د. هلال بن عبدالله الرقادي
هنالك اجماع بين الباحثين في مجال الاقتصاد على أهمية الدور الذي تقوم به المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في نشاط الاستثمار ورفع مستوى التطور الاقتصادي؛ لذا اهتمت الحكومات بتوفير الدعم لهذه المؤسسات من أجل التأكيد على استمرارية أفضل الطرق لدعم جهود تطور الاقتصاد المحلي.
كما أن للمؤسسات المتوسطة والصغيرة أهمية كبيرة في دول العالم، وخاصة في الدول النامية، إذا أخذنا بعين الاعتبار التفاوت الكبير بين المشاريع الصغيرة في الدول الصناعية المتقدمة مقارنة بالمشاريع الصغيرة في الدول النامية من حيث كمية رأس المال والناتج العُمالي المستخدم في الدول المتقدمة (كمية المجازفة برأس المال في الشركات الكبرى يتجاوز العشرين مليون دولار، في حين تتطلب المؤسسات الصغيرة في الدول النامية بين العشرين ألف ومائة ألف دولار). وهذا الوضع يعكس طبيعة التطور الاقتصادي بشكل عام لاسيما في الدول الصناعية. وعلى الرغم من ذلك، تلعب المؤسسات الصغيرة دوراً ايجابياً ومهما في الدول النامية من حيث توفير فرص التوظيف لكل الفئات الاجتماعية، فضلاً عن المساهمة في زيادة الدخل وتحقيق الكفاية الذاتية لبعض السلع والأطعمة المطلوبة في المجتمع.
إن توزيع أنشطة المؤسسات الصغيرة في مناطق التجارة والصناعة والخدمات وغيرها من القطاعات الاقتصادية يتطلب من الحكومة العمل على تطوير المشاريع لتطوير إستراتيجية موحدة لمحاربة الفقر والبطالة، ولزيادة الإنتاج. ولهذه المؤسسات دور مهم في المبادرة لإعادة توزيع استغلال المصادر المحلية. ولذلك فإنه من الأهمية بمكان أن تعمل الحكومات على إعادة تأهيل هذه الخدمات ودعم المعلومات والمعرفة لدورها في الإسهام في زيادة الإنتاج والتسويق والتطوير الأمثل للأفكار الإبداعية مع توفير الحماية لها من خلال قوانين حقوق النشر المحفوظة.
واستناداً إلى بعض المؤشرات الحكومية لبعض الدول، تشكل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أكثر من تسعين في المائة من مجموع المؤسسات العاملة في مختلف القطاعات، وتساهم في توظيف 60% من القوى العاملة متضمنة في حدود 50% من مجموع الإنتاج الإجمالي المحلي في الدول النامية بالمقارنة ب 70% إلى 80% في الدول المتقدمة.
والسؤال الذي نطرحه هذا المقال هو كيف ستتمكن دول العالم الثالث من الاستفادة من نظام الملكية الفكرية، وإدارتها وبحثها عن الحلول العملية لتطويره وتعزيز أهدافها؟
ولعل القارئ بعد الاطلاع على هذا المقال سيدرك الوضع الحالي لقضايا الحقوق الفكرية في المشاريع المتوسطة والصغيرة ، وأهمية الحقوق الفكرية للمشاريع المتوسطة والصغيرة، كما أنه سيتعرف على التقنيات الموجهة لرفع مستوى إدراك الملكية الفكرية للمؤسسات المتوسطة والصغيرة؛ لذا سنسعى إلى التعرف على الواقع المعاصر للمؤسسات المتوسطة والصغيرة، وعلاقتها بالملكية الفكرية، وتأثيرها على الأنشطة الاقتصادية من خلال تتبع أثر الدراسات المتوافرة والمؤتمرات وبعض المصادر الأخرى لفهم المادة بعمق؛ وذلك للإسهام بإيجاد حلول للتعامل مع هذه القضية.
الملكية الفكرية
استناداً إلى التقسيم التقليدي، تنقسم الملكية الفكرية إلى:
الملكية الصناعية: وهي تنقسم إلى براءة اختراع، ونماذج، وتصاميم صناعية، وعلامات تجارية، وأسماء تجارية، ومؤشرات جغرافية.
حقوق النشر: تتضمن أعمالاً أدبية وفنية، وحقوق الفنانين، والمنتجين، ومنظمات البث التي تسهم في إيصال المواد المحفوظة إلى الناس.
والفرق الأساسي بين الملكية الفكرية والملكية المادية التقليدية يعتمد على حقيقة أن الأولى ممتلكات غير مدركه للإنتاج الخاص بالعمل الفكري البشري، والاعتراف بالقيمة الأخلاقية لمبتكريها.
ويمكن تلخيص أهمية الملكية الفكرية، وآثارها بالنسبة للمؤسسات المتوسطة الصغيرة من خلال النقاط الآتية:
أولاً: الملكية الفكرية هي أداة للحد من الفقر وتحفيز تجميع الثروات في الدول النامية، وتطوير محرك النمو الاقتصادي، فالاستخدام الأمثل لنظام الملكية الفكرية هو أحد محركات النمو والرفاهية الاجتماعية.
ثانيًا: الملكية الفكرية هي عامل جوهري لتعزيز التجديد وتنشيط الشركات المتوسطة والصغيرة، فهي تنتج دخلاً للفنانين والممثلين، وكذلك تحمي المعارف التقليدية والموارد التاريخية.
ثالثًا: الملكية الفكرية تعمل على تحويل الممتلكات المادية وغير المادية من خلال الملاك، وتسمح لهم بالتالي لربح ميزات حصرية، وتصاريح، وبيع لمصلحتهم الخاصة أو رهنها.
الملكية الفكرية والمؤسسات المتوسطة والصغيرة
من الممكن أن تستخدم الملكية الفكرية بفعالية من قبل أي نوع من الشركات، ولكن المؤسسات المتوسطة والصغيرة تواجه التحدي المتمثل في الموارد المحدودة للاستثمار في المنتجات الجديدة، أو الخدمات، والتسجيل وفرض حقوقها. بيد أنه لا زالت هناك العديد من الفرص السهلة والرخيصة التي تمكّن هذه المؤسسات بأن تستخدم الملكية الفكرية، وعلى سبيل المثال: (براءة الاختراع، العلامات التجارية، المؤشرات الجغرافية).
قياس استخدام قوانين الملكية الفكرية
حالياً هناك جهود عالمية لتطوير استخدام قوانين الملكية الفكرية في الشركات بجميع أحجامها، فالشركات الكبيرة تستطيع أن تحمي قوانينها بفعالية أكثر، وفي الجهة الأخرى، أصبحت الشركات المتوسطة والصغيرة أكثر وعياً لتبعات انتهاك حقوق الغير.
ويمكن أن نرى أحد الأمثلة المعروفة لهذا التوجه متواجداً في شركات برمجيات الكمبيوتر، في حين أن الشركات الكبرى تبدو قلقة من القرصنة والنسخ غير المرخصة، فهي تجبر الحكومات والمراكز التعليمية وبائعي الكمبيوترات بأن يضمنوا أن كل منتجاتهم التي يملكونها مرخصة.
أما ما يخص المنتجات الأخرى المحمية أيضا، فلا يوجد هناك طريقة بعينها لتتبع كيفية تطويرها وحمايتها بواسطة الشركات، ويعزى ذلك إلى التنوع الحالي، وهناك احتمالية استخدام الحكومات للتعداد للكشف عن الاستخدام الحالي لقوانين الملكية الفكرية في الشركات.
ونتيجة للوضع الراهن، فإن المحللين يعيدون تصنيف طرق قياس حماية قانون الملكية الفكرية للدول بدلاً من قياس استخدام الشركات للقانون؛ وذلك للحصول على نتائج أكثر مصداقية. وإحدى طرق التقييم هي كالتالي:
يمكن للطريقتين أن توفرا للحكومة معلومات حيوية عن المناطق الواجب تطويرها لقانون ملكية فكرية قوي.
رفع استخدام قانون الملكية الفكرية في المؤسسات المتوسطة والصغيرة
المعلومات المتوفرة لنا تعرض عدداً من الطرق لتطوير استخدام الملكية الفكرية في الشركات، ولتبسيط هذه الطرق، سنيعرض قائمة للخطوات المهمة على نهج ثلاثي الخطوات:
1- تطوير نظام قانون الملكية الفكرية.
يتوقع من الحكومات أن تسن القوانين الضرورية التي تمكن الشركات من حماية ملكيتها الفكرية. ويجب أن يوجد تدريب لضباط الشرطة؛ لتمكينهم من التفاعل مع الناس عامة، فضلاً عن ذلك يمكن للحكومة أن تطور قوانين صنع نظام التجديد الوطني ودعمه لتشجيع تطور المنتجات الجديدة الذي يمكن من استخدام قانون الحماية لحمايتها.
وأخيراً، على الحكومة سن قوانين تشجع الشركات لاستخدام القانون، على سبيل المثال: طلب صنع علامة تجارية عند طلب رمز خطي للمنتجات، أو عند تأسيس الشركات، ويجب التنويه إلى أن هذا الإجراء هو استثمار وليس عبئاً على عاتقها.
وعلى الرغم من استعراضنا للعملية المبسطة، إلا أن الشكل القادم سيستعرض العناوين الرئيسية التي يجب التنويه لها وتطويرها من قبل الحكومة:
الشكل الأول: تشكيلة إستراتيجية الملكية الفكرية المحلية للشركات المتوسطة والصغيرة.
2- تشجيع استخدام قانون الملكية الفكرية في الشركات.
يجب على الحكومة تنظيم فعاليات وأنشطة موجهة لناس عامة ومدراء الشركات والمحامين، وذلك في فوائد القانون وأهميته.
3- تشجيع المدراء لتدريب موظفيهم.
إذا قامت الحكومة بتنوير المدراء بالقانون، فإنه تصبح من مسؤولياتهم نقلها إلى موظفيهم. ويداً بيد يمكن للحكومة أن توفر برامج تدريب في المؤسسات الأكاديمية لتمكين الموظفين من الحصول على تدريب مهني أيضا. وعليه؛ فإنه من الأهمية بمكان عمل مثل هذه الدورات؛ لما لها من أثر فعال على هذه الشريحة من الناس. وبالتالي تنتقل الخبرات من المدراء إلى مرؤوسيهم. كما يمكن للحكومة الاستعانة بالمنظمات الدولية لتحقيق الخطوات الثلاث من أمثال WIPO and WTO وكذلك الاستفادة من الخبراء الدوليين قي هذا المجال.
وأخيرًا يمكننا القول أن تطوير ثقافة قانون الملكية الفكرية وتحدياته في الشركات الصغيرة والمتوسطة تبدو صعبة للغاية، إلا أنها ليست مستحيلة، ومن الممكن أن يتم إحراز تقدم بمساعدة الخبراء الدوليين. ومن أهم ما يقع على عاتق الحكومات هو عدم ترك المجتمع يؤمن بأن قانون الملكية الفكرية هو عبء ثقيل على كاهله، كما أنه أيضاً ليس أداة للشركات الضخمة لتحقيق مصالحها، وإنما يمكن استخدام النظام لخلق مصالح اقتصادية عن طريق جني الحقوق الحصرية، وترخيص التقنيات، واستخدام ملكيتهم الفكرية. وننصح لمن أراد الاستزادة حول هذا الموضوع بالنظر إلى المعلومات الدقيقة عن كيفية تطبيق هذه العملية، والتواصل مع الخبراء الدوليين، والتدريب الفعلي في كيفية تطبيق القانون.