بقلم: محمد جمعه غنيم الرحبي
أحدث ظهور تنظيم داعش صدمة كبيرة في العالم الإسلامي عامة والعربي خاصة؛ لأفعالهم الشنيعة التي تخالف العقل والفطرة السليمة، مما أدى إلى انقسام كثير من المحللين العرب في وصفهم للتنظيم إلى أربعة اتجاهات وهي:
الاتجاه الأول استنكر أعمال هذا التنظيم واعتبرها مشوهة للإسلام ويمثل هذا الاتجاه مؤسسة الأزهر.
أما الاتجاه الثاني فيشبه الأول إلا أنه كَفّر هذه المنظمة، فهو إذن استعمل الأسلوب ذاته الذي استعملته داعش في تبريرها لاستخدام الجهاد.
الاتجاه الثالث علق آماله على التنظيم في إعادة مشروع الخلافة من جديد، وهذا الاتجاه بالذات ينشط في شبكات التواصل الاجتماعي.
أما الاتجاه الرابع فهو يمثل معظم الملحدين العرب وبعض أتباع الديانات الأخرى؛ فقد نسبوا أفعال داعش إلى تعاليم الإسلام الحنيف.
هذا المقال سيركز على الاتجاه الأخير، وبالتحديد الملاحدة العرب، وسيبين الأسباب الرئيسة التي أدت إلى ارتدادهم عن الدين وموقف المسلمين منهم .
للأسف الشديد زادت موجة الإلحاد في الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى وذلك لأسباب عدة:
1-أسباب نفسية : معظم ملاحدة العرب اتجهوا إلى طريق الإلحاد كردة فعل لحالات القتل والخراب والسبي وقطع الرؤوس الذي مارسته داعش ضد المسلمين وغيرهم باسم الله وباسم الإسلام، إضافة إلى دور الشيوخ وأصحاب العمامات في تذكية نار الفتنة بين المسلمين وخلق الحروب وإقصاء الآخر .
2- أسباب تتعلق بالتراث الإسلامي: وتتمثل في الأحاديث التي نسبت للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، علاوة على كتب الفقهاء، وخاصة الكتب التي تتحدث عن الحدود، أضف إلى ذلك الأحداث التاريخية في حقبات مختلفة من تاريخ الإسلام .
3-غياب العلماء الربانيين والمفكرين التنويرين عن الساحة الفكرية؛ مما أدى إلى تفشي الإلحاد بصورة أسرع. ففي القرن الماضي برز عدد من العلماء والمفكرين أثروا الفكر الإسلامي كأمثال عبدالرحمن الكواكبي ومحمد عبده ومحمد إقبال وغيرهم.
4-أسباب معرفية: وتنطوي تحتها نظريات علمية كنظرية التطور ونظرية الأكوان المتعددة، وأخرى فلسفية كفلسفة الخير والشر وغيرها، تسلح بها الملاحدة الغرب وسار على طريقهم بعض العرب.
وأكاد أن أجزم بأن معظم ملاحدة العرب ألحدوا لأمور تتعلق بأسباب نفسية تدعمها الأسباب المرتبطة بالتراث الإسلامي، وأن نسبة قليلة منهم فقط اتجهوا للبحث عن أدلة وبراهين لنفي وجود الإله.
قد يقول البعض – كبعض الكتاب مثلا- أن الإلحاد في الوطن العربي لا يشكل ظاهرة، وأن نسبته قليلة جدا؛ نظرا لتمسك المسلمين بإسلامهم، وأيضا لعدم وجود مجتمعات إلحادية ظاهرة للعيان. إن التصغير من المشكلة زاد من تفاقمها بوتيرة أسرع، فمن الواضح أن الملاحدة لا يظهرون اتجاههم الفكري للعامة لكي لا يتعرضوا للضغوطات في محيط أسرهم أو مجتمعاتهم، وكما نعرف فإن بعض البلدان الإسلامية تطبق حد الردة لمثل هؤلاء. إذن فعملية التواصل بينهم تتم عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي، فبعضهم يضطر إلى استعمال اسماء مستعارة لأخذ حرية مطلقة في التعبير عن آراءه وأفكاره. ففي مواقع التواصل الاجتماعي- الفيسبوك مثلا- يُكوّن الملاحدة مجموعات سرية ومغلقة لهم يقومون فيها بنشر موضوعات بعضها ساخر تستهدف الأديان السماوية وخاصة الإسلام، ونتيجة لذلك يندفع المسلمون بتعليقات مليئة بالقذف والسب والطعن وهذا ما يزيد الطين بلة.
وأود أن أشير إلى مسألة مهمة جدا تتعلق بالنقاشات التي تدور بين الملاحدة والمسلمين في شبكات التواصل؛ وهي: أن بعض الشباب المسلم ينصدم كثيرا عندما يتناقش مع الملحد في مسائل تتعلق بالدين الإسلامي؛ حيث يُواجه بشبهات قوية، ونتيجة لقلة الخلفية المعرفية لديه يلجأ أحياناً إلى التبرؤ من الإسلام ومن أتباعه.
إن الإلحاد في وطننا العربي ظاهرة لا يمكن إنكارها ولا الاستخفاف بها، ومن الغباء حل مثل هذه الظاهرة بإقصاء المخالف، ولكن الحل يكمن بالمعرفة؛ فالمعرفة قوام العلم والحجة لا تقرع إلا بالحجة.