إبراهيم بن محمد العيسائي
مخطئٌ من يعتقد بأن عمان قد ترهبها التهويلات أو تغريها المغريات للتنازل عن ثوابتها ومبادئها السياسية، التي لا تنحني لتهديد، ولا تتزعزع لترغيب، فهي راسخة رسوخ الجبال، لا يضرها من عاداها، ولا تلتفت لمن رغب عنها، هذه السياسة النابعة من فطرة الإنسان العماني وتاريخه وهويته، هي مدرسة بحد ذاتها يستقي منها الساسة علومهم، ويغترفون من معينها ويشد إليها طلاب السلام رحالهم، وتسير وفق مبدأ لا ضرر ولا ضرار، وثابتة واحدة هي الصدق ولا شيء غيره وهو سبب مهم لنجاح العلاقات السياسية بين الدول.
خلال الفترة الماضية انشغلت وسائل الإعلام الخارجية ووسائل التواصل الاجتماعي بموضوع قيام بعض الدول الخليجية بإقامة اتفاقيات سلام وتطبيع مع إسرائيل، وتم الحديث عن أن السلطنة ربما تكون الدولة القادمة التي تطبع العلاقات مع إسرائيل خاصة مع بيانات الترحيب التي أصدرتها السلطنة تجاه الخطوات التي أقدمت عليها هذه الدول، وهو ما جعل البعض يتوهم وكأن هذا الأمر حاصل لا محالة، وفي الحقيقة أن عمان لم تطبع العلاقات مع إسرائيل ولن تطبع على المدى القريب، فعندما يستطيع المحلل السياسي تفكيك وتحليل خوارزميات السياسة العمانية سيصل لهذه النتيجة التي أشرت إليها آنفاُ.
سعت السلطنة دوماً إلى تشجيع عملية السلام في الشرق الأوسط وفق مبدأ الأرض مقابل السلام، للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني وتحقيق حلمه في إقامة دولته الفلسطينية على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشريف، وعندما انطلقت عملية السلام في مؤتمر مدريد عام 1991م وما نتج عنه من توقيع الفلسطينين والإسرائيليين “إتفاق أوسلو” وتوقيع الأردن وإسرائيل إتفاقية “وادي عربة” ودخول إسرائيل في عملية تفاوض مع السوريين وافقت السلطنة على إفتتاح مكتب تمثيل تجاري إسرائيلي “وليس سفارة” في مسقط، لتشجيع الإسرائيليين على المضي قدماً في عملية السلام مع الأطراف العربية على أن ينظر لاحقاً في مسألة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بالتوازي مع تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وبعد أسبوع من نشوب الإنتفاضة الفلسطينية عام 2000م قامت السلطنة بإغلاق المكتب الإسرائيلي في مسقط، لأن عملية السلام توقفت وليس هناك جدوى من وجود تواصل دبلوماسي مع إسرائيل، وهذا يعني أن العلاقة مع إسرائيل مرتبطة بعملية السلام فقط وليست بغايات وأهداف خاصة كما يفعل البعض.
وللتاريخ فإنه عندما وقعت مصر معاهدة “كامب ديفيد” مع إسرائيل رفضت السلطنة مقاطعة مصر رغم مقاطعة أغلب الدول العربية لها بسبب هذه الخطوة، حيث كان قرار السلطنة نابعاً من أن مصر استعادت كل أراضيها المحتلة من خلال هذه الإتفاقية، إضافة إلى أن قرار السلم والحرب قرار سيادي يخص مصر بالدرجة الأولى، و رغم هذا التأييد لمصر فإن هذه الخطوة لم تجعل السلطنة تطبع علاقتها مع إسرائيل، إيماناً منها بأن التطبيع لن يكون إلا بعد إيجاد حل نهائي وعادل للقضية الفلسطينية.
هناك أمر آخر ينبغي الإشارة إليه وهو أن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو للسلطنة عام 2018م لم تأتي في إطار التطبيع مثلما قام البعض عن جهل أو عن حقد بتوصيفها، بل أتت في سياق محاولات إحياء عملية السلام بين الفلسطينين والإسرائيليين حيث سبقتها زيارة للرئيس الفلسطيني محمود عباس وتم وضعه في أجواء الزيارة التي سيقوم بها نتنياهو للسلطنة، ونتيجة لمعرفة الفلسطينيين العميقة بأبجديات ومبادئ السياسة العمانية لم تخرج إتهامات للسلطنة بالتطبيع والخيانة، كما أنه وأثناء مراسم عزاء المغفور له بإذن الله جلالة السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه، فقد حضر الرئيس الفلسطيني محمود عباس على رأس وفد يمثل السلطة الفلسطينية، وفي المقابل حضر رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” إسماعيل هنية على رأس وفد يمثل الحركة وفي هذا دلالة عميقة على الثقة الكبيرة والتقدير البالغ والإحترام الذي يكنه الشعب الفلسطيني لعمان قيادةً وشعباً لوقوفها مع هذا الشعب في مختلف الظروف.
إن سياسة عمان سياسة مبنية على الحياد الإيجابي والوقوف مع الحق وهي بعيدة كل البعد عن سياسة المحاور والتحالفات الموجهة ضد بعض الدول إيماناً منها بأن هذه السياسات غير بناءة ولا تحقق طموحات وتطلعات الشعوب في حياة كريمة مستقرة بعيدة عن التوترات والقلاقل، ولهذا فإن عمان التي تنشد السلام وتسعى إلى تحقيقه في المنطقة، لا يمكن أن تتخذ قرارات إرتجالية ومتسرعة تجعلها في سياق محور ضد آخر، ووفقاً للمعطيات التي ذكرتها سابقاً أستبعد إنضمام السلطنة إلى منظومة التطبيع في المستقبل القريب.