مطر بن سالم الريامي
تحاول معظم المنظمات أيا كان مجال عملها جاهدة التميز في أدائها والوصول الى مستوى متقدم من الجودة ، ولا يمكن ان يتحقق ذلك للمؤسسة الا اذا توافرت إدارة كفؤة وفعالة تحسن توظيف الموارد المتاحة لها وذلك من خلال تطبيقها للفكر الإداري الحديث ، الذي يمكنها من مواجهة المنافسة الشرسة التي تتعرض لها المنظمات بعد انتشار العولمة ، ومن تلك الأساليب الإدارية الحديثة ظهر مصطلح ستة سيجما أحد أشهر المفاهيم الإدارية في عالم إدارة الجودة الشاملة ، فما ستة سيجما وما دورها في تجويد العمل المؤسسي ؟
ان الستة سيجما هي أنجح وسيلة إدارية عرفها التاريخ إلى وقتنا هذا ، فهي عملية تسمح للمؤسسات وتمكنها من التحسن بصورة كبيرة فيما يختص بعملياتها الأساسية وهيكلها وتقود الستة سيجما المؤسسات إلى ارتكاب أقل نسبة أخطاء ممكنة في كل أنشطتها بداء بملء استمارة المشتريات وانتهاء بتصنيع محركات الطائرات ، ولقد قامت هذه الاستراتيجية الجديدة بتوسيع مفهوم الجودة بحيث يشمل القيمة الاقتصادية والاستخدام العملي لكل من الشركة والمستهلك ، وهذا ما شهدته شركة موتورولا عام 1979م كأول شركة تشهد ميلاد الستة سيجما التي ساهمت في بزوغ عصر جديد في موتورولا يربط بين اعلى جودة واقل تكاليف انتاج وتطوير .
ومن أبسط تعريفاتها إنها منهجية لحل المشاكل حيث تقوم بتقليل التكلفة وزيادة رضا المستهلك من خلال تقليل العيوب والخطاء في المنتجات .
وقد تم ابتكار مفهوم السيجما ستة لقياس العيوب في أوائل الثمانينات من القرن المنصرم كوسيلة لتطوير مقياس جودة عالمي يمكن تطبيقه بغض النظر عن كينونة هذا المنتج وباختصار كلما ارتفع مستوى السيجما كلما قلت عيوب المنتج أو أحد مكوناته والعكس صحيح وكلما انخفض مستوى السيجما كلما ازدادت العيوب لكل واحدة ، ولقد كانت العلاقة بين الجودة العالية والتكاليف الأقل هي العامل الأكبر التي أدت الى الستة سيجما ، كان ذلك من خلال مبادرة تحسين الجودة من خلال استخدام المقاييس الدقيقة لتوقع مناطق العيوب وليس كيفية التفاعل معها عند حدوثها فقط ، وبمعنى اخر تمكن الستة سيجما قائد العمل من ان يكون متصفا بالمبادأة وليس ردا للفعل في قضايا الجودة .
فالستة سيجما عبارة عن مشروع لحل المشاكل ، ويحتوي كل مشروع على مشكلة في التصميم أو العملية وتبحث عن حل ، وهناك ثماني مراحل أساسية لتطبيق الاستراتيجية الناجحة للوصول الى جودة الستة سيجما وهي : الإدراك والتعريف والقياس والتحليل و التحسين و التحكم و التقنين والتكامل وأكثر هذه الخطوات أهمية هي القياس و التحليل و التحسين و التحكم ، ويتم تصميم كل مرحل لضمان ان تنطبق الشركات الاستراتيجية الخارقة بطريقة مقننة ، ان يتم تحديد برامج الستة سيجما بطريقة صحيحة وبالتالي تطبيقها بدقة ، ان يتم تضمين نتائج هذه المشروعات في إدارة الأعمال اليومية .
ان أساس تطبيق الستة سيجما على أي مؤسسة يجب ان يبدأ بوجود الأشخاص الأكفاء في الأعمال والعمليات ومستوى العمليات الصحيح في المستوى كي يستطيعوا تنفيذ وتوزيع الاستراتيجية الخارقة بطريقة ناجحة ، حيث انه ان لم يتم نسج الستة سيجما على كل مستويات المؤسسة الدنيا والعليا فلن تكتسب قود الدفع التي تحتاجها من اجل الاستمرارية وبالتالي تحقيق الهدف المنشود من وراء تطبيقها ، ان الاستراتيجية الخارقة للستة سيجما تغير طريقة إدارة كل مستوى من مستويات الأعمال بطريقة جذرية وبصفة يومية وبما ان الستة سيجما تنساب فوق وتحت وفي كل جنبات العمل والمؤسسة فيستطيع من هم على مستوى العمل التخاطب مع من هم على مستوى العمل بطرق جديدة ومبتكرة ، وتقدم الستة سيجما للشركات والمؤسسات سبيلا للخطوة الى الخلف ورؤية تفاصيل كيفية سير عملهم وكيفية تأثير النتائج الكلية لكثير من المشروعات الصغيرة على العمليات الكبرى عالية المستوى التي تسير العمل اليومي .
أما عن الأساليب التي يمكن من خلالها ان تخلق بؤرة تركيز لجهود ستة سيجما بها فهي تكمن في التركيز على وفورات التكاليف للمشروعات ، والتركيز على مسببات ضعف رضا العملاء ، والتركيز على العمليات ، والتركيز على المشكلات ، واستخدام منهج التصميم ، والتركيز على العمليات الداخلية ، والتركيز على عمليات الموردين ، والتركيز على العملاء .
يضمن تطبيق ستة سيجما تحسين مستوى الأداء بشكل عالي مما ينعكس ذلك على مستويات الأداء والتي يتم التعبير عنها بلغة الأرقام بالربحية والتكلفة ، ويضمن تطبيق ستة سيجما المعرفة الدائمة بحاجات العميل ومتطلباته وماهي المتغيرات التي قد تطرأ على تلك الحاجات ، ويضمن تطبيق ستة سيجما الحد من تكلفة الجودة الرديئة وما ينتج عنها من مشاكل مثل التأخير في موعد التسليم وعدم رضا الزبائن وفقد عدد من الزبائن ، والقدرة على التقليل من العمليات التي لا قيمة لها ، وتحسين مستوى تناغم الخدمات من خلال الإنتاج المنظم وتقليل انحرافات الإنتاج ، وزيادة التزام العاملين ، وزيادة الوعي والإدراك بطرق حل المشكلات وطرق استخدام الأدوات والتقنيات مما يؤدي ذلك الى زيادة رضا الموظفين .
وهناك عقبات يجب تجاوزها عند تطبيق الستة سيجما العمل على ادخال تحسينات اكثر مما ينبغي في وقت واحد من ضمنها عدم وجود شخص يمكن مساءلته ومحاسبته على المشكلة ، وعدم كون الشركة معتمدة على العمليات ، وعدم وجود افراد متدربين ومتمرسين ، وجود رجال إدارة وسطى يخشون عدم التأكد الذي يكتنف الأدوار المستقبلية ، وعدم وجود مقاييس مركزة على عمليات خلق قيمة مضافة للعملاء ، وعدم وجود نظم مالية ومعلوماتية متكاملة ، وجود منهج ومداخل مفككة القوة المحركة لها هي الموظفون .
يتساءل كثير من المؤسسات الناجحة التي تستخدم أساليب جودة تقليدية لماذا ينبغي علينا تطبيق منهجية ستة سيجما ، وهذا سؤال منطقي حيث ان تنفيذ ستة سيجما يمثل التزاما منطقي وطويل المدى وخاصة بالنسبة للمنظمات المتعثرة ، غير ان الأفراد والمنظمات لا يكون لديهم حافز على التغيير عندما تمضي الأمور بسلاسة ومن طبيعة البشر انهم لا يغيرون سلوكهم الا عندما تطرق الأزمة بابهم الا ان السفينة المؤسسية تهتز عندما يقال للعاملين فيها فجأة ان نجاحاتهم الماضية لم تعد هامة بدرجة كافية وأن عليهم أن يبدؤوا في إصلاح ما ليس عطلا .
ولتحقيق ستة سيجما يجب على المنظمة القيام بتغييرات سيكولوجية كبيرة وقد وجد ان ستة سيجما تستغرق ما بين ثلاث الى خمس سنوات لكي تترسخ كفكرة وثقافة حتى في اكبر المنظمات تقدمية ، ورغم ان استراتيجية ستة سيجما الانطلاقية قد اثبتت بجدارة انها منهجية فعالة لتوجيه وتسهيل التغيير التنظيمي الا انه يتعذر إنجازها بدون التزام ومشاركة قويين من كل شخص في المنظمة ولا سيما القيادة العليا ، ويبقى أن الانضباط والتفاني الضروريين لتنفيذ ستة سيجما يجب أن يمارسا باعتدال لكيلا تتحطم روح المؤسسة .
*الصورة من محرك البحث العالمي (جوجل)