إعداد: سماء المقبالية
طالبة قانون في المملكة المتحدة
كثيراً ما أراقب حال النساء من حولي، بحثاً عن شخص يحتاج إلى المساعدة، ولكني لست خارقة، فأنا مثلاً لا أستطيع أن أوفر مقعداً دراسياً لإحدى الفتيات، أو خدمة توصيل ،أو فرصةً وظيفية، أو حتى حمل كرسي متحرك لإحداهن لتتمكن من المرور من عتبة الرصيف بالكرسي الخاص بها، ولعجزي وقلة حيلتي قررت أن أكتب هذه المقالة لأدعم بعض النساء وأطرح فيها بعضًا من تساؤلاتي.
قرأت الكثير من المقالات التي تناولت قضايا المرأة، ولكن ما زال هناك الكثير من المواضيع العالقة والمهمشة والتي قل ما طرحت. قليل من قام بمناقشة قضايا ذوات الإعاقة من النساء في مجتمعنا، حيث يوجد لدينا نقص واضح في الدراسات التي تتناول هذه القضية.
هنا في هذا المقال سأقوم بطرح أهم المشاكل في كل من الجوانب التالية: التعليم، العمل (في القطاعين الخاص والحكومي)، إمكانية الوصول. كما سأطرح الكثير من التساؤلات التي تخص كل قضية من هذه القضايا بناءً على مواد اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي وقعت عليها السلطنة وردود السلطنة على قائمة المسائل المتصلة بالتقرير الأوليّ لعُمان.
● التعليم:
● طبقاً لما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948م) فإن التعليم يعتبر حق من الحقوق الأساسية للإنسان. وفقًا للنظام الأساسي للدولة مادة رقم 13 من المبادئ الثقافية فإن التعليم ركن أساسي لتقدم المجتمع ترعاه الدولة وتسعى لنشره وتعميمه و وفقًا للمادة رقم 12 من المبادىء الاجتماعية العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين العمانيين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة . وبموجب المادة رقم 24 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة المصادق عليها بموجب المرسوم السلطاني 121/2008 “للأشخاص ذوي الإعاقة الحق في التعليم على أساس تكافؤ الفرص. مع ضمان نظام تعليمي شامل على جميع المستويات وتيسير فرص الحصول على التعليم مدى الحياة”.
● الأمية: تبلغ نسبة الأميات من النساء ذوات الإعاقة 68.5٪ بينما تنخفض النسبة لدى الرجال ذوي الإعاقة إلى 46٪ (تقرير المركز الوطني للإحصاء والمعلومات/ الأشخاص ذوو الإعاقة (2015))،وكنتيجة لارتفاع نسب الأمية وجدت 82.5٪ من النساء الأميات ذوات الإعاقة صعوبة في الاعتناء بالنفس .
ما هي الأسباب أو العوامل التي أدت إلى ارتفاع نسب الأمية بين النساء ذوات الإعاقة؟ أهي العراقيل المجتمعية ؟ أم هي عراقيل مادية؟ هل تم تسهيل إمكانيات الوصول لمراكز او مؤسسات التعليم في جميع المحافظات؟ ما هو دور المؤسسات لحل هذه المشكلة؟ هل التوعية كافية لحل مشكلة كهذه؟ هل لنوع الإعاقة صلة بارتفاع نسب الأمية؟ هل توجد دراسة مفصلة تدرس هذه المشكلة؟
● وفقاً للتقرير الصادر من المركز الوطني للإحصاء والمعلومات عن ذوي الإعاقة (2015م)
في التعليم العالي نسب قبول المرأة ذات الإعاقة في مؤسسات التعليم الخاصة أكبر من مؤسسات التعليم الحكومية، هل يعود السبب لقلة المقاعد المطروحة من قبل المؤسسات الحكومية؟ أم بسبب النسب التنافسية للمؤسسات التعليمية؟ أم بسبب عدم توفر التخصصات التي تعنى بذوي الإعاقة في المؤسسات الحكومية؟ أم توجد أسباب أخرى؟
من الواقع (المقابلات):
بعض العراقيل التي تواجه ذوات الاحتياجات الخاصة(الكفيفات كمثال) :
● بعد المؤسسات:
- يخاف بعض الأهالي ذهاب بناتهم ذوات الأعمار الصغيرة للعيش في سكن بعيد من منطقتهم
● عدم وجود مؤسسات متخصصة كافية: - بسبب عدم وجود المؤسسات في كل منطقة يخشى الأهالي ذهاب بناتهم لمسقط للعيش هناك؛ فيفضل تدريسها في مدرسة نظامية؛ مما قد يدفعها للتوقف عن الذهاب للمدرسة بسبب صعوبة الأمر.
● اجتماعية: - عدم الحصول على الدعم الكافي من الأسرة والمجتمع.
- الحرص الزائد من الأهالي، حيث يرى بعض الأهالي أنه سيكفل ابنته لباقي عمرها فلا داعي للدراسة.
- قلة الوعي بأدوات و واقع و وسائل دراسة ذوي الإعاقة يجعل الأسرة تظن أن الأمر صعب فتستسلم لأنها لا تريد أن تكون عبئًا على أحد بسبب هذه الصعوبات.
•قلة الخدمات:
بعض الكليات والجامعات القريبة منها غير مهيأة للسكن والكادر غير مؤهل للتعامل مع ذوات الاحتياجات الخاصة.
● العمل:
● وفقاً للمادة 27 -وما جاء فيها من تفصيل- من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ” تعترف الدول الأطراف بحق الأشخاص ذوي الإعاقة في العمل، على قدم المساواة مع الآخرين”.كما جاء في نفس الاتفاقية مادة رقم 6 عن النساء ذوات الإعاقة ” تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الملائمة لكفالة التطور الكامل والتقدم والتمكين للمرأة، بغرض ضمان ممارستها حقوق الإنسان والحريات الأساسية المبنية في هذه الاتفاقية والتمتع بها”. كما أكد وكيل وزارة الخدمة المدنية أن الوزارة سعت إلى رفع نسبة توظيف في هذه الفئة من 1٪ إلى 2٪.
- كما جاء في تقرير سلسلة الإحصاءات المجتمعية للأشخاص ذوي الإعاقة لعام (2019) فإن عدد الموظفين ذوي الإعاقة العاملين في القطاع الحكومي بلغ (788) موظفاً وموظفة في عام 2018م؛ حيث يشكل الذكور ما نسبته (88٪) والإناث (12٪). أما في القطاع الخاص: بلـغ عـدد الموظفين من ذوي الإعاقة (1691) في عـام 2018م حيث شكل الذكور ما نسبته (82٪) والإناث (18٪). توضح الإحصائيات هذه عدم تكافؤ النسب بين الذكور والإناث في سوق العمل. هل لتراجع أداء السلطنة في تقرير الفجوة بين الجنسين في العام الماضي دور في ذلك؟ هل يوجد لدى المركز الوطني للتشغيل توضيح فيما يخص الفرص الوظيفية المتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة وبالأخص الإناث منهم؟ أو نسب توضيحية لعدد الوظائف التي تنافسوا عليها؟ ألا تدل النسب المذكورة على وجود فجوة بين الجنسين؟ ما هي جهود اللجنة المعنية بالمتابعة لحل ذلك؟ أين هو دور خطة اللجنة المعنية للتدريب والتشغيل؟ لماذا لا نرى أثراً واضحاً لخطة الدمج لهذه الفئة في سوق العمل؟ أليس من المهم أن يتم رفع مستوى الوعي تجاه قدرات الإناث ذوات الإعاقة لدى الجهات الموفرة للوظيفة؟
- أضيف إلى ذلك، ما ذكرته لي إحدى قريبات امرأة من ذوات الإعاقة اللاتي التحقن بأحد مراكز التأهيل، حيث توجد الكثير من الشكاوى فيما يخص مستوى الرعاية والخدمات المقدمة في هذا المركز؛ ووفقاً لما ذكرته يبدو بأن المراكز هذه غير مؤهلة بما فيه الكفاية لتقديم الخدمات المطلوبة! فكيف لهذه المراكز أن تقوم بتمكينهم للاندماج في سوق العمل والمجتمع؟ أين هو الدور الإشرافي لدائرة الرعاية الخاصة بالمديرية العامة للرعاية الاجتماعية؟ ماذا عن توفير مزيد من المعدات والأدوات والوسائل والمعينات المساعدة في هذه المراكز؟ أين تصرف مساهمات الشركات المالية التي تذهب لدائرة التنمية لتطوير هذه المراكز؟ أليست تلك المساهمات معنية بتحسين أوضاع هذه المراكز وتوفير ما يلزمها من معدات وغيرها؟
ما يحتاجه ذوي الهمم:
-يحتاج ذوي الاحتياجات الخاصة إلى تسهيلات في موضوع النقل.
-تثقيف وتوعية لأرباب العمل والموظفين في القوى العاملة بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة.
-يحتاج ذوي الاحتياجات الخاصة لتوفير وظائف أكثر لهم.
-عدم التقليل من قدراتهم ومهاراتهم.
-دورات تأهيلية وتدريبية لهم بعد الدراسة لتجهيزهم لسوق العمل.
كل ذلك جاء على لسان كفيفة ذكرت لي قصتها في صعوبة التنقل بين المقابلات الوظيفية وحتى بعد وصولها إلى مكان المقابلة يتم الإعتذار لها بأن الوظيفة المتوفرة غير مناسبة لها ككفيفة، مع توافر معلومة كونها كفيفة في سيرتها الذاتية مسبقاً. كما تقول أن بعض جهات العمل تستغرب من مجرد حصولها على شهادة دبلوم التعليم العام أو شهادة البكالوريوس!وكأن الكفيف لا يستطيع إكمال دراسته.
سبق أن ذُكرت هذه القضايا في التقرير الوطني الأول لعمان في المادة (٢٧)(العمل والعمالة) حيث كان من المفترض أن اللجنة المتضمنة على وكلاء من وزارتي التنمية الاجتماعية ووزارة القوى العاملة أن تقوم بتشجيع وتثقيف القطاع الخاص على تدريب وتشغيل الأشخاص من ذوي الإعاقة، وتسهيل الوصول إلى المعلومات التي يحتاجها ذوي الإعاقة عن سوق العمل والوظائف المتاحة لهم ومتابعة ذوي الإعاقة الذي أنهوا دراستهم وفترة تدريبهم ليحصلوا على الوظائف المناسبة لهم. ولكن وفقاً لما ذكرته إحدى الزميلات يبدو بأن الشركات والقوى العاملة غير ملمة بمهاراتهم وقدراتهم.
● إمكانية الوصول:
● وفقاً للمادة ٩ (إمكانية الوصول) من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والمادة ١٠ من نص قانون رعاية وتأهيل المعاقين لابد على الجهات الحكومية التقيد بمواصفات هندسية معينة بالنسبة للطرق والمباني ودور العبادة وغيرها من المرافق.في التقرير المعني بردود عمان على قائمة المسائل المتصلة بالتقرير الوطني الأولي لاتفاقية حقوق ذوي الإعاقة (2018) بينت السلطنة بأنها قامت بتطبيق الكود الهندسي.
ولكن لا يزال هناك العديد من المرافق العامة ودور العبادة والحدائق وغيرها غير المؤهلة للفئة التي تعاني من الإعاقة الحركية. ومما نلاحظه كثيراً في بعض المؤسسات والمحلات التجارية هو عدم وجود دورة مياه منفصلة لذوي الاحتياجات الخاصة، مثلا: هل يستطيع الزوج الدخول مع زوجته إن كانت من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة دورات مياه الإناث؟ ألن يسبب ذلك نوعاً من الإحراج له وللنساء هناك؟ كما تعاني أمهات المصابين بطيف التوحد من عدم قدرة أبناءهن دخول دورات المياه بمفردهم فالأم لا تستطيع دخول دورة مياه الرجال والابن لا يستطيع دخول دورات مياه النساء. تحتاج هذه الفئات لدورات مياه مستقلة عن دورات مياه النساء والرجال. ألم يحن الوقت للنظر إلى مسألة المرافق العامة هذه؟.
من الواقع (المقابلات):
بعض العراقيل التي تواجه ذوات الاحتياجات الخاصة(الكفيفات كمثال) :
-معاملة الكفيفة كشخص فاقد الأهلية.
حدثتني إحدى الكفيفات أنها محبة للرياضة و كانت ترتاد نادي رياضي ولكن للأسف تم طلب توقيع تعهد و يجب أن يتواجد مرافق لها في زياراتها!
وغيرها من المشاكل الأخرى التي تواجهها نتيجة للعادات المجتمعية المتمثلة في الهيمنة الذكورية والعادات والتقاليد والأعراف السائدة التي تسمح بممارسة التمييز ضد الإناث.
تعاني المرأة المعاقة من التمييز ليس فقط لكونها أنثى وإنما لأنها أنثى ومعاقة، إضافةً لذلك تتعرض نساء ذوي الإعاقة إلى الكثير من الإساءات الجسدية والنفسية التي تكمن مظاهرها في العزلة وقلة التواصل وغالباً ما تكون معرضة للاستغلال الاقتصادي من قبل الأقارب الذي يؤدي إلى خفض من قدرتها في التحكم على أموالها بشكل غير قانوني؛ وذلك قد يكون نتاجاً للنظرة السلبية والعادات والنظم الاجتماعية التي تعامل المرأة كمواطنة من الطبقة الثانية، كشخص غير قادر على إدارة شؤونه وأمواله. ويوضح تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان (دراسة مواضيعية بشأن مسألة العنف ضد النساء والفتيات والإعاقة) بأن المرأة المعاقة أكثر عرضة للعنف والإساءة من قبل زوجها وذويها في الأسرة والمجتمع والمؤسسات بالمقارنة مع غير المعاقة. ولا تحصل المرأة المعاقة على حقها في العمل والتعليم، وتواجه صعوبات للحصول على الترقية ما إن حصلت على وظيفة ما؛ مما يقلل من فرص استحقاقها بالمكانة المجتمعية التي تليق بها، ناهيك عن المعاملة السيئة ونظرة المجتمع الدونية لها ولقدراتها.
لا أعلم ما إذا كانت جميع التساؤلات المطروحة في محلها، ولا أعلم ما إن كنت سأحصل على إجابات لها قريباً، ولكن سأحاول أن أبحث عنها أكثر. نأمل بألا تكون هذه الاتفاقية كغيرها من الاتفاقيات الأخرى التي ما زالت حبرا على ورق فقط، بالرغم من عدم وضع السلطنة أي تحفظات لأي بند من بنود اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة إلا أن كل ما سبق دليل واضح على عدم تطبيق هذه البنود فعلياً على أرض الواقع حيث ما زالت المرأة ذات الإعاقة تعاني من التمييز في الحقوق الأساسية في جميع المجالات العملية والتعليمية والاجتماعية وغيرها.
المراجع:
- مزنة الفهدية/ملتقى «قادرون» يبحث تطوير مناهج تأهيل وتدريب ذوي الإعاقات/جريدة عُمان/17يونيو 2019/:
https://www.omandaily.om/?p=707823 - المركز الوطني للإحصاء والمعلومات/ذوي الإعاقة/فبراير 2015:
https://drive.google.com/file/d/1VMT596i0FQeDGTHN3T7ByS2bCulWSkZk/view?usp=sharing
- المركز الوطني للإحصاء والمعلومات/الأشخاص ذوو الإعاقة/سلسلة الإحصاءات المجتمعية/2019:
https://www.ncsi.gov.om/Elibrary/LibraryContentDoc/bar_disability%202018_98221b0c-f38a-404c-827c-d47b8409174f.pdf - وزارة التنمية الإجتماعية/التقرير الوطني الأولي لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة/2011:
https://www.mosd.gov.om/images/pdfConvention%20on%20the%20Rights%20of%20Persons%20with%20Disabilities/First%20national%20report%20on%20the%20convention%20on%20the%20rights%20of%20persons%20with%20disabilities%20-%20Oman%202011%20%20ar.pdf - الأمم المتحدة/اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة/قائمة المسائل المتصلة بالتقرير الأولي لعُمان/6 أكتوبر/ 2017:
https://drive.google.com/file/d/1cTx3fJdBySZIHpyg3DVATHA0jtkKdYu9/view?usp=sharing - الأمم المتحدة/اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة/ردور عُمان على قائمة المسائل المتصلة بالتقرير الأولي لعُمان/2 يناير/ 2018 :
http://docstore.ohchr.org/SelfServices/FilesHandler.ashx?enc=6QkG1d%2FPPRiCAqhKb7yhstsMGlkP8AX7AJbK4%2Fk2YmJMvivcleN9x7gis9B5OOC3YSDu8Br7%2FgZHYh3BhyqxlI3c%2BSWc1mXNvN7u78ouB5%2F1M5m97d9SzGAnfhyyQxCx%2FPZ7JSbgFBhVscfD%2BIg7Zg%3D%3D - https://mosd.gov.om/index.php?option=com_content&view=category&id=107&lang=ar
- تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان (دراسة مواضيعية بشأن العنف ضد النساء والفتيات والإعاقة) 30/ مارس/ 2012:
https://www.ohchr.org/Documents/HRBodies/HRCouncil/RegularSession/Session20/A-HRC-20-5_ar.pdf - مقابلات:
سعاد الصوافية(كفيفة).
شيخة الجساسية(كفيفة).
-وأخريات تحفّظن عن ذكر أسمائهن-
*الصورة من محرك البحث العالمي (جوجل)