ناصر بن محمد الحامدي
الحياة مركبة على ثنائية الخير والشر، الألم واللذة، السرور والتعاسة، اليقظة والنوم، الجوع والشبع، الصحة والمرض.
أصحاب الأفكار “الطوباوية” أو “اليوتيوبيا” يحلمون بحياة خالية من الكدر والأزمات والصراعات والحروب والأوبئة والأمراض، وهذا مستحيل، بل إن الأزمات قد تكون أحيانا بداية لحياة جديدة واستثنائية.
نامت مقاطعة “ووهان” في جمهورية الصين الشعبية في نهاية عام 2019م، وقامت على وباء فيروس كورونا كوفيد 19، الذي أخذ ينتشر بسرعة فائقة انتشار النار في الهشيم.
وقامت الصين بعمل إجراءات احترازية لمنع انتشاره، حيث أغلقت بالكامل مقاطعة “ووهان” بؤرة تفشي الفيروس، لكن الفيروس لم يكن في الحسبان أنه بهذا الحجم من سرعة الانتشار، حيث انتقل في بضعة شهور عديدة من الصين إلى الدول التي تتعامل معها اقتصاديا وسياحيا ثم إلى بقية دول العالم، لينتقل ويضرب دول أوروبا وأمريكا وروسيا وإيران بقوة متسارعة.
ولقد تجاوز تأثير هذا الوباء المجال الصحي وأثّر على قطاعات عديدة مثل قطاع الاقتصاد والسياحة وغيرهما من القطاعات في معظم دول العالم نتيجة للإجراءات الاحترازية بالغلق شبه الكامل، بهدف تحجيمه ومنع انتشاره.
كورونا وضع دول العالم كلها أمام تحدٍ كبير وصراع من أجل البقاء، وبالطبع لكل جائحة سلبياتها، ومن هذه السلبيات تأثر جميع قطاعات الدول وخاصة القطاع الاقتصادي وازدياد نسَب الفقر والبطالة.
قامت بعض الدول بحزمة من الإجراءات للتخفيف من أضرار جائحة كورونا، من ضمنها ما قامت به الدول الخليجية من دعم وتمويل القطاع الخاص من خلال تعديل أو إعادة هيكلة التمويلات المالية الحالية، دون أي تكاليف أو رسوم إضافية، وتوفير الاحتياجات التمويلية وتقديم الدعم اللازم للعملاء الأفراد الذين فقدوا وظائفهم في القطاع الخاص.
كذلك من بين الإجراءات خفض الميزانية التشغيلية للوزارات والمؤسسات، والبحث عن بدائل محلية للتعويض عن الانخفاض الحاد لسعر النفط، وعمل استراتيجيات استثمارية لرفع مستوى الاقتصاد، وذلك بإعادة هيكلة الدولة بكافة مؤسساتها.
جائحة كورونا في نظر كثير من المحللين الماليين والسياسيين سوف تغير وجه العالم والدول والحكومات، حيث تتجه كثير من الحكومات العربية الآن للتحول إلى الحكومات الإلكترونية وكان منها التعليم عن بعد وتخليص المعاملات إلكترونيا من المنزل.
لكن مع هذا الوجه الكالح الذي يظهر لكورونا إلا أن له إيجابيات بدأت تظهر في معظم دول العالم، وهي المراجعة الشاملة لكل المصروفات والتحديث للتنمية الاقتصادية، وعلى المستوى الاجتماعي أعاد كورونا الترابط الأسري والنظافة والعمل الخيري، كما بدأ تأثيره الإيجابي على البيئة وذلك بانخفاض منسوب التلوث وتحسن طبقة الأوزون نتيجة لغلق المصانع في الدول الصناعية الكبرى مثل الصين وأمريكا.
كورونا مطبق على كاهل دول العالم وتأثيره مستمر، وفي اللحظة الآنية تحاول كل دول العالم التخفيف من آثاره السلبية عليها، إلا أن تأثيره الكبير سوف تظهر نتائجه مستقبلا وذلك بتراجع بعض الدول وظهور دول أخرى بقوة.
وإن لخبر كورونا ما بعده في قابلات الأيام.