الكاتب: بدر بن سالم العبري
عليّ بن أحمد بن سعيد بن حزم الظّاهريّ، أبو محمد، عالم الأندلس في عصره، ولد بقرطبة، كانت له ولأبيه رياسة الوزارة، وتدبير المملكة، فزهد بها وانصرف إلى العلم والتّأليف[2].
فابن حزم توفرت فيه ثلاث مؤهلات: المؤهل السّياسيّ، والاجتماعيّ، والعلميّ، أمّا السّياسيّ فهو رجل وزارة وسياسة، وكان قريبا من الوزارة وسياسة الملك، وقيل إنّه كان ذا ولع بالسّياسة إلا أنّه فشل في الوصول إليها[3].
وأمّا الاجتماعيّ فقد التف حوله أناس كثر، حتى انتسبوا إليه، وسمو بالحزميّة[4].
وأمّا العلميّ فكان حافظا فقيها، بعيدا عن المصانعة، ذا حاسة نقديّة، حيث انتقد الكثير من العلماء والفقهاء، بلغت تآليفه حوالي أربعمائة مجلّدا في ثمانين ألف ورقة، وكان أديبا له ديوان شعر، ومن أشهر كتبه المحلى، والفصل بين الملل والنّحل، والتّقريب لحدّ المنطق والدّخول فيه[5].
ومع هذا كان له صراع مع فقهاء عصره، للمنهج الّذي اتبعه، فمن منهجه إنكار القياس، وله كتاب في هذا اسمه إبطال القياس والرّأي، وعليه أخذ بظواهر النّصوص في العديد من المسائل، حتى أنّ بعضها من غرائب شذوذ المسائل، وللسانه الحادّ ضد الفقهاء والعلماء ولمخالفيه، حتى قيل لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان، من هنا أجمع العديد من الفقهاء على تضليله، وحذّروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا عوامّهم عن الدّنو منه، فأقصته الملوك وطاردته، فرحل إلى بادية لَبْلة من بلاد الأندلس وتوفي فيها عام 456هـ[6].
والّذي يهمنا هنا فلسفة ابن حزم حول الغناء والمعازف، وممّا يميز رأيه أمران: الأمر الأول الاستقلاليّة النّقديّة الّتي يتمتع بها ابن حزم، فهو وإن نشأ في مجتمع فهيّ مالكيّ في جملته، إلا أنّه كان مستقل الرّأي والفكر، والثّاني المجتمع الأندلسيّ الّذي تطور فيه الغناء الإسلاميّ، وكان بوابة الشّرق إلى الغرب كما أسلفنا الحديث حوله في المبحث السّابق.
لهذا كانت نظرة ابن حزم نظرة تفكيكيّة للنّص ذاته، وليست نظرة فلسفيّة، خلافا لأبي حامد الغزاليّ [ت 505هـ] كما أسلفنا في المثال السّابق، حيث حاول بداية تقعيد المسألة فلسفيّا واجتماعيّا ثمّ أسقط النّصوص عليها قرائيّا وإنزاليّا.
لهذا أسهب ابن حزم في مناقشة أهمّ أدلّة من حرّم الغناء والمعازف[7]، فوجدها لا تخلو من سند منقطع، أو علّة تقدح فيها، حتى قال: ولا يصح في هذا الباب – أي باب التّحريم للغناء والمعازف – شيء أبدا، وكلّ ما فيه موضوع، ووالله لو أسند جميعه، أو واحد منه عن طريق الثّقات عن رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – لما ترددنا في الأخذ به.
وبين أنّ الأصل في سماع الغناء الإباحة، فمن نوى باستماعه عونا على معصية الله تعالى فهو فاسق، وكذلك كلّ شيء غير الغناء، فمن نوى به ترويح نفسه؛ ليتقوى على طاعة الله، وينشّط نفسه على عمل البر، فهو مطيع محسن، ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه، كخروج الإنسان إلى بستانه متنزها، فالأصل في الشّيء الإباحة.
لهذا كان نقد ابن حزم لأدلّة التّحريم عالة لمن جاء بعده، في وقت كثر فيه وضع روايات التّحريم، لذا كان نقد ابن حزم مبكرا جدّا، وذا منطلق روائيّ وفقهيّ.
يتبع الحلقة السّادسة عشر …………..
الفهرس:
[1] للمزيد ينظر: ابن حزم: علي بن أحمد بن سعيد؛ المحلى، مصدر سابق، ج: 9، ص: 55 وما بعدها.
[2] الزّركليّ: خير الدّين؛ الأعلام، مصدر سابق، ج 4، ص: 254.
[3] الحجيّ: عبد الرّحمن علي؛ أندلسيات، ط دار الإنشاد، بيروت/ لبنان، الطّبعة الأولى، 1388هـ/ 1969م، ص: 113 – 114.
[4] الزّركليّ: خير الدّين؛ الأعلام، مصدر سابق، ج 4، ص: 254.
[5] المصدر نفسه، ج 4، ص: 254 – 255.
[6] المصدر نفسه، ج 4، ص: 254 – 255.
[7] سيأتي ذكر آراء ابن حزم تفصيلا أثناء مناقشة الأدلّة.