خاص- شؤون عمانية
شـهدت السـلطنة خلال العقـود الخمسـة الماضيـة ازدهـاراً حققـت خلالهـا السـلطنة طفـرة تنمويـة فـي كافـة الأصعدة والقطاعـات، إلا أن أزمة تراجـع أسـعار النفـط العالميـة ألقـت بظلالهـا علـى الأوضـاع المالية للسـلطنة منذ أن بـدأت فـي الانخفـاض فـي أواخر عـام 2014م، واسـتمرت فـي مسـتويات منخفضة طوال الفتـرة الماضيـة، ولجـأت الحكومـة خلال تلـك الفتـرة إلـى إتخـاذ عـدد مـن الإجـراءات للتخفيـف مـن وطـأة هـذه الأزمـة مـن خلال خفـض مصروفـات الوحـدات الحكوميـة، وخفـض المصروفـات الاسـتثمارية، وزيـادة مصـادر الإيـرادات غيـر النفطيـة، وتفـادت جاهـدة الكثيـر مـن الإجـراءات التـي قـد تمـس حيـاة المواطـن، إلا أن اسـتمرار الأزمـة لوقـت طويـل أدى إلـى اتسـاع الفجـوة بيـن الإيـرادات والمصروفـات فأصبحـت القـدرة ً لضعف مرونة علـى الوفـاء بمتطلبـات التنميـة والخدمـات العامة أكثـر صعوبة. ونظـرا الإنفـاق وصعوبـة تخفيضـه بنفس النسـبة، فقـد أدى ذلك إلـى عجوزات مالية سـنوية كبيرة، ولتوفيـر التمويـل اللازم لسـد عجز الموازنة، فقـد اعتمدت الحكومة وبشـكل كبير على الاقتـراض لاسـيما مـن الأسـواق الخارجيـة إضافـة إلـى السـحب مـن الاحتياطيـات، أدت إلـى ارتفـاع إجمالـي الديـن العـام وكلفـة خدمتـه إلـى مسـتويات غيـر مسـبوقة، وعلـى الرغـم مـن تلـك التحديـات، إلا أن جائحـة كوفيـد ـ 19 ومـا صاحبها مـن تأثيـرات اجتماعية واقتصاديـة وتدهـور فـي أسـعار النفـط قـد أدت إلـى تفاقـم الوضـع المالـي للدولـة، وتدهـور إضافـي فـي العديـد مـن المؤشـرات الماليـة للدولـة، ممـا سـاهم فـي زيـادة مخاطـر الائتمـان وبالتالـي انخفـاض التصنيـف الائتمانـي للسـلطنة، والذي مـن المرجح أن يسـتمر فـي الانخفـاض فـي حـال لم يتـم اتخـاذ تدابير وإجـراءات مالية مناسـبة، الأمر الذي سيجعل الاقتراض جدا ًمكلفـا ًوصعبـا، وفـي ضـوء هـذه التحديـات الماليـة، وعـدم اليقيـن بشـأن تعافـي أسـعار النفـط، تـم إعـداد خطـة التـوازن المالـي متوسـطة المـدى “2020 ـ 2024” بهـدف الوصـول بالوضـع المالـي إلـى مسـتويات الاسـتدامة وذلـك لتفـادي إتخـاذ إجـراءات أكثـر حـدة سـيطال أثرهـا الوضـع الاقتصـادي والاجتماعـي للدولـة والمجتمـع، الجديـر بالذكـر أن تنفيـذ هـذه الخطـة سـيتزامن مـع تنفيـذ مجموعـة مـن البرامـج والاجـراءات الاقتصاديـة التـي تهـدف إلـى تحسـين بيئـة الأعمـال وتحفيز الاسـتثمارات، إضافـة إلـى إطلاق منظومة الحمايـة الاجتماعية التي سـتعمل على تخفيـف آثار هذه الاجـراءات الماليـة علـى بعـض فئـات المجتمـع المسـتهدفة
خطة التوازن المالي متوسطة المدى “2020 ـ 2024” تقـوم علـى أسـاس التحكـم فـي الوضـع المالـي الناجـم عـن هبـوط اسـعار النفـط، وإدارة المخاطـر المرتبطـة بهـا، للخـروج مـن حالـة التراجع المسـتمر للوضع المالي وما يسـتتبعه من تراجـع في التصنيف الائتماني .
وتشـتمل الخطة على عـدد مـن المبـادرات مـن شـأنها تحقيـق الاسـتدامة الماليـة فـي الآجـل المتوسـط، وسـيتم تطبيـق هـذه المبـادرات خلال الفتـرة 2020 ـ 2024 ومن المتوقـع أن تـؤدي إلـى خفـض عجـز الموازنـة العامـة بشـكل تدريجـي ، وسـتحقق خطـة التـوازن المالـي متوسـطة المـدى مؤشـرات ماليـة أخـرى تسـهم فـي تحقيق الاستدامة للاقتصاد الوطني على المدى البعيد.
تتوقع خطة التوازن المالي 2020 ـ 2024 أن تصل الإيرادات الحكومية خلال عام 2024 12.95 مليار ريال عماني مقارنة بـ8.600 مليار ريال عماني، بينما سيصل إجمالي الإنفاق الحكومي المستهدف عام 2024 نحو 12.632 مليار ريال عماني مقارنة بالعام الجاري 12.660 مليار ريال عماني، وستبلغ نسبة العجز إلى الناتج المحلي خلال عام 2024 “-1.7%” بينما تبلغ العام الجاري “-15.8%”، وقد توقعت الخطة أن تصل نسبة الإيرادات غير النفطية إلى إجمالي الإيرادات 35% عام 2024 مقارنة بـ28%.
تركز خطة التوازن المالي 2020 ـ 2024 على مجموعة من المحاور بينها دعم النمو الاقتصادي لتعزيز الاستدامة المالية للسلطنة، وتنشيط وتنويع مصادر الإيرادات الحكومية لتعزيز الإيرادات غير النفطية، وتنشيط ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي مع استمرار الحكومة في تقديم خدماتها لكن بكفاءة أعلى، وتعزيز منظومة الحماية الاجتماعية لحماية ذوي الدخل المحدود، ورفع كفاءة الإدارة المالية العامة، وجل المبادرات في خطة التوازن المالي 2020 ـ 2024 تندرج ضمن هذه المحاور.
وتتضمن الخطة إعادة توجيه الدعم لبعض الخدمات الحكومية والتي تشمل دعم الكهرباء والمياه التي تمثل نحو 700 مليون ريال عماني وإن لم يتم الأخذ بمراجعة توجيه الدعم لهذا القطاع سوف يرتفع المبلغ إلى أكثر من 900 مليون ريال عماني في السنوات القادمة، و700 مليون ريال عماني هو ما تنفقه الحكومة على القطاع الصحي، وقبل الشروع في معالجة موضوع ملف الدعم لابد من وجود سياسة واضحة لإعادة توجيه الدعم تتمثل أن الخطة ستكون تدريجياً إلى 2025 مع تأكيد على تصنيف فئات المشتركين وتعزيز منظومة الحماية الاجتماعية وتوجيه الدعم للفئات المستحقة، وتم تقسيم فئات المشتركين بحيث بدءاً من عام 2021 سيتم إعادة توجيه الدعم وتطبيق الدعم المنعكس على التكلفة لجميع كبار المستهلكين، وهذا كان مطبقاً منذ عام 2017 ولكن السلطنة توقفت فترة وسوف تستكمل ذلك العام المقبل، وحتى عام 2023 سوف تشمل الفئات غير السكنية، أما الفئة السكنية فسوف يتم تقسيمها إلى فئات وتشمل الأسر العمانية التي لديها حسابين أو أقل، والأجانب أو العمانيين الذين لديهم من 3 حسابات فأكثر، والفئة الأخيرة وهم أصحاب الدخل المحدود، أما فيما يتعلق بالمياه فإنه سوف يأتي لاحقاً وربما 2024،
وبحسب الخطة فإن الفئات التي يشملها الدعم التي يصل دخلها الشهري إلى 500 ريال عماني أو أقل، والأسرة التي لديها خمسة أفراد أو أكثر ويصل دخلها إلى 750 أو أقل، والأسرة التي لديها 7 أفراد أو أكثر ويصل دخلها الشهري إلى 1000 ريال عماني أو أقل، والأسرة التي لديها 9 أفراد او أكثر ويصل دخلها الشهري إلى 1250 ريال عماني، أما الأسرة التي يصل دخلها إلى أكثر 1250 ريال عماني فلا تستحق الدعم، وتتضمن آلية الدعم التعويض في فاتورة الكهرباء/المياه عن طريق الخصم بالنسبة المئوية إلى سقف استهلاك محدد.