أحمد بن سليمان الكندي
بالرغم من كل الجهود التي بذلت في مجال الصناعات الحرفية إلا أن هذه الصناعات لم تزل إلى الآن دون المستوى الذي نطمح إليه، وربما يعود ذلك أن الجهود كانت تصب في مفهوم المحافظة على صناعاتنا الحرفية لا على مفهوم تطوير هذه الصناعات، ولا شك أن الفرق كبير بين المفهومين .
فعلى مر السنوات السابقة اكتفينا ان تكون صناعاتنا الحرفية – إلا القليل – منتجات للزينة وكماليات للديكور، ولم نرتق بها أن تكون منتجات استهلاكية نوظفها في أعمالنا المختلفة .
فالزبيل أو القفير العماني لم يزل كما هو منذ عرفناه ولم يستطع التحول إلى ما يشبه السلة السعفية التي تجمع فيها الثياب، والسمة العمانية ظلت كما هي ولم تستطع أن ترقق من نفسها وتتطور لنفرشها في مجالسنا، ولم تزل المشاتل الزراعية عندنا مليئة بالحاويات الفخارية المستوردة ولم تستطع صناعاتنا الفخارية أن تجاريها في الجودة والمتانة والجمال، والمجمعة العمانية لم تزل كما هي ولم تتطور للتتناسب مع متطلبات التنظيف المختلفة داخل منازلنا .وحبل القلاد العماني ظل منطويا على نفسه ولم يستطع الصعود الى اسطح منازلنا لننشر عليه ملابسنا، في حين ماتت الجحلة العمانية مشنوقة تحت مظلاتنا الخارجية لأننا لم نؤهلها للدخول إلى بيوتنا كبراد ماء فعال ومفيد، كما لم يستطع الوزار العماني مقارعة الوزار المستورد فظل بعيد المنال .
إن الانتقال بصناعاتنا الحرفية من هاجس (المحافظة) إلى متطلب (التطوير) يجب أن ينطلق من إيماننا الراسخ بقدرة صناعاتنا الحرفية على ذلك، حينها نستطيع ان نبني خططا ومنهجية عمل للانتقال بها من إطارها التقليدي الضيق إلى فضاءات الصناعات الإقليمية والعالمية، وعندها نستطيع أن نعثر على صناعاتنا الحرفية في اقرب محل تسوق بدلا من أن نبحث عنها في نقاط بيع محدودة، وعندها ستتحول صناعات الحرفية إلى صناعات وطنية نعتز بجودتها ونحرص على شرائها.
ان تطوير صناعاتنا الحرفية وتأهيلها للاستعمالات الحياتية المختلفة لترقى إلى منتجات تجارية مطلوبة يشبه إلى حد كبير التطوير والانطلاق الذي حصل للمأكولات الشعبية العمانية التي اتتشرت مطاعمها بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة فصار بإمكانك تناول الرخالة العمانية مع شاي الكرك في أي مقهى كما يمكنك طلب مكبوس القاشع وصحن المالح وقبولي العوال في أكثر من مطعم وبدرجة اتقان جيدة ، وعلى الرغم من أن هذا قد حصل بمساعدة العمالة الوافدة الا أنه يعد مثالا لما ينبغي البناء عليه في تطور صناعاتنا الحرفية، ولعل ما حصل للكمة العمانية التي باتت تصنع في الخارج يعد مثالا اخر لتأخرنا عن تطوير صناعاتنا الحرفية الى درجة مبادرة الغرباء لاستغلال هذا التأخر والاستفادة منه تجاريا وعلى نطاق واسع .
ان القطاع السياحي من القطاعات المهمة التي يمكن لها أن تدعم صناعاتنا الحرفية بشكل إيجابي على صعيد الترويج ورفع المبيعات، لهذا فإن التكامل والتعاون بين هذين القطاعيين فيما يتعلق بوضع الخطط الاستراتيجية التي تخدمهما يعد امرا مهما لحاجة كل منهما للآخر، والحقيقة أنه لم تزل صناعاتنا الحرفية دون المستوى المطلوب لخدمة هذا الغرض، ففي الوقت الذي يجب ان تكون فيه صناعاتنا الحرفية حاضرة لإبراز هويتنا العمانية وبما يشكل جذبا سياحيا لبلادنا فإننا نجد قصورا يتمثل في تقوقع صناعاتنا الحرفية في اطرها التقليدية القديمة والمتكررة وقصورها عن بلوغ مستويات من الابداع وابتكار الجديد ففي حين تمتلىء محلات الأثاث والأسواق الصينية لدينا بنافورات مياه مستوردة فإننا لا نجد نماذج لنافورات مياه تجسد عين الثوارة أو عين الكسفة أو فلج دارس أو عين صحنوت، وفي حين يمتلئ سوق الظلام بمطرح بالكثير من المنتجات التراثية المستوردة ، الا أنه لا يوجد فيه محلا يمكنه نقش القبائل العمانية على قطع خشبية زاهية، ولا تباع فيه سمة عمانية عليها نقش تعبيري لقلعة عمانية، ولا يمكن للسائح ان يجد نموذجا جصيا مفرغا لقلعة نزوى ومملوءاَ بالحلوى العمانية، ولن يجد الزائرعلاقة مفاتيح خشبية على هيئة خارطة السلطنة، كما لن يجد نموذج لجحلة عمانية طبع عليها اهلا بكم في عمان، ولن يجد قبعة سعفية عليها صورة لقلعة الرستاق ، كما لن يجد نموذجا لنخلة الخلاص مع تمرها اللذيذ .
وفي الختام نقول أنه آن الأوان لصناعاتنا الحرفية ان تخرج من قمقمها الذي حوصرت فيها ، وآن أن توضع لها خطط تطوير – لا خطط محافظة – لتنطلق إلى الأسواق بخطط تسويقية مدروسة تتيح لها خواص الوفرة والجودة والسعر المقبول لتجد طريقها للمستهلك بكل ثقة ، كما آن لها أن تضع لها الخطط الكفيلة بأن تقوم بدورها المنتظر لإبراز الهوية العمانية في آلية عمل متكاملة لدعم القطاع السياحي الذي نعول عليه كثيرا في دعم اقتصادنا الوطني.