سعاد علي العريمية
كل ظلم في الأرض وراؤه الكبر، فلو تتبعنا قصة الكبر من بداية خلق الإنسان ،نجد أن إبليس هو أول من تكبر واستعلى ،وعصى أمر الله ،ولم يسجد لمن خلقه الله بيده “أبونا آدم”،ولم ينحو منحى الملائكة المكرمين من الذين وقعوا ساجدين استجابة وطاعة لخالقهم ،فتكبر ابليس وجادل الله في ذلك، وقد ورد ذلك في آيات عدة في القرآن الكريم ومنها قوله تعالى: “وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)” سورة الأعراف .فاستكبر ابليس بأصله ،فكل من تعالى بأصله فهو يحتج بحجة ابليس .وقد يتكبر الإنسان على أخيه ليحسده على ما فضله الله به ،كقابيل الذي قتل أخاه هابيل ؛لأن الله تقبل عمل هابيل ولم يتقبل عمل قابيل ..فرأى أنه الأفضل ،ولم يعالج هذا المرض النفسي بتوبة منه واتقان عمل ،كما أتقن أخاه هابيل.
وهناك من القصص والعبر في التاريخ ما تدل على أن كل فساد في الأرض أنما يكون مصدره الكبر والمتكبرين. فقوم عاد وثمود بغوا وأفسدوا في الأرض ،وكذلك فرعون الذي أذل الضعفاء ،وتكبر ،وقال: “أنا ربكم الأعلى” وعظم نفسه إلى درجة إدعاء الألوهية ،وقارون الذي تكبر. وقال؛ “إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندي”87 سورة القصص،إنما أعطيت هذا المال لعلم عندي ،وتناسى فضل الله عليه ،فكل ما أعطانا الله أنما هو بفضله وكرمه ورحمته، حتى العبادة التي نوفق لأدائها أنما هي بفضل من الله وقبولها كرم منه سبحانه .ومهما عملنا لم نؤدي حق الله علينا،الذي قال:” كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ “الآية23،سورة عبس،فصفة الكبر صفة لله ولا يمكن أن تكون لأحد غيره .فقد ورد في حديث قدسي ،أن الله تعالى قال:”الكبرياء ردائي ،والعظمة إزاري ،فمن نازعني واحدة منها قذفته في النار”.
فهي صفة لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي تعاظم في جلاله وكماله وصفاته وأفعاله .وقد جاء في سنة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ،عن عبدالله بن مسعود قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة؟، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بَطَر الحق وغمْط الناس.
وعرّف الزبيدي الكبر بأنه حالة يستعظم فيها الإنسان نفسه بحيث يراها أكبر من غيرها،فهو يستهين بغيره ومعجب بنفسه ،ومستحسن ما فيها من خصال.فإذا ما أستحسن الإنسان نفسه وأعجب بها واحتقر غيره ،فقد وقع فيما وقع فيه ابليس من كبر .فعلينا أن نكون حذرين من شرور أنفسنا ،والكبر أهمها ،ونردها إلى طريق الاستقامة ،فقد يؤدي الكبر بالقوة إلى الاعتداء على حقوق الآخرين تكبرا وتجبرا ،وهذا النوع من الغرور دفع الكثير من الأمم إلى حروب محتدمة يقتل فيها آلاف الأبرياء ،ويجوعون وتسلب أموالهم وتدمر أراضيهم ،وكل ذلك تكبرا بالقوة ،وما القوة إلا من عند الله العلي العظيم .وقد يكون الكبر متمثلا في دناءة خلق تدفع الإنسان إلى أن يأكل مال غيره بغير وجه حق ،وقد يدفعه إلى التقصير في عمله ،وبذلك يضر بمصلحة العامة.
وقد تنهار أمم بسبب التكبر ،وقد يخسر الإنسان دنياه وآخرته برفضه الحق وعناده لله أو تعصبه لقبيلة ،كأبي جهل الذي رفض الدخول في الإسلام كي لا تفوق قبيلة “بنى هاشم”قبيلته ،فعاد الرسول صلى الله عليه وسلم ،وأبى الدخول في الإسلام .ورضى بأن يكون يكون مصيره نارا خالدا فيها .وتكبر كثير من العلماء ،فألحدوا ورفضوا الايمان مع اقتناعهم بذلك ؛لأنهم عظموا أنفسهم وعاندوا فطرتهم .وفي المقابل نرى تواضع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مع الصغير في ممازحته لعمير”يا عمير ما فعل النقير”،وتواضعه مع الكبير في ممازحته للعجوز التي قال لها :”لا يدخل الجنة عجوز درداء”،وسيرته النبوية تزخر بمواقف كثير عن تواضعه ،حتى مع نصره عقب غزواته يكون أشد المسلمين تواضعا تأدبا مع الله .ويرد كل فضل لله .وكذلك صحابته أبوبكر الذي كان يتخفى بعد صلاة الفجر ليدخل بيت عجوز عمياء فيعجن عجينها ويخبز خبزها ،ويكنس بيتها ويحلب شاتها .وعمر بن الخطاب الذي طبخ بيده طعام المرأة وأطفالها الجياع على أطراف المدينة.
فبسيرة سيدنا محمد وصاحبته وأهل بيته نقتدي ،لنكون متأدبين مع الله ،ناسبين كل فضل لله ،وناصحين أنفسنا قبل غيرها ؛لنتجنب هذا الصفة التي لا تليق إلا برب العزة ،سبحانه المتكبر في جلاله وكماله.
*الصورة من محرك البحث العالمي(جوجل)