إبراهيم بن محمد العيسائي
الحرب إحدى وسائل تدمير الحياة على كوكب الأرض، وعند نشوبها لا تبقي في طريقها شيئاً ولا تذر فتأتي على الأخضر واليابس، وتهلك الحرث والنسل، وتقضي على أجيال بأكملها، وعلى عقود من التنمية في مختلف المجالات، وتؤدي إلى سفك الدماء وقتل الأبرياء والتدمير الممنهج لمناحي الحياة المختلفة، وتهجير وترويع الآمنين، وتكون سبباً في إستشراء العنف والتطرف والإرهاب، وإنتشار الأوبئة والأمراض والمجاعة والفقر، إضافة إلى العديد من الأمراض الاجتماعية التي لا حصر لها خصوصاً بعد نهاية الحرب وتوقف القتال.
وفي الإطار ذاته فإن السياسة العمانية كانت على الدوام ترفض الدخول في الحروب طالما أنها لم تكن دفاعاً عن وحدة الوطن وسيادته وإستقراره، لأن كلفة الحروب باهضة وتبعاتها سيئة وعواقبها وخيمة، فالسياسة العمانية تسير وفق مبدأ حل الخلافات بالطرق السلمية والجلوس على طاولة الحوار لمناقشة كل القضايا الخلافية وتبديد الهواجس وبناء الثقة بين مختلف الأطراف حتى يتسنى الخروج بنتيجة إيجابية تنهي سوء الفهم والمشكلات التي تحدث بين الأنظمة السياسية.
وفي بداية الثمانينات من القرن الماضي نشبت حرب مدمرة بين العراق وإيران استمرت ثماني سنوات أدت إلى دمار وقتل وجرح وتهجير الملايين من أبناء الشعبين إضافة إلى تدمير للعديد من المرافق العامة والمنشآت والمطارات والموانئ في كلا البلدين، وبعد توقف الحرب خرج البلدان مرهقين بديون كبيرة بلغت عشرات المليارات وهو ما ألقى بثقله السلبي على الإقتصادين لتبدأ بعدها رحلة طويلة من مرحلة إعمار ما دمرته الحرب، ولملمة الجراح التي لن تندمل بسهولة، رغم أن هذه الحرب كان يمكن تجنبها وبالتالي تجنب الدمار والقتل الذي حصل، وصرف الأموال المهدرة في الحرب لتطوير وتنمية الدولتان ورفع مستوى معيشة شعبيهما.
وخلال هذه الحرب تسابقت الدول الغربية إلى دعم أحد أطراف الحرب ضد طرف آخر من أجل تسويق أسلحتهم وأنظمتهم العسكرية، كما دعمت دول الخليج العراق في هذه الحرب ضد إيران وسخرت إمكاناتها المالية واللوجستية لصالحه، وهذا يعتبر أحد الأسباب التي أدت إلى إطالة أمد الحرب، وقامت إسرائيل بإستغلال انشغال العراق بحربه ضد إيران لتقوم بتدمير مفاعل تموز العراقي ، وهي دلالة على أن المستفيد من هذه الحرب هم أعداء الأمة العربية والإسلامية ، لهذا فإن السلطنة كانت تنادي دائماً بضرورة وقف هذه الحرب المجنونة والعبثية، حيث لا منتصر في هذه الحرب فالجميع خاسر، سواء العراق وإيران أو دول الخليج العربي بسبب إستنزاف مواردها وإمكاناتها، وقامت السلطنة بإستضافة محادثات بين الطرفين في مسقط، وعملت جهدها من أجل تقريب وجهات النظر بين الجانبين من أجل إيقاف الحرب والتخفيف من ويلاتها على شعوب المنطقة.
كما ترى السلطنة بأنه كما أن العراق هو دولة عربية شقيقة تربطنا به وشائج العروبة والإسلام والتاريخ المشترك، فإن إيران هي دولة جارة مسلمة ينبغي أن يتم التعامل معها وفق قاعدة المصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والتعاون معها لتحقيق الأمن والإستقرار في منطقة الخليج العربي، وليس من الحكمة خلق حالة من العداء معها، لأن ذلك يبقي المنطقة ملتهبة، ويجرها إلى سباق تسلح يستفيد منه تجار الأسلحة وأعداء الأمة الذين يسعون لإستنزاف طاقاتها وصرف أنظارها عن إقامة مشاريع إقتصادية وعلمية وتنموية تساهم في رفع مستوى المعيشة وإيجاد فرص عمل لمواطنيها.
ولقد أثبتت الأحداث التي تلت الحرب العراقية- الإيرانية صوابية موقف السلطنة من أنه لا مصلحة لدول الخليج العربي في دعم أحد أطراف الصراع، بل كان الأجدى هو التدخل من أجل إنهاء الحرب التي لم تحقق فائدة تذكر لأي بلد بالمنطقة سوى لتجار السلاح ودعاة الفتن والحروب، وكانت هذه الحرب سبباً في حرب أخرى في المنطقة وهي حرب الخليج الثانية التي أتت على ما بقي من التضامن العربي ولا زلنا نعاني من تبعاتها السياسية والإقتصادية حتى الآن.