منى بنت سالم المعولية
دخلت بملامحي الغريبة على وجه المكان، أفتش عن ما يحدث، عن ما يدور، أرصد موضوعا خبريا لسد شهية الأخبار ومنصات الصحف، فسبقتني عادتي المستديمة لأجد روح الكاتبة تطغى على الروح الصحفية بداخلي، فبعكس الكلمات المبخوخة بالروتين والمضخوخة بالنمطية والقولبة التي تحد سقف اسهابي، وبعكس كلمات التحرير الباردة التي لاتقنع شغفي ما لم أعطها من هاجسي الروحي، فأنا امرأة تتوجس من صب جام الكتابة على قوالب منمطة، تم إعدادها سابقا، وأجد أن قوتي من صلب مصداقية كلمتي، فكلما حاولت ان أجامل بقول او خبر، اجد الخريطة الذهنية تخذلني وتضيع بوصلة الكلام..
ملبدة الأماكن بسيرة فيروس كوفيد 19 السَوارع التي كنا نتبادل فيها التلويح باليد او حتى السباب بالاشارات بدت خاوية على عرَشها، دلفت إلى مركز إدارة عمليات كوفيد ١٩ قاعة كبيرة جدا تتوزع الطاولات فيها على هيئة مستطيل، وحدها اللوحات المتباعدة لكل قسم وفريق تحمل على أركانها تقسيمات المكان في كل ركن و زاوية وضعت لوحة تعريفية للخدمة التي يقدمها الفريق، لاعلم لي كثيرا بإجراءات إدارة ازمة الاوبئة لأني كباقي ابناء جيلي لم نمر بتجربة كهذه بينما بدا لي كل فرد في هذه القاعة تلقى تدريبا مكثفا لمواجهة ما يحدث، ربما كان العبء على مسقط كونها تحمل على كاهل مسؤوليتها أرض المطار، وأمام الاجتياح العالمي وانتشار الفيروس المستجد وارتباك حركة المطارات، وأمام منع السفر إلى دول وعزل دول اخرى، كان فريق المطار أحد جنود المركز والذي تقع على عاتقه مهمة مضاعفة وسط جداول زمنية لم تعد منتظمة، ارتباك جعل الامر من المديرية العامة لمحافظة مسقط تضاعف أعداد كوادرها من مراكز الصحية الأولية وتنسيق تام مع الهرم المؤسسي، لا أعلم لماذا يسقط فكري المجنون على أشياء بعيدة فوجود جميع الاقسام في الوقت ذاته هو توفير الجهود والوقت الطويل(ماذا لو كانت مشاريعنا الاستثمارية والاقتصادية هكذا ونوجد جميع القطاعات المطلوب تحويلها في مكان واحد). عدت من سكون أفكاري وأحلامي بصوت إحدى المسؤولات في المكان، كان الكل منهمك بعمله وانهمكت أنا بالتأمل فيهم، يبدو أن الارهاق متسيد على الموقف، أخبرني أحد الشباب هناك أنهم قد وصلوا احيانا الى عدد ثلاثين ساعة من العمل متواصلة بسبب ظروف إغلاق المطار وأفواج الطلبة والحجر.
إذاً؛ هنا العقل الراصد والتي تعتمد عليه جميع القرارات، هنا المرصد الذي تنطلق منه واليه بيانات الميدان ومن هنا تتكشف، الاوضاع وتنطلق الحقائق التي تمضي على ضوءها القرارات.
عيون متعبة، مثقلة بالصبر والإرادة تخوض الميدان كانها في حرب ضروس يمارس فيها العدو لعبة الاخفاء، فأصعب المعارك على الاطلاق أن تخوض حربا باردة، تتسبب في تشلل مفاصل الدولة جزء جزء فتخفت أضواء المطارات، وتستنفر الموانئ والحدود وتغلق الثغور والمعابر وأنت بسلاح واحد هو الوعي والوقاية أمام قاتل لاتكشفه إلا عدسات المجاهر وفاحصات الأوبئة.
ربما لم يكن بمقصدي الوقوف فقط على دور هؤلاء وترجمة جهدهم من الواقع إلى منصات الكتابة بمقدار ما رأت نفسي أن تفصح عن مدى إعجابها بالدور الإنساني النبيل الذي يقومون به، فليس من السهل أن تكون جزءاً في مكان يتجنبه الكل وليس من الطبيعي أن تكون مقداما في جوائح تستدعي الخوف والاحجام وليس من السهل أيضا أن تصل ساعات عملك إلى الثلاثين ساعة وأنت تعصر طاقتك وتهدي جهدك عن حب وإرادة لا عن تذمر واستياء.
فشكرا لكل أبطالنا الصحيين على أرض عمان الغالية شكرا لمركز بيانات الجائحة والقائمين عليه وشكرا لكل الظروف التي أثبتت نقائكم ومعادنكم المعطاءة وشكرا للمديرية العامة للصحة بمحافظة مسقط والقائمين عليها