د. سعيدة بنت خاطر الفارسية
رمضان في نصف أيامه الأخيرة يلوّح لنا موّدعا ،
والعشر الأواخر تقترب بسرعة الشهر المعهودة في التوديع
والمساجد تيتمتْ إلا من صوت المؤذن الحزين ، وكثير من المصلين تولهتْ أرواحهم لركعات قليلة في المساجد .
هذه مقالة كتبتها منذ أربعة أيام وودت نشرها التماسا لطلب أراه من وجهة نظري مبرر ، لكنني استحيتُ من النشر عندما رأيت أعداد الإصابات قد ارتفعت بشكل غير متوقع وقيل هي الذروة حسبما ذكروا في تعداد التوقيت الزمني ، اليوم وصلني فيديو لمسلمين يصلون في كنيسة مارتا الألمانية من باب التضامن مع المسلمين ، فتحتْ القسيسة مونيكا ماتياس صاحبة الدعوة أبواب الكنيسة ليصلى بها المسلمون في ظل قلة المساجد هناك ، واشترطوا ألا يتجاوز عدد المصلين عن خمسين مصليا في المكان ، وقد فتحت ألمانيا أبواب المساجد والكنائس في الرابع من مايو الحالي احتفاء برمضان ، وتعجبتُ هذا بالضبط ما أطالب به في مقالي ، بل نحن أولى به ، فإذا كانت ألمانيا وهي من الدول التي انتشرت فيها كورونا انتشارا واسعا وأعداد الوفيات فيها تجاوزت الآلاف قد فتحت أبواب مساجدها والكنائس أمام جموع المصلين فما المانع من أن تفتح مساجدنا أبوابها في هذه الأيام العشر المباركة فقط ، وبنفس الشروط والاحترازات ، ولن نعمم أتمنى أن تفتح الجوامع الكبيرة في كل ولاية ، وأن توضع مسافات للتباعد لا تقل عن مترين بين كل مصلٍ وآخر ، وأن يرتدي كل مصلٍ كمامة واقية ، وأن يقف رجال الشرطة أو الجيش على كل باب يفحص كل راغب بالدخول للصلاة ، فإن وجدناه مصابا يحجز للمستشفى ، والسليم يدخل ، ومن الاحترازات أن تؤدى صلاة واحدة فقط في المساجد وهي صلاة العشاء والتراويح ، ومن الاحترازات أن يقلل الإمام عدد ركعات التراويح وعدم التطويل في الصلاة والخطبة ، ومن الاحترازات عدم ذهاب كبار السن والنساء والأطفال ، هذه صلاة ضرورة .
لقد اشتاقت المساجد للركع السجود ، اشتاقت لرفع الأكف وللدعاء المبلل بالتوبة واحتاجت البلاد للدعاء والاستجابة ، لرفع هذا البلاء ، قال تعالى : (ادعوني أستجب لكم ) إن الجامع الأكبر على صاحبه الذي عمَّره الرحمة والمغفرة الواسعة متشوق هو وغيره من المساجد لرواده من المصلين، وكذلك الحال في كل محافظة أو منطقة ، في كل جامع خمسين مصلياً فقط يلتزمون فيه بكل الاحترازات الوقائية … وأعلم أن أول من سيعارضني هو معالي السيد وزير الداخلية ورئيس اللجنة العليا لمكافحة فيروس كورونا ، وكذلك وزير الصحة والعاملين بها من أطباء وممرضات …. وكثير من الناس ، الذين سيحتجون على صاحب هذا التطرف في الطرح ونحن ندعو للتطرف في العزل ، ولا ألومهم فانا نفسي مترددة في الطرح إلا من الثقة المطلقة في ستر الله ولطفه ، والثقة في قول رسولنا الحبيب أعقلها وتوكل ، وأدرك تماما أن الله يقول ولا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة ، وهذه تهلكة ، لكنه أيضا يقول خذوا حذركم ، والاحترازات هي الحذر ، لكن لماذا يكون التجمع في المساجد تهلكة مع اتخاذ كافة الاحتياطات وفي غيرها متوكلين على الله ، وربُّ الناس الذي حمى الناس في ( سوق الخضروات والفواكه المركزي) وهم يزاحمون بعضهم البعض كتفا بكتف ، بدون أي احترازات وقائية هو ذاته الذي حمى الناس من ازدحامهم في المراكز التجارية مثل اللولو وفصيلته ، وهو ذاته الذي حمى العشرين وافدا المتراصين في غرفة واحدة ، هو ذاته الذي حمانا في مطرح الضيقة والسواح الإيطاليون يملئون السكك الضيقة والكتف بالكتف والوجه بالوجه قبل أن نعرف عن وجود داء يسمى كورونا ، هو نفسه الرب الذي سيحمي المصلين في بيته ، ولا تحرموا جدران المساجد من ترجيع صدى التكبير والتسبيح ، ولا تحرموا الأرض من رهبة السجود ، ولا تحرموا السماء من أن تشرب نداء التوحيد وابتهالات الدعاء ، ولا تحرموا عمان من دعوات صادقة تجبر ما تمرّ به من أوجاع ، ولا تحرموا جلالة السلطان قابوس رحمه الله في تربته الطرية من دعوات صادقة تخرج من قلوب محبيه تصدح بالإيمان والبر وردّ الإحسان ، فقد انقطع رزقه إلا من ( ولدٍ صالح يدعو له ) ولا تحرموا جلالة السلطان هيثم من دعوات صادقة تؤيده بالتوفيق ، وتسدد خطاه بنصر مؤزر من رحمن رحيم كي تتجاوز عمان ما يلم بها من صعاب .
هذا طلب على حيرته وغرابته ، وإن كان مشفوعا بالرفض ، رجاء لا تستغربوه ولا تتجاهلوه ، فليس كل شيء محسوبا بالأبحاث العلمية ، والقواعد الطبية من أقصى الأرض إلى أقصاها ، فالسماء أيضا لها حساباتها المختلفة ، لعل وعسى ، لعل وعسى ….