الكاتبة: فاطمة بنت ناصر*
كالعادة لم يحظ هذا الفلم بالرواج الذي تلاقيه الأفلام الأمريكية؛ كونه فلماً بريطانياً، وسوق السينما ورواده أيضاً هم من عشاق الإثارة، التي قلما تتوفر في غير الأفلام الأمريكية والهندية، التي تسلب لب من يتابعها بالتقنيات البصرية وخدعها وبكمية هائلة من الدراما والمشاعر، حتى وإن كانت قصة الفلم ضعيفة، أما الأفلام البريطانية فلا شافع لها في حالة ضعف حبكة الفلم، فهو إما أن يكون ذو قصة جيدة ومحبوكة بعناية وإخراج قوي وأداء ممتاز لينجح أو أنه سيلاقي النقد اللاذع وذلك في غياب المؤثرات الحسية والبصرية التي يبرع الأمريكان في استخدامها لتغطية سوءات القصة الضعيفة.
هذا تماماً ما حصل لفلم (Victoria & Abdul)، الذي ستلاحظ أنه حصل على تقييم ضعيف، رغم أن القصة مثيرة – حبكة وإخراجاً- وتستحق الأفضل من قبل القائمين على صناعة الفلم، فهذا الفلم مأخوذ من كتاب يحمل الاسم نفسه، صدر عام 2010م، ونلاحظ أن الكتاب حصل على تقييمات أفضل بكثير من الفلم.
مختصر القصة:
شابٌ هندي مسلم كان يعمل كاتبًا في مصلحة السجون، ينتدب إلى بريطانيا ليقدم هدية للملكة فكتوريا في إحدى المناسبات الرسمية، هذه المناسبة كانت نقطة تحول في حياة هذا الشاب البسيط، الذي تحوّل فجأة إلى مرافق خاص للملكة فكتوريا، تدور أحداث الفلم حول الصراع الداخلي بين المقربين من الملكة فكتوريا من عائلة وخدم وعدم تقبلهم للحظوة التي يلقاها هذا الشاب الهندي المسلم، ويرى المشاهد الشغف الذي أستولى على الملكة فكتوريا بهذا الشاب وثقافته، فقد عينته معلمها الخاص، وأطلقت عليه لقب: (المونشي)، وهي تعني المعلم بالأردو.
المشاهد المسلم والفلم:
أظن أن التقييم من وجهة نظر مسلمة سوف يكون مختلفاً عن التقييم الغربي، لأسباب كثيرة، لعل أهمها: هو أن اهتمامه سوف ينصب حول القصة المثيرة التي جمعت مقاماً عالياً كالملكة البريطانية فكتوريا، التي كانت تحكم الإمبراطورية البريطانية التي كانت الهند جزءاً منها وبين شخصية مسلمة تنال على إعجاب وتقدير هذه الملكة، فالأداء والإخراج أمام هذه الحقيقة التاريخية المثيرة قد لا يعني الكثير لدى المشاهد المسلم، كما أن قسوة النقد الغربي اتجاه الأفلام من النواحي الفنية له معاييره العالية، التي تختلف كثيراً عن المعايير التي يحاكم بها العربي الأعمال الفنية، فقد ينبهر المشاهد والناقد العربي من الأداء والتمثيل في الفلم؛ لأنها لا تقارن بالإنتاج والأداء في الأفلام العربية ذات الكلفة البسيطة والأداء المتواضع غالباً.
من نفض غبار هذه القصة؟
لم يفكر أي بريطاني قبل إنتاج هذا الفلم أن يحوّل هذه القصة – إن كان يعرفها في الأصل – إلى فلم، فهل يعود ذلك إلى محاولة طمس العلاقة التي جمعت الملكة بعبدل / عبدالكريم؟ وهذا يذكرني بأحد مشاهد الفلم التي لا تُنسى حيث أمر ابن الملكة فور وفاة أمه بإحراق كل الرسائل والأوراق التي تشير بأي شكل إلى الملكة وعبدل. وليس بالغريب إذن أن نعرف أن من كتب الكتاب حول هذه القصة هي الصحفية والكاتبة الهندية ( شرباني باسو/ SHRABANI BASU ). وتقول الكاتبة أنها كانت في إجازة عائلية زارت خلالها منزل اوسبورن Osborne وهو منزل خاص للملكة فكتوريا. وقد لفتتها لوحة مرسومة لعبدل. كانت اللوحة تظهر عبدل بمظهر السيد وليس بمظهر الخادم الوضيع. وقد كانت الكاتبة تعلم أن عبدل أحضر إلى بريطانيا عام 1887؛ ليخدم الملكة! فكيف تظهره الرسومات بهذا المنظر الراقي؟ كما ان وجود صورة لكريم في غرفة الملابس الخاصة للملكة جعل الكاتبة تتأكد أن عبدالكريم لم يكن خادماً وإنما شخص يحظى بقيمة وبقرب خاص من الملكة. وقد بحثت الكاتبة عن هذه العلاقة الاستثنائية؛ ووجدت في أوراق التاريخية التي يحتفظ بها منزل اوسبورن الكثير، فمثلا ما كتبه دكتور الملكة الخاص الذي يعبر في أكثر من موضع أن الملكة مهووسة ومأخوذه بشخصية عبدالكريم، وأنها بالغة الحنان واللطف معه. كما قامت الكاتبة بالاطلاع على 13 مجلداً يحتوي على دروس تعليم ( الأردو )، التي كان يقوم عبدالكريم فيها بدور المعلم للملكة لتعليمها اللغة والثقافة الهندية.
كما سافرت الكاتبة للهند بحثاً عن قبر عبدل وسلالة عائلته، فقد توفي عبدالكريم بعد 8 سنوات من موت الملكة فكتوريا، وتحديداً عام 1909، أما العثور على قبره بعد مشقة عظيمة، كان مخيبًا لأمل الكاتبة التي تفاجأت بأن القبر مرميٌ في بقعة عشوائية، تحوم فيها الكلاب وتنتشر فيها الرسومات على الجدران، وتتكاثر فيها الحشائش والنباتات كفناء مهمل لا يكترث به أحد، حاولت الكاتبة أن تعثر على أي من أفراد عائلة عبدل، وبحثت طويلاً عن هذه العائلة التي التزمت الصمت كل هذه السنين، فقد ذهبت إلى المكان الذي كان يسكنه لتجد عائلة أخرى تسكن المكان وقيل لها أن عائلة عبدالكريم غادرت منذ سنين إلى باكستان بعد التقسيم عام 1947، وبعد هذا الخبر لم تواصل الكاتبة البحث وقامت بنشر كتابها حول عبدل والملكة فكتوريا عام 2010، إلا أن أمل العثور على عائلة عبدل كان يلازمها، وقد حرصت الكاتبة أن تذكر في كل مقابلة إنها ما زالت تبحث عن عائلة عبدل، ولم يمضِ أسبوعان على نشر الكتاب حتى ظهرت عائلة عبدل، والمثير أن العائلة كانت في بانجلور – بالهند وليس بباكستان، وأن عائلة الكاتبة تعرفها! لقد اختبأت هذه العائلة عن الكاتبة، بسبب خجلها من قرابتها بعبدل، حيث أن ما كتب عن عبدل في المصادر الإنجليزية وكيفية تصويرها له يظهره بمظهر الشاب الهندي المسلم الذي تلاعب بالملكة فكتوريا وكان متسلقاً ذو طموحات جشعة، ما كتبته الكاتبة من حقائق تستند على ما تبقى من وثائق في بريطانيا تخص الملكة فكتوريا وعبدل؛ جعل العائلة تغير وجهة نظرها وتظهر للعلن وتشكر الكاتبة.
حقائق تاريخية حول الملكة فكتوريا وعبدل:
- أظهرت الوثائق الرسمية للملكة إنها كانت تنهي مراسلاتها مع عبدل بعبارات معينة وكانت غير شائعة الاستخدام بين الملكة وأي من المقربين، منها كعبارة: ” (من أمك الحبيبة) أو (من أمك المُحبة)”.
- قام عبدل بتدريس الملكة لغة الأردو، وتوجد 13 مجلداً لهذه الدروس، التي جمعت الملكة فكتوريا وعبدل، تم حفظها في بريطانيا.
- رغم عدم تقبل المقربين من الملكة من خدم وأسرة مالكة لوجود عبدل إلا أن الملكة لم تتغير نحوه بل منحته امتيازات لا تمنح لغيره : فقد كان يسمح له بأن يحضر أي فرد من عائلته إلى بريطانيا ، كما سمح لوالد عبدل أن يدخن (الأرجيلة) بداخل قلعة وندسدور Windsor، رغم عدم تقبل الملكة للتدخين.
- قرب الملكة من عبدل جعلها تشغف بالثقافة الهندية فقد تعلمت اللغتين الهندية والأوردية كتابةً وتحدثاً من عبدل كما أنها عشقت أطباق الطعام الهندية وخاصة الكاري.
- سُمح لعبدل بلبس ملابسة الهندية التي يختارها – بكل حرية دون تدخل أو منع- كما سمح له بتملك العقارات في بريطانيا.
- فور وفاة الملكة وبعد ساعات قليلة فقط قام ابنها الملك إدوارد السابع بطرد عبدل وحرق ما وجد في منزله من مراسلات، التي جمعت بينه وبين أمه الملكة الراحلة وقام بطرده.
المصادر:
http://time.com/4941313/victoria-and-abdul-true-story-shrabani-basu/
http://bangaloremirror.indiatimes.com/entertainment/lounge//articleshow/21937289.cms
http://www.bbc.com/news/world-south-asia-12670110
**كاتبة ومترجمة مهتمة بإثراء المحتوى العربي على الأنترنت،تخصص ترجمة وإعلام جديد ( الحوكمة والمجتمع)