الكاتب: جابر العماني
من أكبر المعوقات التي تسببت في عدم تطوير العالم الإسلامي هو “الفساد والإرهاب”، فالفساد هو إتلاف المال العام للشعوب ، والإرهاب هو إتلاف الأرواح البشرية ، ومن الصعب إيجاد ازدهارٍ للأمة الإسلامية إذا لم يتوفر فيها العدل والأمن والاستقرار .
إن الإرهاب ينقسم إلى أنواع عديدة، منها: الإرهاب الديني، والإعلامي، والسياسي، والفكري، وغيرها ، وإن من أخطرها على الإطلاق هو الإرهاب الديني المتطرف الذي جاء من أجل محو صورة الإسلام واستبداله بما لا يليق بسمعته ومكانته في العالم الإسلامي .
ومن المؤسف أن الإرهاب الديني المتطرف وصل إلى بعض مساجد المسلمين فصار المسلم يدخلها على وجل وخوف ، تلك بيوت الله التي ينبغي أن تكون محلا للأمن والاطمئنان والاستقرار النفسي بذكر الله تعالى ، حيث تحولت إلى ساحات لتكفير المسلمين وسفك دمائهم والاستخفاف بهم.
عن ضرار بن ضمرة رضوان الله عليه، قال: سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -عليه السلام – ذات يوم يوصي كميل بن زياد ويقول له: (يا كميل ذب عن المؤمن، فإن ظهره حمى الله، ونفسه كريمة على الله، وظالمه خصم الله، وأحذركم من ليس له ناصر إلا الله)
إن المحافظة على الدين والأرواح والدفاع عن الأعراض وحفظ الأنفس وحمايتها من الإرهاب هي من أهم الضروريات الدينية ، التي يسعى من أجلها ديننا الإسلامي الحنيف ، فدماء البشر عند الله سبحانه وتعالى محترمة ومصونة ومحرمة ، لا يحل سفكها وإزهاقها وانتهاكها
قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}سورة النساء آية 93
ويقول :(مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) سورة المائدة 32
عندما نتأمل هذه الآية الكريمة نلاحظ أن الباري عز وجل قال: “نفسا” ولم يقل نفسا مسلمة أو كافرة ، بل جاءت الآية لتعمم الاحترام لكل الأنفس على وجه الأرض مهما كان فكرها وعقيدتها و توجهها فلها حق العيش في عالم الحياة .
ويقول سبحانه في مكان آخر مخاطبا نبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )
عندما نتأمل سيرة النبي الأكرم نجد ذلك القلب الكبير الذي احتوى الناس جميعا بالكلمة الطيبة التي تخرج من القلب إلى القلب ، وهنا من الواجب على من يدعو إلى الله تعالى أن يسير على نهج وسيرة نبي الرحمة الذي كان يسعى لمحاربة الإرهاب والفساد من خلال توعية المجتمع بأهمية احترام الإنسان وتقديره وإجلاله وحفظ كرامته .
ومن المؤسف عندما نرى الداعين إلى الله لا يدعون الناس إلى خالقهم إلا بلغة الأوامر والنواهي، متناسين لغة المنطق والحوار والاحترام و كيفية التبني لشباب الأمة بالطريقة السليمة بهدف حمايتهم من الانزلاق في مكامن الإرهاب، قال تعالى: (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) سورة آل عمران 159
إن مسؤولية علماء الأمة اليوم هي احتواء الناس بالكلمة الطيبة والمنطق والحوار الهادئ والهادف الذي هو في حد ذاته كفيل بنشر الوعي بين الناس وانتشالهم من ظلمات الإرهاب والفساد إلى نور الهداية والصواب ، وهذا لا يكون إلا بنشر روح التسامح والتعايش بين الجميع .
إن الإسلام عندما دخل إلى البلاد عمرها ولم يهدمها ، على عكس ما نراه اليوم في بعض بلاد المسلمين ممن ينسبون أنفسهم إلى الإسلام والإسلام بريء منهم لما ينشروه من إرهاب وفساد في بلاد المسلمين؛ حيث دخلوها وهدّموا حضارتها وتاريخها باسم الإسلام ، إن هؤلاء هم من شوهوا صورة الإسلام والمسلمين ، ولو نطق الإسلام اليوم لقال: إني برئ مما ينسب لي من إرهاب وفساد .
اليوم هناك مسؤولية كبيرة على الأصوات المعتدلة في العالم ، عليها مخاطبة الأمة بخطاب العقل والمنطق والاحترام والتقدير ، حتى يستطيعوا أن ييسروا ولا يعطلوا وأن يبشروا ولا ينفروا .
إن الحديث عن مكافحة الإرهاب لا يعني القضاء عليه بالشكل الكامل؛ وإنما هو محاولة لتطهيره وتجفيف منابعه بحيث لا يشكل خطرا أو تهديدا على المجتمع ، إن مكافحة الإرهاب تتطلب الجهود الجبارة المخلصة التي تسعى من أجل حماية المجتمع والدفاع عنه ، وهنا نذكر بعض تلك النقاط الهامة التي يستطيع الإنسان من خلالها مكافحة ظاهرة الإرهاب :
* تشخيص ظاهرة الإرهاب بدقة ومحاولة معرفة حجمها وتفاصيلها ومواردها ومصادرها حتى لا يكون محاربتها مجرد أوهام لا يستفاد منها.
*وضع الخطط الاستراتيجية المدروسة ، طويلة الأمد للتصدي لظاهرة الإرهاب .
* التحليل السليم لقدرات التنظيمات الارهابية في العالم ووسائلها وإمكانياتها من أجل الاستعداد لمواجهتها بالشكل المطلوب .
* تجريم الفكر المتطرف دستوريا من خلال سن قوانين رادعة تمنع ترويج أي فكر يهدد التعايش السلمي الاجتماعي في العالم.
* وضع قانون جزائي في كل دولة ينص على عقوبة جزائية لكل رمز ديني يدعو لممارسة الإرهاب بأشكاله وأنواعه .
أخيرا إن المجتمع هو البيئة الحاضنة التي ينمو فيها الإنسان وتنمو فيها مداركه وأحاسيسه وعقله وكيانه ، فعلى جميع أبناء المجتمع البشري تنمية عوامل التوازن المادي والمعنوي لدى الإنسان ، فأي خلل في توازن تلك العوامل ، من شأنها أن تؤدي إلى إيجاد خلل في توازن الإنسان سواء كان في تفكيره أو منهج تعامله ، فالإنسان ابن مجتمعه وما يحدث في مجتمعه ، من الطبيعي سيؤثر عليه سلبا أو إيجابا ومن هنا فإن من أهم الواجبات محاربة الإرهاب بأشكاله وأنواعه ، من أجل عدم وصوله إلى المجتمعات الآمنة ، ومن أجل حفظ العدل والأمن الاجتماعي .