وفاء بنت سالم
عزيزي، كم من الأسئلة التي تدقّ رأسي وتدفع بي نحو هذا العالم المظلم.. ونفس الأسئلة تجعلني أعاتب نفسي كُلما أشغلني أمر عنك.
صديقي، أفتقد لشيء غادرني فجأة هذا الشهر، شيء أطفأ وهج الشغف بداخلي، وأنا مع هذا الشعور الخاوي أشعر بالتعب.
هل أخبرتك أي اُنثى من قبل أنها ما عادت ترغب بالحياة، وأنها لم تعد ترغب في أي شيء، حتى تلك الأشياء التي تُحبها أصبحت لا تعنيها؟!
هل قالت لك أي أنثى أنها ما عادت تهتم لكل ما يحدث معها حتى مشاكلها الخاصة، وأن الألم الذي يباغت جسدها منتصف كل شهر حتى نهايته هو الأخر ما عاد يعنيها ولا يبث أي خوف فيها؟!
إنها أنا يا عزيزي، بكل وقاحتي وقسوتي صرت هكذا، لقد عرفت عيوبي ومساوئي، لم أعد أبحث عن الكمال، وإن سألتني ما الذي ترغبين به الآن، سأجيبك: الاستغناء!
اًريد أن أستغني عن كل شيء وكل أحد، لا أريد أن يراودني أي شعور مؤلم أو مستفز أو يكون سببا في أن يتملكني الغضب.
أريد أن ينتهي كل شيء هكذا دون ضجيج، دون وجع، دون خوف، دون رهبة دون رجفة أو يأس.
أنا التي لم تعرف السهولة في كل مرحلة من مراحل حياتها، حتى وهي تسير بخطى صعبة في عقدها الثالث، لذلك أريد أن ينتهي كل شيء.
كم هو مؤسف شعور الانطفاء بعد وهج الأمل، كم هو سيء النكران بعد العطاء والجفاف بعد الخصوبة.
من قال بأن المواقف لا تهز المرء ولا تجعل منه هشًا؟!، من قال بأن بعد كل ضيق فرجا؟، لطالما قرأت النهاية في بداية كل شيء، ولطالما كانت هذه لعنتي الكبرى في الحياة.
تُرى هل بالرحيل نستعيد الروح؟
أتذكر الآن وأنا أكتب لك كل أولئك الذين أقسموا لي أنني شيء مهم في حياتهم، وأن صداقتنا تعني لهم ميلاد جديد، أو من قال بأنه سيكون ظلي الذي لا يفارقني، أو من قال سأمشي لأجلك في الشمس حتى أصنع لك ظلًا يحميك.
كنتُ أقرأ كذبهم مع كل كلمة ووعد، وكنت أعرف حاجتهم من لغة أجسادهم ونظراتهم وابتسامتهم، وكنت يا عزيزي أساعدهم دون أن أنتظر منهم شيء، لكن أن تُغرس سكاكين الغدر في صدري وظهري فهذا ما لم أكن أتوقعه.
ثِقل غريب بداخلي، وأصلّي كل يوم لله أن يرزقني الخفة.
أشباح تسكن غرفتي تصرخ كل مساء، تنفخ في وجهي وتدفع بي بعيدًا عن مرقدي، تدفعني نحو الأرض وتدوس على ظهري، تغرس أظافرها في لحمي وأنا أحاول أن تهدئتها لكنها تضحك لتعود لاحقًا.
لقد أصبح جسدي هزيلا وكل جزء فيه يعاني، لكن ما عاد العلاج يجدي نفعا.