الكاتبة: أسماء سويد *
ملهمتي.. غاليتي..
تكلمتُ في مقالتي السابقة عن ضرورة الخروج من قوقعة الشعور بالظلم والامتهان، وعدم الاستمرار بالمطالبة بالرعاية والاهتمام، والتوقف عن العزف على وتر الابتزاز العاطفي لـ “استوصوا بالنساء خيرا”. واقترحتُ أن تجلسي مع نفسك جلسةً تطرحي عليها أسئلة بدهية، تثير لديك الرغبة بالمعرفة والوصول إلى إجابات حقيقة، لتساعدكِ على معرفة كنه وجودك وكينونتك، ومدى قوتكِ، وما أنتِ قادرةٌ على القيام به في جميع المجالات والمستويات.
وحري بي أن أخبركِ أن مهمتكِ الأولى: (الوعي بالذات)، لم تكن سهلة متاحة دون بذل جهد أو تجاوز عقبات، وأعرف حق المعرفة أنك قادرةٌ على القيام بها وأدائها حق الأداء؛ لأنكِ منبع المسؤولية والاهتمام، ولكن هل انتهت المهمة هنا بعد أن وعيتِ ذاتك؟ من أنت؟ وماذا تريدي؟ وكيف تصلي إلى ما تريدي؟ ما هي العقبات، وكيف تتجاوزينها؟ وما هي نقاط الضعف والقوة؟ وما هي بصمتكِ ودوركِ في الحياة؟
لا غاليتي،
مهمتكِ الآن تتجاوز صعيدك الشخصي إلى محيطكِ الأنثوي، فكما وعيتِ ذاتكِ حري بك الأخذ بيد غيرك من النساء والفتيات؛ ليحظوا مثلك تماما على الوعي والبصيرة، والابتعاد عن لعب دور الضحية في محيطهن وممارسة أدوارهن بفعالية واحترافية.
ولا ريب أنك ستواجهين عقبات وقيودا مجتمعية، تمت برمجتها في اللاوعي الجمعي، وأصبحت مقدسات لا يصح المساس بها، ولن أطلب منك قيادة ثورة على تلك القيود، فما أخذ عقودا طويلة وأجيالا من البرمجة، سيتطلب جهدا ووقتا طويلا لتغييره وإحداث التجديد فيه.
وليكن لديك من البصيرة والوعي الشيء الكافي، وأن تعرفي ما هي القيود التي ينبغي التحرر منها وتحطيمها -إن لزم الأمر- وسأتناول بعضا منها وربما أهمها:
– ما قالوه عن المرأة عبر السنين من أقوال ومقولات، عززت ضعفها وعجزها والشعور أحيانا بالخزي والعار منها، والرغبة في ودئها، ليس جسديا، وإنما نفسيا: “ناقصات عقل ودين” ، “هم البنات للممات”.
– العادات والتقاليد، التي قُدِّمت على أحكام الدين في بعض الأحيان؛ خوفًا من كلام الناس والجيران والعائلة، ووو.
– التبعية للذكر في العائلة، سواء كان أبا او أخا – وقد يكون أصغر منها، وينشأ على التحكم بها – أو زوجا، ولا يُفهم من كلامي التمرد على دور الذكر بحياتها، وإنما ألا تُعامل كعبد أو خادم، عليه السمع والطاعة أو أنها عورة تحتاج إلى ستر وإخفاء عن العيون وإلا سيلحق بالعائلة العار وما شابه ذلك.
– منعها من متابعة دراستها في كثير من المناطق بحجة أن: “آخرتها لبيت زوجها”، “شهادتها بدها تعلقها في المطبخ!”.
– جعل الزواج هو حلم حياتها وسدة طموحها، وبرمجتها عليه منذ طفولتها، ومنعها من ممارسات بسيطة مشروعة، ليقال لها: “بس تنخطبي بتروحي مع خطيبك” “بس تتزوجي بتسافري” ثم تصطدم بواقع الزواج المؤلم المغاير تماما لأحلامها وطموحاتها الرومنسية.
– إطلاق مصطلح العنوسة على الفتيات بعد تجاوزهن سنٍّ معين؛ بسبب الدراسة أو العمل أو عدم توفر الزوج المناسب للارتباط به، مما يؤثر سلبا على حياة الفتاة الاجتماعية والنفسية، ورغبتها بالزواج من أي خاطب يطرق الباب؛ لتجد نفسها لاحقا في زواج يستحيل الاستمرار به.
– التركيز على نماذج نسائية سلبية في العائلة أو المحيط الاجتماعي، وتخويفها بطريقة غير واعية: “أنك ستصبحين مثل: “فلانة المطلقة” أو “الفلانة العانس” أو “الفلانة التي فشلت”؛ مما يحرمها شغف المحاولة أو الإقدام على تجربة الجديد ويقتل الطموح لديها.
– عدم مواجهة المخاوف الشخصية بعد المرور بتجارب غير ناجحة: كخطبة أو زواج انتهيا بالانفصال أو دراسة انتهت برسوب أو أي نوع من التجارب التي لم تكن نتيجتها النجاح، والحكم على الذات بعدها بالفشل وعدم القدرة وعدم الاستحقاق، ليكون سجنا نفسيا شخصيا تقبع فيه الفتاة إلى أن يشاء الله أن تخرج منه.
هذه القيود سيدتي بعضٌ مما وجدته من قيود تعيق حياة المرأة، وتجعلها عاجزة رغم قدرتها، ضعيفة رغم قوتها، مسلوبة الإرادة رغم عزيمتها وإصرارها، فإذا أردتِ أن يكون لك ذلك الدور الفاعل المؤثر، وأن تكوني تلك الملهمة في محيطها، صاحبة البصمة والتغيير في ذاتها ومن حولها؛ حرري نفسك أولا من تلك القيود وأطلقي روحك وعقلك وفكرك، ثم كوني منارة لتدل النساء والفتيات على طريق الوعي والبصيرة، وكوني أنتِ مبدأ التغيير نحو الأفضل.. كوني أنتِ الرقم الأول في مسيرة الوعي والتطوير والتجديد،
لأنكِ أنتِ المرأة الأمة، ولأنكِ الأنثى.. والملهمة.. لأنكِ تستحقين..
*كاتبة ومدربة في تطوير الذات