إبراهيم بن محمد العيسائي
عندما أسلم الصحابي الجليل مازن بن غضوبة السمائلي العماني – رضي الله عنه في حضرة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، طلب من رسول الله الدعاء لأهل عمان (قال مازن : ” فقلت يا رسول الله : أدع الله تعالى لأهل عمان . قال : اللهم اهدهم وأثبهم . فقلت : زدني يا رسول الله . فقال: اللهم ارزقهم العفاف والكفاف والرضا بما قدرت لهم . قلت: يا رسول الله إن البحر ينضح بجانبنا ، فادع الله تعالى في ميرتنا وخفنا وظلفنا . قال : اللهم وسع عليهم في ميرتهم وأكثر خيرهم من بحرهم . قلت :زدني. فقال : اللهم لا تسلط عليهم عدوا من غيرهم ..قل يا مازن “آمين” …فإن آمين يستجاب عنده الدعاء . قال : قلت آمين) .
إن بركة دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل عمان بالهداية تمثلت في تمسكهم بالإسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في وقت أرتدت فيه أغلب القبائل في الجزيرة العربية عن الإسلام، ولم يكتف العمانيون بالثبات على دينهم بل شاركوا في إخوانهم المسلمين في قتال المرتدين كما ساهموا مساهمة فعالة في الفتوحات الإسلامية مثل فتح بلاد فارس والعراق والشام ومصر، إضافة إلى المساهمات العلمية والفكرية في الحضارة الإسلامية خاصة والإنسانية بشكل عام.
من جهة أخرى فإن عمان وعلى مر التاريخ لم تشهد حروباً مذهبية أو طائفية أو عرقية بل أتصف العمانيون بالتسامح والتعايش مع المخالفين لهم في الأفكار والمعتقدات وكانوا منفتحين على مختلف الحضارات الإنسانية، ولهذا فإن العمانيين أستطاعوا نشر الإسلام في الصين ومناطق شرقي آسيا من خلال قوتهم الناعمة وهي الأخلاق الحميدة وفي هذا الإطار فقد لقب حاكم الصين التاجر العماني أبو عبيدة عبدالله بن القاسم ب “جنرال الأخلاق الطيبة” ففتحت هذه الشعوب قلوبها قبل أن تفتح بلادها لهم، وهو ما جعل الدين الإسلامي يترسخ في تلك البلدان عن قناعة ويقين بصدق هذا الدين الحنيف وسماحته.
كما رفض العمانيون الأفكار والمعتقدات المتطرفة حيث كانوا من أسبق الدول التي حاربت الخوارج وأفكارهم مثل النجدات والصفرية والأزارقة، كما حاربوا القرامطة وغيرها من الحركات التي تتعارض أفكارها مع الفطرة الإسلامية والطبيعة العمانية التي لا تقبل ما يخالف المبادئ التي جُبل عليها الإنسان العماني من الوسطية والإعتدال والتسامح والتعايش ورفض العنف والتطرف الفكري والمادي، كما تعامل العمانيون بالأخلاق الإسلامية مع المعتدين على أراضيهم والمخالفين لهم في الدين، فعندما أستولى نصارى الحبشة على جزيرة سقطرى جهز الإمام الصلت بن مالك الخروصي رحمه الله جيشاً لإستعادتها، وأوصى قادة جيشه بوصية كتبت في خمسة عشر صفحة وسميت “عهد الإمام الصلت بن مالك” حيث ننقل منها هذه السطور الثلاثة حيث دعا الإمام جيشه قائلاً:” وكفوا أيديكم وألسنتكم عن دماء الناس، وأموالهم وأعراضهم بغير الحق، واجتنبوا قول الزور، وأكل الحرام، ومشارب الحرام، وجماعة السوء، ومداهنة العدو، وأدوا الأمانات إلى أهلها ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، وفي هذا دلالة واضحة على أن العمانيين يتعاملون مع البشرمن منطق الرحمة، وعدم تحميل الإنسان وزر غيره، وعدم الفجور في الرد على الإعتداء، وإحترام حقوق الآخر حتى في الحرب، بغض النظر عن دينه وعرقه ومذهبه وهي مبادئ طبقها العمانيون قبل أن تظهر ما تسمى بمنظمات حقوق الإنسان والمتشدقين بالحريات.
وفي ذات الإطار فإنه ومع شيوع جماعات الإرهاب والتطرف باسم الدين لم نرى أحداً من العمانيين أنخرط في هذه الجماعات وهو ما أثار تساؤلات المحللين والمراقبين عن سبب إبتعاد العمانيين عن الإرهاب والتطرف، فنقول لهم هذه بركة دعوة رسول الله لهم بالهداية “اللهم أهدهم وأثبهم” كما لم تجد المنظمات الإلحادية والمنحرفة المناهضة للدين مرتعاً لها في عمان بسبب وعي العمانيين المستمد من دعوة الهداية لهم، إضافة إلى ذلك فإنه ورغم الأجواء الملتهبة في الإقليم العربي وإنشغال البعض بإثارة الفتن وسفك الدماء في البلدان العربية نفتخر نحن في عمان بطهارة يد القيادة العمانية والشعب العماني من سفك قطرة دم واحدة في أي بقعة من العالم.
نعم منَ الله علينا بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بالهداية فأصبحت الوسطية والإعتدال والتسامح والتعايش والأخلاق الحميدة سمة من سمات الشخصية العمانية لا تنفصم عنها، فالقيادة العمانية يشهد لها القاصي والداني بحكمتها في معالجة القضايا، وبعدها عن الخلافات والمهاترات فأصبحت تمتلك رصيداً كبيراً من المصداقية والثقة بالنفس جعلها رقماً صعباً في المعادلة السياسية الإقليمية والعالمية، كما تناغم الشعب العماني مع قيادته فلم يوصم عماني بصفة الإرهاب والتطرف، ولم يرتع العماني في مواطن الفتن والحروب، وأتسم الخطاب الديني العماني بالبعد عن التكفير، وأسلوب إلغاء الآخر، ورفض التحريض المؤدي إلى العنف والمهالك وسفك الدماء وتدمير المجتمعات، فالمجتمع العماني يعيش حالة من الرضا والتصالح مع الذات فأنعكس سلاماً داخلياً، ووحدةً وتلاحماً مجتمعياً قل نظيره في الإقليم العربي.