حَمد الناصِري*
يَبْدو أنّ حَملة الزّج بفنّانات وإعلامِيّات عَربيات لِلتّرويج لِخَلع الحِجاب وتَصْوير الموضوع أنّه تَحرّر مِن التقاليد التَعسفيّة المُقيّدة لِلمَرأة هو في حَقيقة الأَمْر كِذْبَة ساذِجَة لَم ولَن تَنْطلِي إلاّ على السُذّج أو المَغْسولة أدْمِغتهم بشامْبُو الإباحيّة الغَربيّة المَسْموم… وهُو كما يَبدو عَملٌ مُمَنْهَج وحَمْلةٌ شَعْواء مُسِيئة لحِجَاب المرأة المُسْلِمة ومُشوّهَة وصاخِبة ضِد الدِيْن الإسلامي بشكل شامِل ، فالتّعبير عن الحريّة الشخصيّة لا يكون مُبَرّراً لِفَرض ثقافَة تَعْرِية المَرأة وإباحَة الجِنْس والشُّذوذ ، وتلكَ الحَملة الشّعْواء لَم تَتوقّف يوماً عَن الدّعْوة إلى مُحارِبَة الحِجاب والتّحريض على الإِنْسلاخ الكامِل من الجُذور القِيميّة الإِسْلامية وحتّى الإِنْسانية، وإظْهار صُورة المُسْلمة المُتحجّبة أنّها مَخْلوقَة مَحْرومَة من أبْسَط مَعاني ومُمارسات الحريّة الفرديّة وكأنّ الحريّة الفرديّة لها مَعْنَى وشَكْل واحِد ، ألا وهُو التّعرِي والإباحيّة.؛ يقول جون لوك John Locke فَيْلَسوف وطَبيب بريطاني ، ويُعدّ أَحَد أَعْظمِ الفلاسفةِ الإنجليز في أواخرِ القَرنين السّابع عَشر والثامِن عَشر ، قال عَن الحريّة ( هي القدرة على الحركة ضمن القوانين الطبيعية وابداء الرأي بلا قيود ..) وقَد يَحْمِلُنِي التّساؤل إلى الواقع المُعاش الذي هُو ضِمْنَ فَلسفة القوانِين الطبيعيّة التي عَرّفها ” جون لوك ” لماذا تُجْبَر النّساء العربيّات على خَلْع الحِجاب ؟ أو هَل إجْبار المرأة المُسْلمة مِن خلال فَرض ثقافَة مُعيّنة غَير طبيعيّة كاسْتخدام الإعلام المُوجّه بدَعْوى تَحْريرها أمْ أنّ تلكَ الثقافة ـ غير الطبيعية ـ التي عناها المفكّر البريطاني ” جون لوك ” هيَ اسْتعبادها بالأَفْكار غير الصَحِيحة دون أنْ تَعْلَم؟.
يقول ” إيمانويل كانْت ” فَيْلَسوف أَلْماني مِن القَرن الثامِن عَشر ويُعدّ ـ كانْت ـ آخر فلاسِفَة عَصر التّنوير ( لا أحد يستطيع إلزامي بطريقته كما هو يريد لأصبح فرحاً وسعيداً، كل منا يستطيع البحث عن سعادته وفرحه بطريقته التي يريد وكما يبدو له الطريق السليم، شرط أن لا ينسى حرية الآخرين وحقهم في الشيء نفسه.).
نَعم .. نَحن نَنْتقِد العُرِيّ لأنّه ظاهِرة غَير طبيعيّة والإنْسان مُنذ بَدء الخليقة كانَ يُغَطِّي جَسده وقد تَعَلّم كيف يُواري سَوءةَ أخيه الإنْسَان مِن المَصادِر الأقلّ شأناً مِنه؛ فلماذا إنْسان العالم الغَربي يُريد أنْ يُفْرِض ثقافَته علينا بالإكْراه ولَمْ نُفْرِض ثقافتنا عليهم إِكْراهاً ، فآرائِنا على الآخَرين مِن خِلال تَسْخِير امْكانيّاتِنا لِمُحاربَة مُعْتقدات الآخرين في طَريقة لُبْسِهم أو أكْلهم أو مَعِيشتهم .. بَيْدَ أننا نَعْلم يقيناً أنه عُريّ لا إسْتِقامة فيه ، ورغمَ إيماننا بأنه كذلك، لكنّا نَحْترم ما يَعْتَقِدُه الآخرون بغضّ النّظَر عَن رَأْيِنا في تلكَ المُعْتَقدات ..
والحقيقة أنّ ما نَشْهده وخُصوصاً في العَقْدَين الأَخِيرين أنّ الحُريّات التي يُسَلّط عَليها الإِعْلام الغَربي أضْوائِه لَيْسَتْ في مُخالفة المأْلُوف الغَربي أو اعْتِبارها بأنّها قِيَم وعادات دِيْنيّة لِمُعْتَنِقها ، ولهُ مُطْلَق الحريّة في تَبَنِّيها والأَلْتِزام بها فَحَسْب بَلْ في كَوْنِهم يُقِيِّمُون الحِجاب على أنّه تَقْيْيِد لِلحريّة الشَخصيّة.
يقول ابراهام لينكولن الرئيس الامريكي السابق ( من ينكر الحرية على الآخرين لا يستحقها لنفسه.).
ومِن هذا المَبْدأ نَطْرَح فِكْرَنا الإسْلامي في حُريّة المَرأة المُسْلِمة في لُبْس الحِجاب أو النّقاب واعْتباره حُريّة شَخصيّة ولَيْسَ تَجاوزاً أو تَعدّياً على حُريّات الآخرين فالمادة ٢ مِن قانون حُقوق الإنْسان في الأُمم المُتّحدة تَنص ( لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سِيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر) .
والواضِح أنّ حَملات انْتقاد طريقة لُبْس المُسْلِمات هُو تَعدّي صَارِخ على حَقّ مُهِم مِن حُقوق الإنْسان وتَصْوِير أيّ أُسْلوب حَياة لا يَتماشَى مَع الطريقة الغَربيّة يرونَهُ أُسْلوب تَعَسفيّ أو مُقَيّد ، ولذا فنحنُ نَعْتبرهُ ـ أيضاً ـ طَرح ظالمٌ ومَنْقُوص الفَهْم والإِدْراك.
وبِفعْل تلكَ الحَملات الهِستيريّة ضِد الحِجاب رَضَخت بَعض الحكومات الأوربيّة واصْدَرت قوانِين تُحَرّم النّقاب والحِجاب في الأماكِن العامّة وتُفْرِض عُقوبات تَصِل إلى السِجْن والغرامَة لِمَن لا يَلْتَزم بتلكَ القوانِين الجائِرَة.
ونَحن نَسْمع ونَرى كثيراً مِن الفَتيات الغَربيّات اللّواتِي نَشأْنَ وتَرعْرَعْن على قِيَم الحضارَة الغربيّة إِلْتَزمْنَ بالحِجاب الشّرعِي بِشَكْل طَوْعِي فَور دُخولهن الإسْلام رَغْم أنّ لديهنّ مُطْلَق الحُريّة في عَدم الإلْتِزام بِزيّ مُعيّن بِحُكم طبيعَة نَشْأتِهنّ دون وِصَايَة ثقافيّة أو إِمْلاءات ضِدّ حُريّة أيّ مِنْهُنّ ، لكنّ إلْتزامهنّ الإيْماني بثوابت الدِّيْن ، جعلهنّ مُتمسّكات بشَرعيّة الحِجاب أكْثَر مِن بَعض المُتأسْلِمات .. وثِقتَهنّ بأنّ تلكَ الثوابِت الشَرعيّة بأَمْر الحِجاب لا تَتعارَض مَع القِيَم المُجْتمعيّة لأيّ بَلد أو ثقافَة ولا تُخالِف مُعْتَقدات غَير المُسْلمين. بَلْ أنّ الحِجاب يَمْنَح المَرأة وقاراً ويَكْسِبُها احْتِراماً أكْبَر ، فضْلاً عن قِيْمتها النفسيّة وكرامتها الإنسانيّة التي تَبْعدها من السفور لترتفع إلى ثَقافة أَرْقَى وأجَلّ شأناً وأَعْلَى قيْمَة.؛
أسُوق كلامِي هذا ، وقد انْتَشَرتْ في الآوِنَة الأَخِيرة مُوضَة خَلْع الحِجاب في مُجْتمعاتنا الإِسْلامية بدَعْوَى أنّ الحِجاب يِتَعارض مَع الحُريّات الشَخصيّة ، وتَداعتْ بَعض النِسَاء المُسْلمات ، فلهَثْنَ خَلْف مَظاهِر المُوضات الغربيّة كأنّ المُوضَة هيَ جَوهَر الحُريّة الفَرديّة … وأصْبَحت مَظاهِر مُوضات غريبّة تِكْتَسح عالِمَنا الإسْلامِي بدَعْوَى التّقارب مَع الثّقافات الأُخْرَى .. وانْتِقاد الفَتيات المُتَحجّبات بأنّهُن مُنْغَلقات على التّحَرّر والإنْفِتاح الفِكْري، وتعدّى ذلكَ الأمر إلى أنْ يُوصَفْنَ أَحْياناً بالمُتَخلّفات، أو الجاهِلات بالحريّات.!
واضْحَت المُبادرة للتمدّن والمدنيّة العَوْجاء او الداخِلة إلى أُتُون الحداثة المُجتمعيّة والمُسارعة إلى التَطْوِير الذّاتِي أو التي تَبْحَث عَن الشُهْرَة أنْ تَخْلَع الحِجاب وأنْ تَرْتَدِي مَلابِساً مُطابقة لآخِر مُوضَة حتّى وإنْ كانَت تلكَ المَلابِس تُظْهِر عُريّاً أكْثَر مِمّا تَسْتُر.!!
وهذه لَعَمْرِي إِسَاءَة كبيرة لِلْمَرأة وعَرضِها كَسُلْعَة رَخْيصَة في سِيْرك البشر .. ومن الغرائِب البشريّة ففي سيرك فرنسا المعاصِر ، الذي عُرف بسيرك الشمس او سيرك دو سوليه او (Cirque du Soleil ) ففي هذا السيرك استغلال البشر الضعفاء الذين خلقوا ببعض التشوهات الجسدية .. وفي سيرك فريكس الإنجليزي ، بدا الإسْتغلال واضِح لِلْبَشر حِيْنما طَوّعوا بَعْضَهم رَغم إعاقاتهم واخْتلافهم ، لِيِكونوا ضِمْنَ عُروض سِيرك فريكس.
بَيْنما نَرى في الجانِب المُضِيئ مِن مُجْتمعاتنا نِسَاء في أَعْلَى دَرجات الثّقافة والوَعْي والحُضور في قِمّة الإلْتِزام بدَورهنّ الحضارِي والإجْتماعي والعِلْمِي ويَرتَدِين الحِجاب ولا يَزيدِهنّ إلاّ جَمالاً واحْتِراماً فالحُريّة لا تَعْنِي أنْ تكون المَرأة سِلْعَة تُباع بأثْمان بَخْسَة واحْترام المَرأة وتَقْدِيرها في الدُول الإسْلاميّة أكْبَر وأَرْقَى مِمّا هُو في دُول الغَرب والإحْصائيات الرَسميّة تُثْبِت ذلكَ فأعْلَى نِسَب الإغْتِصاب والإعْتداء وقَتْل النَّساء هيَ في الدُوَل التي تَدّعِي أنّها أكْثَر تَحرَراً وتَحضّراً .
أَدْعوا المُجْتمعات الإسْلاميّة والعربيّة لِلتّوعِية الهادِفَة والمُنظّمَة لِتلكَ الظاهِرة والرّد العِلْمِي على مُحاولات تَشْوِيه مُعْتقداتنا وطريقة عَيْشَنا وأنْ نُكَوِّن مَوْقِفاً ثابِتاً في وجْه تلكَ الحَمْلَة الشّرسَة لِتَغْيِير واقِعَنا ودِيْننا وَوقْف الإعْتداء على حُريّاتنا وفي اعْتِناق الدّيْن والفِكْر والمَلْبَس والمأكَل .
ويَتوجّب على وسائِل الإِعْلام العَربيّة والمُسْلِمَة كافّة بَثّ الوَعْي بأهميّة الِإلْتزام باللِّباس الرّصِيْن كَوْنَه يَحْمِي ويَحْفَظ كرامَة المَرأة واحْتِرامها .
*كاتب عُماني
Hamadalnasri111@gmail.com