مراد غريبي
أمام توالي انعكاسات جائحة كورونا مجتمعيا، وتزايد الحساسيات المرتبطة بالاجتماع في شتى تمظهراتها و أسبابها، المختصرة في مفهوم الحياة، وفي خضم الجدل القائم والمتصل بمسارات و استراتيجيات التعامل مع مؤثرات الجائحة. تطرح مجموعة من الإشكاليات على الناظم المجتمعي، المرتبط بحقيقة المواقف، والخيارات التي حازت مباركة الفاعلين إداريا و استراتيجيا في مواجهة الجائحة . على سبيل المثال التعليم الرقمي و الامتحانات عبر العالم الافتراضي، سنسلط الضوء على خيار التعليم الرقمي كخطة استباقية في ظل الجائحة من خلال عدة نقاط:
1-قطاع التعليم بكل مستوياته جد حساس و خطير في أبعاده الاستراتيجية القريبة المدى، لأن العامل الاجتماعي فيه مركزي إلى أبعد الحدود، لأن أغلب الدراسات التربوية تؤكد أن المرء يتعلم برغبة أكبر وبشكل أفضل ضمن الفريق أو المجموع.
2-التعليم الذاتي رقميا و هو البارز حاليا في جل الدول العربية، ينقصه العنصر التفاعلي ضمن الدورات التعليمية المبرمجة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي لتبادل الخبرات و التصورات بين المشاركين في المنصات التعليمية الافتراضية.
3-التعليم الرقمي يعتبر صورة حداثية للتعليم التقليدي بوسائل مستقلة زمكانيا، لكنه بحاجة لقاعدة معطيات معتبرة (أقصد سحابة رقمية متكاملة و لإدارة متمكنة تسهر على الرتابة اللوجستية للتعليم الرقمي وتطوير السحابة الرقمية المدرسية ، مع إعادة النظر و الفهم للجيل الخامس مع تزايد الاهتمامات العالمية بأبحاث الذكاء الاصطناعي خلال العقد الأخير من القرن الجاري.
4-ابتكار مخابر حوسبة خاصة بكل مدرسة تعمل على صيانة السحابة الرقمية و تطوير مضامينها التعليمية و هذا ما يفتح الآفاق لمناصب شغل للشباب العربي المتمكن عموما في الإعلام الآلي برمجة و صيانة و هندسة و يوفر للدولة مصاريف العمالة الأجنبية الباهضة.
5-بإمكان حكومات الدول العربية التوجه و بسرعة نحو إنشاء مراصد وطنية لتكنولوجيات التعليم و التمهين، هدفها الرئيسي و الاستراتيجي هو ضبط جودة التعليم الرقمي و تطوير المناهج و الوسائل و تنمية الأهداف.. مثلا تفعيل تطبيقات الابحاث الخاصة بخوارزميات البحث الذكية المتطورة و التي هناك من الشباب العربي استثنائي في هذا المجال العلمي الرقمي..
6-التعليم الرقمي لا يعني الاستغناء نهائيا عن مؤسسات التعليم التقليدية بكل اطوارها، لأن ذلك مستحيل بل غير موضوعي
7-التعليم الرقمي يعني تجديد ثقافة النباهة و ليس ثقافة التفاهة، لأن خيار التعليم الرقمي ليس تكتيك في سياق جائحة كورونا و لكن لابد أن يكون خيار المستقبل بكل إخلاص لمصير الأجيال الصاعدة..
8-التعليم الرقمي ينجح بتكافؤ الفرص و تفعيله كبديل إصلاحي لمنظومات التربية و التعليم في عالمنا العربي.
9-تكثيف الدورات التكوينية و التأهيلية المتطورة الخاصة بالإمكانات والمهارات الرقمية لدى المعلمين، فإسبانيا مثلا منذ سنوات و قبل الجائحة بدأت اعتماد الدروس أونلاين واستخدام الوسائل الرقمية. ولم تكتف فقط بالتركيز على البنية التحتية ومنصات التعليم و إنما التدريب التأهيلي للمدرسين و المعلمين تدريجيا على إتقان التقنيات الحديثة و التعامل بحرفية مع الوسائل الرقمية.
10-التعليم الرقمي يتجاوز مجرد توفر تشبيك رقمي سريع في المؤسسات التعليمية و المنازل و إدارات القطاع التعليمي، بل تطفو على السطح توفير قواعد بيانات و معلومات و لوائح أفضل، تتعلق بالمسؤولية القانونية و الأمن السيبراني للخدمات الرقمية بما يحقق المردود التعليمي الأمثل و يضمن التنمية الرقمية المجتمعية في المستقبل القريب.
وعليه رقمنة التعليم عربيا أهميتها لا تقل عن الحوكمة الرقمية بل تعتبر مركز ثقلها المستقبلي لأنها تؤسس للتواصل على مستوى متكافئ و الشراكة في تصور و بناء المستقبل المجتمعي و الاقتصادي على أسس ثقافية معاصرة مرنة.
*كاتب و باحث من الجزائر
**الصورة من محرك البحث العالمي (جوجل)