خاص لـ شؤون عمانية
حوار: هاجر الزيدية
“بلد السلام” هذا هو الاسم الذي عرفت به سلطنة عمان واشتهرت بسياستها الخارجية التي تلتزم بالقيم والأخلاق، وآثرت عدم الانحياز والحياد الإيجابي الذي جعل منها رمزا للحكمة ونموذجا يحتذى به في سياسة التعامل الدولي.
لقد تمكنت سلطنة عمان من الابتعاد عن الصراعات التي يشهدها العالم وأكدت على أنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة سواء عربية أو أجنبية، وأصبحت وجهة كثير من الدول لحل المنازعات بالحكمة والطرق السلمية ثقة في سياسة السلطنة وحكمة قيادتها، وحققت العديد من النجاحات الدولية والإقليمية.
ولكي نتعمق أكثر في السياسة التي تنتهجها سلطنة عمان في التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية وبعض القضايا الدولية، حاورت شؤون عمانية الكاتب والمحلل السياسي، علي بن مسعود المعشني، والذي سبق له العمل كدبلوماسي في وزارة الخارجية لمدة 11عاما، قضى منها 4 سنوات في سفارة السلطنة بالجزائر، ثم التحق بالأمانة العامة في مجلس الشورى ليشغل منصب أمين سر لجنة وباحث.
كيف تنظر للسياسة الخارجية لسلطنة عمان؟
السياسة الخارجية للسلطنة قوية وذات تأثير كبير في المجتمع الإقليمي والدولي، وتستمد قوتها من موروثها التاريخي والجغرافي والحضاري، كما أن سلوكها التاريخي ككيان سياسي يمتد لأكثر من 2000 عام، وهو ما أكده جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد –طيب الله ثراه- حين قال: “لقد اعتمدنا دائما في سياستنا الخارجية ثوابت أساسية ومبادئ رئيسية تتمثل في حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير واحترام القوانين والأعراف الدولية ودعم التعاون بين الدول وتعزيز فرص الحوار فيما بينها تعبيرا عن قناعتنا بأن حل الخلافات بروح الوفاق والتفاهم إنما هو سلوك حضاري يؤدي إلى نتائج أفضل وأدوم”.
وأريد أن أشير إلى أن من يتولى حكم عمان لا يمكنه إلا أن يضيف على تلك الثوابت سوى ما تقتضيه مفردات الزمان ومواكبة عصره.
ما هي أكثر السمات التي تتميز بها سياسة السلطنة الخارجية؟
هناك مقولة تتردد في أذهاننا دائما لجلالة السلطان الراحل -طيب الله ثراه- وهي: “أريد أن أنظر إلى خارطة العالم ولا أجد بلدًا لا تربطه صداقة بعمان”.
لذلك فإن السياسة الخارجية للسلطنة اتسمت بالوضوح والشفافية في مختلف تعاملاتها سواءً على مستوى الدول الخليجية أو العربية أو الدولية ، وهي ملتزمة دائمًا بالموروث السياسي والبعد الحضاري لتثبيت لبنات إيجابية الصرح السياسي الخارجي الذي يقوم على المبادئ والقيم ويمتد في جذور التاريخ.
البعض يرى أن السلطنة تتخذ مواقف مغايرة لكثير من الدول، كيف تفسر ذلك؟
السياسة الخارجية التي تنتهجها السلطنة مبنية على ما تراه في صالح المنطقة والأمن والسلم الدوليين، فالذين يرون أن السلطنة تتخذ مواقف مغايرة لهم ليست مواقفهم بالضرورة صواب ولا بالضرورة ملزمة للسلطنة، وليس بالضرورة من ليس معي فهو ضدي ومن ليس معي فهو على خطأ.
وأريد أن أشير إلى أن سلطنة عمان لم تتخذ يوما ما قرارا أو موقفا سياسيا يضر بالتضامن العربي أو أمن واستقرار المنطقة أو يتعارض مع مصالحهما، بل على العكس من ذلك، حيث تجد تلك الخطوات صدى إيجابيا على المدى القريب والمدى البعيد.
سياسة أي البلد تُفهم من خلال تاريخه، وسلطنة عمان لا تحتاج إلى تبرير مواقفها، لأن دول الجوار أصبحت تفهم ما تصبوا إليه عمان، وإن وُجِدَ بعض الغموض فهو لا يمس بأمن الدول العربية ولا الغربية، كما أن الاختلاف في الرؤية العمانية لكثير من القضايا لا يؤثر على العمل المشترك كون عمان لم تكن سببا في تشظي منظومة إقليمية مثل مجلس التعاون أو جامعة الدول العربية، ولم تكن أيضا طرفا عائقا أمام علاقة ثنائية بين دولتين.
كيف تقرأ سياسة السلطنة تجاه القضية الفلسطينية؟
ستبقى سياسة السلطنة مستمدة من الإجماع العربي ومن مصلحة الإجماع الفلسطيني تجاه السلام والتطبيع ولن تنفرد بخطوات بديلة أو مخالفة لهذا الإجماع.
وماذا عن سياسة عدم الانحياز؟
فيما يتعلق بموضوع سياسة عدم الانحياز وهي ما أكده السلطان الراحل في خطابه قائلا: “عمان حضرت مؤتمر عدم الانحياز وساهمت فيه، وعمان تحبذ الحياد …”، وعلى الرغم من خبو تراجع تأثير منظمة عدم الانحياز وغياب زعمائها وتراجع حضورها وتأثيرها السياسي على الساحة الدولية لأسباب جوهرية وموضوعية كثيرة، إلا أنها مازالت تشكل ركنا من أركان السياسة العمانية، من حيث تجنب السلطنة لسياسات التحالفات والمحاور المكلفة لها في المواقف والمجبرة لها على الانحياز السلبي تجاه هذا الموقف أو ذاك.
هل من الممكن أن تتغير السياسة الخارجية العمانية؟
لن تتغير السياسة الخارجية العمانية بتغير الأشخاص، لأنها تعتمد على ثوابت لا يمكن أن تُحرف، وكل ما تحتاجه فقط هو تفعيل دبلوماسية تواكب السياسة الخارجية، لأن عمان لا تمتلك هوية دبلوماسية فهي خليط بين الاقتصادية والمفاوضات والعلاقات العامة ، هذا في جميع دول الخليج على عكس الصين وماليزيا اللتان تمتلكان هوية دبلوماسية اقتصادية، فالمفترض أن تكون السياسة والدبلوماسية متناغمتين.
وأود أن أكد أن سياسة السلطنة في المستقبل لن تشذ عن سابقتها وستبقى تنهل من ذات الثوابت وتراعي المتغيرات، وهذا لب السياسة وقواعدها ومقتضياتها.
حدثنا عن رؤية 2040
رؤية 2040 مجرد رؤية أي حلم وليست خطة، والرؤية تعتمد على مدى القدرة على تحقيق الرؤى إلى واقع وبالنسبة والتناسب، وبلا شك إن الدبلوماسية لها دور مهم في الإسهام في تحقيق تلك الرؤية على أرض الواقع، وبالتالي فمن الطبيعي أن تشهد الدبلوماسية العمانية بعض التغيير المرحلي في الأداء والأدوات ووفق الدور المناط بها على هامش هذه الرؤية الشاملة، ولكن لن ينال ذلك في تقديري من ثوابت السياسة العمانية ولبها.
كيف تابعت الأزمة الفرنسية والإساءة للنبي عليه الصلاة والسلام؟
حملة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المسيئة للإسلام والنبي تأتي متناغمة مع طرح اليمين الفرنسي المتطرف تجاه الإسلام والمسلمين، وبالتالي استغل ماكرون موجة العداء ومقتل البروفيسور الفرنسي وذبحه على يد مهاجر أفغاني، ليقتطع لنفسه حصة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية القادمة وكي لا يظهر للرأي العام كالمغرد خارج السرب، وهذا لا يعني إن ماكرون لا يحمل أفكارا وصورا نمطية سلبية عن الإسلام والمسلمين ولكنه يبطنها خدمة لمصالح بلاده.
ما هو رأيك في فوز “بايدن” بالرئاسة الأمريكية؟
فوز جو بايدن بالرئاسة في أمريكا وبالنظر إلى برنامجه الانتخابي وطاقمه المقترح يمكن القول بأن السياسات الأمريكية في المنطقة ستكون هادئة بعض الشيء وإن أمريكا ستلجأ إلى توظيف قوتها الناعمة لمواصلة تنفيذ استراتيجيتها في المنطقة أكثر من اللجوء إلى القوة الخشنة، وهو ما يعني الاختلاف في الآليات لتحقيق ذات المصالح والأهداف.