شؤون عمانية- مروه بنت سيف العبرية
إن أزمة فيروس كورونا المستجد أثرت على مفاصل الاقتصاد الوطني وزادت من حدة تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية منذ عام 2014 إذ كانت السلطنة تعول على عام 2020 لتحقيق نمو اقتصادي لكن الجائحة العالمية غيرت بوصلة اتجاه التوقعات من التصاعدي إلى التنازلي ممن تسبب في ارتفاع العجز والدين العام على حد سواء مع تراجع تصنيف السلطنة واللجوء إلى الاقتراض الخارجي.
شؤون عمانية تستشرف معالم واتجاهات الاقتصاد الوطني من خلال هذا الحوار مع الدكتور يوسف بن حمد البلوشي خبير اقتصادي وعضو في رؤية عمان 2040، الذي استهل حديثه حول مفهوم الضرائب إذ قال : أن هذا الموضوع الهام والذي أثار مخاوف الأفراد والأسر والشركات كما ولّد حالة من الارتباك إذ نحن لسنا في حاجة لها خاصة والسلطنة في مرحلة تحول نوعي في النموذج الاقتصادي فرضته الظروف المحلية والاقليمية والجاهزية التي تنعم بها السلطنة على مختلف الأصعدة، والضريبة هي أداة مالية وإحدى السياسات المالية، دورها بأن توفر إيرادات للحكومة، لتمكين الحكومة من عدم مزاحمة القطاع الخاص، لتتفرغ لدورها الرئيسي وفي قطاعات التعليم والأمن والصحة والدفاع، وكذلك الضمان الاجتماعي وتقديم البنية الأساسية، ويأتي تطبيق السلطنة لضريبة القيمة المضافة ضمن اتفاقيات خليجية موقعة وهي ضريبة تم تطبقها في البحرين والامارات بنسبة 5%، وفي المملكة العربية السعودية بنسبة 15% .. كما أن التأخر في أخذ تدابير تضمن اعادة توازن واستدامة المالية العامة من شأنه أن يفاقم من العجز المالي ويرفع من الدين العام بما يؤدي إلى مزيد من التدهور في الوضع الائتماني واتخاذ تدابير قاسية قد تشمل خفض الرواتب ونفقات التقاعد وخدمات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.
وأشار في حديثه لـ شؤون عمانية إلى أن الفترة السابقة كانت الحكومة تملك قدرات مالية على الإنفاق في جوانب البنية الأساسية والحماية الاجتماعية والتعليم والصحة، ولكن المجريات تغيرت، فعدد السكان في تزايد والطلب على الخدمات في تزايد، وفي نفس الوقت انخفضت إيرادات السلطنة والتي تشكل فيها الإيرادات النفطية في المتوسط 85%، وذلك للعديد من العوامل المرتبطة سواء بفيروس كورونا أو تغير أنماط الاستهلاك والضغوط في جانبي العرض والطلب على النفط، وأصبح لازما على عمان وغيرها من الدول النفطية الاستعانة بالضرائب وغيرها من الأدوات للمحافظة على قدرتها لتقديم الخدمات الأساسية والمحافظة على التوازن الاجتماعي والاقتصادي مع ضرورة الاخذ في الاعتبار الطبقات ذات الدخل المحدود، وإذا نظرنا إلى أرقام عجز الموازنة وتراكم الدين العام واستشراف المستقبل بخصوص أسعار النفط وايرادات الحكومة نجد ان فرض ضرائب ليس خيار ولكن ضرورة ملحة في ظل هذه المعطيات ويبقي السؤال في شكل ومعدل هذه الضرائب بحيث لا تؤثر سلباً على الطبقات الفقيرة ولا على السلع الأساسية للأفراد، ومن الأمور الهامة ان تكون هناك فلسفة وحكمة مالية واقتصادية واجتماعية من وراء فرض الضريبة بما يساعد على توسيع القاعدة الإنتاجية وتنويع الاقتصاد.
وأضاف: أن الضريبة أداة اقتصادية لا غنى عنها في إدارة الاقتصادات وهي قديمة إذ طبقت فرنسا ضريبة القيمة المضافة عام 1954م وحالياً أكثر من 165 دولة وبنسب متفاوتة ونحن في السلطنة نطبق 5% وهي أصغر النسب عالمياً وليست على كل السلع كما أنها تراعي السلع الأساسية حيث هناك أكثر من 90 سلعة معفية وخدمات التعليم والصحة بالإضافة إلى أنها تراعي الطبقات محدودة الدخل.
وحول تأثير تطبيق الضريبة على قطاع الأعمال وبينها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، قال الخبير الاقتصادي: بطبيعة الحال أي خطوة أو أي سياسة عامة سوف يكون لها تبعات، وهذه سياسة من السياسات العامة التي أقدمت عليها الدول، ويجب أن تكون هناك مراعاة لأصحاب الأعمال باعتبار أن ضغوطات فيروس كورونا، وضغوط توقف الأنشطة الاقتصادية على المستوى الداخلي سبب ضرراً كبيراً لأصحاب الأعمال، فالمرحلة القادمة في خيار فرض الضريبة له متطلبات لتحسين تصنيف الائتمان المالية للسلطنة الذي سينعكس بشكل كبير على تخفيض تكلفة الدين العام.
وأكد وجود تحديات عميقة خاصة فيما يتعلق بالمالية العامة في السلطنة وغيرها من الدول النفطية التي أخرت تنويع الإنتاج، ومصادر الدخل، وفي الحقيقة السلطنة ترزح تحت وطأة دين عام كبير، يرافقه تحديات أخرى تمس جميع عناصر الإنتاج الأربعة المعروفة وهي “رأس المال، سوق العمل، والأرض ومواردها، والإدارة)، لذا نحتاج للاشتغال عليها ومعالجة التحديات، وهذا يتم من خلال العديد من السياسات العامة والتي من بينها السياسات الضريبية والتي لا تعمل بمعزل عن السياسات الأخرى، فحلول لا تأتي مجزأة وإنما شاملة.
وفي رده على سؤال وجود أسر لا تستطيع التعامل مع المتغيرات المالية؟ قال الدكتور يوسف البلوشي: أن هناك برامج وإجراءات احترازية لهذه الأسر، وفي السلطنة تم رصدها بطريقة جيدة بما فيها أن السلع الأساسية التي تحتاجه الأسرة العمانية كله معفية من الضريبة، لذا سيكون تأثيرها محدود.
وأضاف: أن فرض ضريبة على التحويلات المالية على الأجانب طرح كثيراً، وأود التوضيح بأن السلطنة تتجه في المستقبل للاندماج مع الاقتصاد العالمي والجميع يتفق بأن مواردنا الطبيعية مثل التعدين والثروة السمكية لا نستطيع تطويرها بأنفسنا لذا نحتاج للاستثمار الأجنبي المباشر، ومن المهم للسلطنة تجنب ارسال رسائل سلبية للمستثمر الأجنبي بأنها ستستقطع جزءاً من أرباحه، كما أن حرية تحويل الأموال والارباح يأتي ضمن بروتوكولات واتفاقيات عالمية وقعتها السلطنة.
وأكد أن فرض الضرائب يجب أن يترافق معها حزم تحفيز وتنشيط اقتصادي، وهذا أمر حتمي وضروري، وأزمة كورونا وتدهور أسعار النفط أثرت على القطاع الخاص في السلطنة فهو لا يزال يأن تحت وطأة هذه الأزمة، ويحتاج لحزم تحفيز، وهناك حاجة لرفع كفاءة جهاز الضرائب لتمكينه من تجميع الضرائب بطريقة أكثر منهجية.
وفي ختام حديثه أكد المحلل الاقتصادي وعضو في رؤية عمان 2040 الدكتور يوسف بن حمد البلوشي أن الضرائب هي أحد الخيارات في التمهيد للانتقال إلى نموذج اقتصادي جديد ولكن مع ضمان عدم التأثير على شرائح المجتمع.