بقلم. د. ناصر العتيقي
واجه شاونسي Chauncy القنصل السياسي في مسقط والذي كان يشرف على المفاوضات مع السلطان سعيد بشأن إبرام معاهدة جديدة بديلة عن معاهدة 1939 واجه صعوبة بالغة في إقناع السلطان بالتخلي عن شروطه في تقليص الامتيازات التي يتمتع بها الرعايا البريطانيون في السلطنة، إلى جانب حرص السلطان على دراسة الأمور دراسة جيدة ؛ حيث أظهر تشدداً في بعض بنود الاتفاقية، وبالذات مسألتي الاحتكارات والرعايا البريطانيين غير حاملي الجنسية البريطانية مثل الخوجا والبنيان وخصوصاً أن إبرام هذه المعاهدة قد جاء بعد استقلال الهند عن التاج البريطاني عام 1947.
وجاء في معاهدة الصداقة والتجارة والملاحة لعام 1951، إن من أسباب توقيعها هو الرغبة في تثبيت وتقوية علاقات الصداقة الموجودة بين ملك بريطانيا العظمى والممالك الإنجليزية فيما وراء البحار، والسلطان سعيد بن تيمور بن فيصل سلطان مسقط وعمان وملحقاتها ، إضافة إلى الرغبة في توسيع العلاقات التجارية لتحل محل معاهدة الصداقة والتجارة والملاحة السابقة الموقعة في عام 1939 والتي كانت مدتها أثنى عشر عاما .
وقد وقع على المعاهدة في 20 / 12 / 1951 اللفتنت كولونيل سير روبرت هاي sir Robert Hay المقيم السياسي في الخليج مفوضاً من قبل ملك بريطانيا والسلطان سعيد بن تيمور عن سلطنة مسقط وعمان .
لقد تضمنت المعاهدة سبع عشرة مادة بدلا من ثلاث وعشرين التي كانت تشملها المعاهدة السابقة، فالمادة الأولى تضمنت التعريف بالمصطلحات المختلفة المستخدمة في بنود المعاهدة.
ونصت المادة الثانية على حرية التجارة والملاحة بين الطرفين المتعاهدين والسماح لرعايا الطرفين بالدخول إلى جميع المواني والأخوار والأنهر، والتعامل في المجال التجاري مع مراعاة الأنظمة التي تطبق على جميع الأجانب، وأسفارهم ومغادرتهم، والملاحظ في هذه المادة عدم وجود شروط خاصة من قبل أي طرف على أتباع الطرف الآخر باستثناء العمل بالأنظمة المعمول بها في كل البلدين بخصوص الأجانب جميعا ً.
أما المادة الثالثة فقد ساوت في المعاملة التجارية داخل كل قطر بين أتباع الطرفين وأتباع أي بلد أجنبي آخر؛ بحيث لا يكون لأتباع البلاد الأجنبية الأخرى أي معاملة تفضيلية خاصة دوناً عن أتباع الطرفين المتعاقدين، وخصوصاً في مجال الضرائب والمكوس.
ويلاحظ وجود تبادل في تطبيق هذه المادة على الطرفين عكس ما كان معمولاً به في المعاهدة السابقة التي جاءت جميعها لمصلحة أتباع الملك دون أتباع السلطان.
وتعهد الطرفان في المادة الرابعة بمعاملة حركة الملاحة والسفن معاملة لا تقل تفضيلاً عن نفس المعاملة التي تجري لهذه السفن في أقطارها أو السفن التابعة للبلاد الأجنبية الأخرى، وفي هذه المادة تطور إيجابي يحسب للمعاهدة من ناحية تبادل المنفعة وعدم التفضيل .
ويؤخذ على المادة الخامسة أنها جاءت في مصلحة بريطانيا؛ حيث تشترط أن يعامل أتباع الملك بصورة تفضيلية تسمح بامتلاكهم أو استئجارهم بأي صورة شرعية أملاكاً مهما كانت صفتها، منقولة أو غير منقولة في أقطار السلطان، بينما لم تعطى هذه الميزة لرعايا السلطان الذين قد يودون إمتلاك العقارات في بريطانيا .
وتحدثت المادة السادسة عن مساواة المعاملة في الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة والمصدرة بنفس معاملة بضائع الدول الأجنبية الأخرى، وقررت نفس المبدأ في المعاملة بالمثل بين أقطار الطرفين، إلا أن هذه المادة في جزءها الرابع استثنت بضائع الترانزيت والبضائع الموردة للإنجليز في القواعد العسكرية من الرسوم الجمركية المقررة، وهو بند يحرم السلطنة من مصدر دخل مهم ، كما أنه لا يوجد ما يقرر مبدأ التبادل في هذا البند، فهو استمرار لما جاء في المادة الخامسة من معاهدة 1939.
وحددت المادة السابعة قيمة البضائع التي تدفع عليها الرسوم الجمركية بأسعار السوق تبعاً للعرف التجاري في مسقط ، وهو تحول إيجابي عن ما ورد في المادة السادسة من معاهدة1939 ،التي قررت إن الأسعار تقررها لجنة التعريفة التي يعينها السلطان، وتشمل عددا مساويا من أتباع السلطان وأتباع الملك ويرأسها مدير جمارك السلطان .
وتقرر المادة الثامنة إن الضرائب الداخلية المفروضة على أي من أتباع الطرفين في أقطار الطرف الآخر لا تختلف عن مثيلتها في الطرفين أو البلاد الأجنبية الأخرى ، وفي هذه المادة لا يوجد معاملة تفضيلية لطرف على حساب الطرف الآخر، وإنما هناك مساواة حتى مع الدول الأجنبية الأخرى .
كما تحدثت المادة التاسعة عن عدم المنع أو التضييق أو الحظر على استيراد البضائع إلى أقطار الطرفين؛ إلا في حالات متفق عليها في نفس المادة مثل المنع لمصلحة الأمن العام، أو منع تجارة الأسلحة، أو المنع لمصلحة مراقبة انتقال الأمراض الحيوانية والنباتية، ولا يوجد معاملة تفضيلية في هذه المادة .
وتعهد السلطان في المادة العاشرة أن يتخذ التدابير اللازمة لعدم إعاقة حركة مرور البضائع بأنظمة ومراسيم جمركية غير متفق عليها، وأن يقدم كل التسهيلات لنقل هذه البضائع، ويلاحظ عدم انطباق نفس الشرط على الملك.
ونظمت المادة الحادية عشرة التبادل القنصلي بين الطرفين المتعاهدين؛ حيث نصت على أنه لأي فريق من الفريقين المتعاقدين أن يعين قناصل يقيمون في أقطار الفريق الآخر، بشرط أن يقبل الطرف الآخر، ويرضى عن الأشخاص المعينين على هذه الصورة، وعن الأماكن التي يقيمون فيها، ويعمل هؤلاء القناصل تبعاً للقانون الدولي المتبع في عمل القناصل من حيث الأعمال القنصلية و الامتيازات والحصانة. وهي مادة مكررة من معاهدة 1939، ويلاحظ عدم رفع منصب القنصل إلى سفير، وعدم تعيين قنصل لسلطنة مسقط وعمان في لندن حتى الستينات من القرن العشرين.
وتلزم المادة الثانية عشر الطرفين بأعمال الإنقاذ وتوفير الأمن، للسفن والطائرات والركاب والبضائع المتعرضة للحوادث الطارئة في أي من بلاد الطرفين، وهي مادة مكررة من المعاهدة السابقة وينطبق عليها مبدأ التبادل .
وتقر المادة الثالثة عشر بتمتع أتباع الطرفين بشعائرهم الدينية علناً في أقطار الطرف الآخر بحرية وتسامح ديني، مع اشتراط عدم الإساءة إلى المشاعر الدينية لدى الطرف الآخر، وأن لا يبنى أي بنيان للعبادة دون أذن من السلطات المحلية. وهي مادة تبادلية تنظم إقامة المساجد والكنائس في أقطار الطرفين .
أما المواد الرابعة عشر والخامسة عشر والسادسة عشر من المعاهدة فتنظم خطوات وإجراءات توقيع المعاهدة وتحدد المادة السابعة عشر مدة صلاحية المعاهدة ، فتقرر أن بنود المعاهدة تظل سارية لمدة خمس عشرة سنة ابتداء من يناير 1952، كما تجيز أن ينهي كل طرف هذه المعاهدة في أي سنة يشاء، على أن ينذر الطرف الآخر قبل سنة واحدة من التاريخ المطلوب لإنهاء المعاهدة .
من خلال المواد السابقة للمعاهدة نلاحظ أن هناك تغييراً إيجابياً بين المعاهدتين الأولى لسنة 1939، والثانية لسنة 1951 ، حيث أن عدداً أكبر من بنود المعاهدة الجديدة بني على أساس التبادل، وألغي عدد من البنود التي تحد من حرية سيطرة السلطان على الأمور، كما ألغيت الامتيازات الإضافية التي كان يتمتع بها الرعايا البريطانيون دونا عن المواطنين العمانيين .
ولم يُذكر في هذه المعاهدة أي شيء بخصوص المحاكم القنصلية . ورغم كل هذا التطور والفرق الإيجابي بين معاهدة 1939 ومعاهدة 1951 إلا أنه كانت هناك إضافات في العلاقات بين بريطانيا وسلطنة مسقط وعمان، تمثلت في المراسلات المتبادلة بتاريخ 20 ديسمبر سنة 1951 بين المقيم السياسي البريطاني في الخليج هاى Hay والسلطان سعيد بن تيمور، وبموجب هذا الاتفاق خول القنصل البريطاني السُلطة على بعض المواطنين البريطانيين غير المسلمين، ورعايا المحميات البريطانية فيما يختص بالتهم الجنائية ضدهم والقضايا المدنية المقامة عليهم. وتتقلص هذه السلطة فيما يتعلق برعايا بلدان الكومنولث، وذلك يعني استمرار وجود المحاكم القنصلية البريطانية في سلطنة مسقط وعمان.
المصدر: كتاب “الأوضاع السياسية العمانية في عهد السلطان سعيد بن تيمور