منى بنت سالم المعولية
كورونا الذي طبع وجوده على كل ممر وشارع ورصيف، أبى إلا أن يكون نجما يتربع على عرش تاريخ القرن الحادي والعشرين، وأبت مفاصله إلا أن تطبع آثارها على كوكب الأرض والبشر، ليكون بصمة أبدية هزت الوجود الإنساني بالقلق.
لقد تدخل فيروس كورونا في تفاصيل حياتنا وكان محور حديثنا ورسخ في أذهاننا، ونجح في تحجيم حركتنا، وجعلنا نعيش حربا وجودية نواجهها بلا سلاح رادع، حين عجزت كل الكفاءات الإنسانية عن صنع لقاح يوقف المد البربري الكوفيدي.
يستلقي كورونا التاسع عشر على ظهره شامتا، عازفا سيمفونية الاستهزاء من غرور البشر المتحطم، فقد استطاع ككائن دقيق أن يسيطر على العالم ويتلاعب بالطبيعة ويغير بروتكولات الحياة، كما استطاع أن يحول يومياتنا إلى مجموعة من السلوكيات المحفوفة بالخوف والحذر.
كوفيد-19 استطاع أن يخلق من عدميته وجودا تخشاه أيدينا بين المقبض والباب وبين المزلاج وأقفاله، بين فنجان القهوة وشفاهنا، بين الهواء وأنفاسنا بين أنفسنا وبيننا، جعلنا نتلفت في الطرقات نبحث عن وجوه نتمنى ألا تصادفنا، وعن معارف منذ زمن لم تصافحنا.
هنا تأملت قول جان بول سارتر: “الجحيم هو الآخر”، فتماهت أمامي الفردانية وغابت المجموعات عن الجماعات! ألم أقل لكم أن كورونا التاسع عشر هو قلق وجودي بامتياز؟!
هنا تدور في رأسي التساؤلات: هل نحن بحاجة ماسة إلى التصالح مع قوانين الطبيعة من جديد، أم نحن بحاجة شديدة إلى توقيع معاهدة نسنّ فيها القوانين والأطر التي تلزمنا بها الحياة لنضمن وجودنا في هذا الكون بغير تهديد؟!
قبل معضلة كورونا كوفيد-19 ألم نكن نحن من يتلاعب بالجينوم الطبيعي المشكل لوجه الأرض؟ ألم نسعى للعبث والإخلال بمكونات الطبيعة؟
نعم، لقد تدخلنا كثيرا فيها لنزرع وجودنا ونرويه، ولكن الثمار أتت على شكل وحش كاسر يفكر هو الآخر أن يفرض وجوده وفردانيته بعد أن نجح في تفتيت عوالمنا وجعلنا نهرب إلى دواخلنا فنحن محاطون بالأمكنة، تلك الأمكنة التي تحمل لنا في كل شبر فيها حريقة لتعدمنا.