حمود بن علي الطوقي
حين سافرت إلى المملكة المغربية للدراسة عام ١٩٨٨ م لم أكن اعرف أحدًا من الطلبة سوى ابن قريتي وصديق الطفولة الأخ محمد بن سيف الحارثي -نسأل الله ان يمده بالشفاء-. وصلت العاصمة المغربية وأنا أحمل بطاقة صحفية من جريدتي الوطن كطالب مبتعث لدراسة الصحافة وكمندوب ومراسل صحفي ، لم أكن أعرف الأنظمة والقوانين وكان يتطلب مني تكملة اجراءات القبول وذلك بتقديم الأوراق والمستندات عن طريق سفارتنا في الرباط ولاحقا تم قبولي كطالب بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة محمد الخامس .
نعم قدري أن التحق في هذه الجامعة العريقة وأن التحق في تخصص يُعد الأصعب في جامعة محمد الخامس خاصة ان معظم الطلبة يتجنبون الالتحاق بهذا التخصص ومعظم الطلبة تخصصاتهم في القانون ، وقيل لي ان عددًا بسيطًا من الطلبة لا يتعدى أصابع اليد تخصصهم اللغة العربية؛ منهم: الإعلامي ابراهيم اليحمدي وأيضا الصديق ابراهيم القاسمي والصديق فهد المعمري.
سكنت في (حي اكدال ) التي تعتبر واحدة من أرقى الأحياء في العاصمة الرباط وكان معظم الطلبة يقطنون في هذا الحي والأحياء المجاورة ، وما زلت أذكر عنوان اقامتي ١١ زنقة واد زيز شقة رقم ٢١ اقامة واد زيز .
من حسن الطالع ان الزنقة التي كنت أقطن فيها قريبة جدا من مقهى الوزاني أحد اشهر المقاهي في حي اكدال ويشهد تزاحما منذ الصباح الباكر ، ومن عادة المغاربة التردد على المقاهي الذي يعتبر ثقافة متجذرة لديهم ، ويبدوا ان هذه الثقافة نقلها الطلبة العمانيون معهم عندما بدأت تفتح المقاهي هنا في عمان .
في مقهى الوزاني بالرباط تعرفت على عدد كبير من الأخوة والأصدقاء وكان من أوائل ممن تعرفت عليهم الصديق محمد الفارسي ولم اكن اعرف اسمه الا بعد فترة طويلة وكان مشهورًا بين الطلبة باسم
( أبو مهجر).
في احدى صبحات اكدال الجميلة وكعادتي أتناول القهوة في مقهى الوزاني وبينما كنت منهمكا في حل الكلمات المتقاطعة استأذن احد المرتادين للمقهى للجلوس بالمقعد الملازق لطاولتي وكان مخصصًا لشخصين .
جلس بالقرب مني ورحب به النادل بطريقة مهذبة وكأنه يُرحب بأحد الشخصيات الحكومية المرموقة ، ما ان جلس حتى هبّ لخدمته وقدم له براد اتاي وقطعة كرواسون .
كنت منهمكا في حل الكلمات المتقاطعة بجريدة الشرق الاوسط ، ولفت انتباهي ان من يجلس بقربي يتصفح جريدة عمان ، لم أجزم في البداية انه طالب عماني نظرا لبشرته التي تميل الى البياض فقد كان حليق اللحية والشارب وبشرته توحي انه من الطلبة القادمين من الأردن او فلسطين ، هكذا كنت احسبه ، كنت مترددا أن أبادر بمخاطبته ولكني تشجعت وسألته عن الجريدة التي يقرأها وأين يمكنني ان احصل عليها ، فاشار لي على بقالة ملازقة للمقهى وقال هذه البقالة الوحيدة التي تبيع جريدة عمان .
كانت الجريدة مصدر الهامي لفتح باب الحوار لمن يشاركني الطاولة وكان سعادتي كبيرة عندما علمت انه طالب عماني ويدرس بالمغرب منذ سنوات وخبرته طويلة حيث يسبقني بسنوات ، ألدى استعداده لمساعدتي وتسهيل اية عراقيل قد تواجهني في مجال دراستي.
طلب مني مرافقته اذا كنت أرغب بذلك ، كانت بالنسبة لي فرصة أتعرف على طالب عماني وانا جديد في هذا البلد ، كنت اسأله عن طبيعة الحياة الدراسية والطلبة العمانيين واسئلة عديدة وكان يجاوبني ويسدي لي النصائح ، وعندما نمر على الازنقة كان يشير لي ان في هذه العمارة يقيم طلبة عمانيين وفي هذا المقهى يجتمع الطلبة للدراسة والمذاكرة ، كان لقاءًا جميلًا مازال في ذاكرتي حتى الان .
هذا الطالب المهذب هو الاخ والصديق محمد الفارسي المعروف (بأبو مهجر ) واحد اشهر الطلبة الدارسين في المغرب وتربطه علاقات طيبة مع الجميع ليس فقط على مستوى طلبة عمان بل على مستوى الطلبة الاجانب وكذلك الطلبة العمانيون الذين يدرسون في عواصم المختلفة ويزورن المغرب .
علاقتي مع ابو مهجر التي كانت وليد الصدفة استمرت وكنا نلتقي في مقهى الوزاني وفي العديد من الاحيان في تجمعات الطلبة في مساكنهم .وامتدت هذه العلاقة إلى ما بعد تخرجنا من الدراسة وكنا ايضا نلتقي من وقت الى اخر. حسب الظروف ولكن لم تنقطع العلاقة معه فمثل شخصية ابو مهجر الجميلة من الصعب ان تنساه.
عمل الصديق (ابو مهجر). لسنوات طويلة في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ، وتدرج في مناصب عديدة وعاصر الوزراء والوكلاء الذين تعاقبوا على وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وحاليا وزارة التنمية الاجتماعية .
ظل الصديق ابو مهجر مكافحا ومرابطا في عمله إلى أن أحيل إلى التقاعد وها هو اليوم يودع أروقة وزارة التنمية الاجتماعية وسيرته الوظيفية شاهدة على تقلده مناصب مختلفة كان اخرها منصب ( خبير) .
ويترجل اليوم الاخ الشيخ محمد الفارسي المعروف على نطاق واسع بلقب بابو مهجر ويودع العمل الحكومي بعد ان قدم وساهم في بناء الوطن على مدار خدمته السابقه كان مثالا للمواطن الشريف والنزيه المخلص والغيور لوطنه
لقد ترك ابو مهجر طاولته وكرسيه وكله يقين بان هناك جيل قادم من ابناء هذا الوطن العزيز لتكملة مشوار العطاء .
فهنيئا لهذا الجيل الذهبي الذي ينتمي اليه ابو مهجر. ورفاقه على عطاءهم وخدمتهم لعمان فهم خير خلف لخير سلف .