقية، والإباضيّة في المشرق جرى العمل عندهم يصلون التّراويح ثمان ركعات كصلاة اللّيل، وعند المغاربة عشرين ركعة.
ويقول: وكانوا يؤخرون صلاة العشاء، يصلونها تقريبا السّاعة التّاسعة، فيؤخرون الأذان ساعة كاملة، وصلاة التّراويح سابقا – كما أسلفنا – كانت في جميع المساجد عشرين ركعة، ركعتين ركعتين، يقرأون في الرّكعة الأولى الفاتحة والتّكاثر، وفي الرّكعة الثّانية الفاتحة والصّمد، وهكذا ينزلون؛ لأنّه في بعد الهاكم عشر سور مع الصّمد يكررونها عشر مرات، وأمّا في الوتر في الشّفع يقرأون بعد الفاتحة الأعلى في الأولى، والكافرون في الثّانية، والوتر ركعة، ويتخلل الرّكعتين من التّراويح ذكر الله، والصّلاة على النّبيّ، والتّرضي على الخلفاء الرّاشدين الأربعة، ثمّ عموم الصّحابة، وبعد الوتر توجد أذكار بداية من الاستغفار والصّلاة على النّبيّ – عليه الصّلاة والسّلام -، ثمّ دعاء حفيف كسؤال الجنّة والنّجاة من النّار ثلاث مرات، وسؤال العفو والمغفرة ثلاث مرات، ثمّ نفتّح الفاتحة للأحياء والأموات، ثمّ المصافحة.
قلتُ: والعادة مشابهة لما في الدّاخل قديما، يصلّون أربعا يفصلون بين كلّ ركعتين بالسّلام، إلا أنّهم كانوا يراوحون بين الأربع، وكان من عادتهم قديما صلاة سنّة العشاء جماعة ثمّ تركت، ويصلّونها فرادى، وهو المعمول به الآن، ويطيلون الدّعاء بعد الوتر، ويكتفون في التّراويح بالسّور القصار من جزء عمّ.
ويقول: والقنوت يكون في النّصف الثّاني من رمضان، والقنوت قصير جدّا نفس قنوت صلاة الفجر، ولا يوجد التّهجد في جماعة حينها، وفي رمضان كلّ ليلة جمعة يصلون زيادة على العشرين ركعة صلاة التّسابيح في أربع ركعات جماعة، وصلاة التّسبيح أن تنوي أربع ركعات، ومنهم يبدأ بالقراءة ثمّ يسبّح: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة، وبعضهم يبدأ بالتّسبيح بعد تكبيرة الإحرام خمس عشرة مرة، ثم يقرأ الفاتحة وسورة، وفي الرّكوع بعد تسابيح الرّكوع يسبّحون بمثلها عشر مرات، وكذا بعد الاعتدال من الرّكوع وفي السّجود وما بين السّجدتين.
والختمة في رمضان تبدأ من 14رمضان في مسجد عقيل، ويقوم من المصلين المواظبين أو من المعلم حيث يقرأ القرآن بنفسه حتى يصل إلى الضّحى، وفي التّراويح يقرأ في الصّلاة من الضّحى إلى النّاس، وبعد الصّلاة يقرأون ختم زين العابدين بن الحسين بن عليّ [ت 95هـ]، ويتخلّله الصّلاة على النّبيّ وأدعية أخرى، ثمّ قصائد في وداع رمضان، وهكذا ينتقلون من مسجد إلى مسجد.
ولا يوجد في ظفار عادة القرانقشوه أو القريقعان، لكن يوجد في منتصف شعبان ما يسمى بالشّعبانيّة، وفيها يقرأون سورة يس كلّ واحد بنيته، ثمّ يقرأون دعاء مأثورا، وبعضهم في هذه اللّيلة يصلّي صلاة التّسابيح.
وليلة السّابع والعشرين من رمضان سابقا ليس لها ميزة إلا أنّها تصادف بعض الختمات، وأمّا اليوم فيعتكف البعض في المساجد، والاعتكاف في المذهب الشّافعي مجرد المكث لا يشترط فيه الصّيام ولا تحديد المدّة، فيصح ولو للحظة، فبعضهم يعتكف من الظّهر وحتى العصر، وبعضهم من العصر حتى المغرب، والاعتكاف لم يكن ليوم كاملة.
قلتُ: أرى مذهب الشّافعي في الاعتكاف هو الموافق لظاهر القرآن، وذكرتُ ذلك في كتابي أيام رمضان في ليلة [الثّامن والعشرون]، حيث قلت فيه ” فالاعتكاف في القرآن بمعنى الملازمة الكثيرة، أمّا حدّه بالاعتكاف الحالي فلم يرد في كتاب الله تعالى، ويحتاج إلى دراسة بحثيّة في تطوّره وتدرجه”.
وقال: في السّابق يقرأون كتاب اللؤلؤ والمرجان في وظائف شهر رمضان، لأحد علماء الإحساء، كان مرتبا على ثلاثين درسا، فيه وعظ وسجع ويشمل أحكام رمضان، يقرأون كلّ يوم درسا بعد العصر، وأحيانا يقرأون رياض الصّالحين، وأحيانا قليلة حلقات القرآن للأطفال.
قلتُ: لعلّ أستاذنا يقصد كتاب عقود اللؤلؤ والمرجان في وظائف شهر رمضان وهو للشّيخ إبراهيم بن عبيد آل عبد المحسن [ت 1425هـ/ 2004م]، وهو من علماء القصيم وليس الإحساء من بريدة، إلا إذا يقصد كتابا آخر، وألف ابن عثيمين [ت 2001م] مجالس شهر رمضان في ثلاثين مجلسا، ولعائض القرني [معاصر] دروس المسجد في رمضان في ثلاثين درسا، ولمّا كنت واعظا في بوزارة الأوقاف والشّؤون الدّينيّة قدّمت مشروعا لكتاب مجالس رمضان، فتمّت الموافقة، فكتبناه بمشاركة مع وعاظ الوزارة لكلّ واعظ ثلاثة مجالس، وطبع في رمضان 2010م، ولي كتاب أيام رمضان، حيث تأملت آيات الصّيام في سورة البقرة [183 – 187] فوجدتها ثلاثين جزءا بعدد أيام رمضان.
وفطرة الأبدان تخرج في الأيام الأخيرة، وعندنا في الشّافعيّة جواز إخراجها من أول رمضان، وكنّا في السّابق نخرجها طعاما، من الرّز على غالب قوت البلد، كيلوين وربع، أمّا الآن فالأغلب يخرجها نقدا.
وأخيرا يقول: وإذا أعلن عيد الفطر النّاس تستبشر وتفرح، وتهنئ بعضها بإكمال الشّهر، ومن الفرح لا ينامون اللّيل، ويذهبون للشّراء، وكانت المحلات محدودة، وفي الصّباح يذهبون إلى المسجد وهم يكبّرون الله تعالى، واللّباس لا يشترط أن يكون جديدا، وكما توجد في بدايته المشاهرة أيضا في نهايته الموادعة، يقولون: الوداع يا رمضان، وكان النّاس يبكون لوداعه.
وأثناء تسجيل الحلقة وصل الأخوة عدا الأستاذ كمال اللّواتي لموعد آخر معه، واستأذن الحبيب علوي الكاف لصلاة العشاء، وسنتحدّث عن الصّالون الّذي سيكون عن آية الضّرب في سورة النّساء في الحلقة القادمة.