جمال النوفلي
كان اسمها زينا، أعني الفتاة الفرنسية الجميلة التي كانت تعمل على طاولة استقبال الفندق، كانت تبش لي بسعادة مكسورة قليلا عندما عدت عليها قبيل الغروب لأسئلها عن رمز الواي فاي، ولا أدري لماذا كنت أفترض أنها يجب أن تكون في كامل سعادتها عندما تراني أو تلتقي بي، لماذا يخيل إلي دائما أن على الناس أن يكونوا سعداء بمجرد تواجدي حولهم وحديثي معهم، إنها أنانية فعلا إنانية عمياء أن أعتقد أن الناس وجدوا لينشروا السعادة من حولي، لا بل هو غرور هذا الشعور، غرور مقيت جدا وكريه، لماذا يفترض على هذه الفتاة الجميلة أن تمحضني كامل صداقتها وسعادتها لمجرد أنها أفضت إلي قبل نصف ساعة بجانب مظلم من حياتها في حيها البائس، على أن الفتاة لم تكن تقصد إظهار الحزن في ابتسامها لكن استقبالها لي بروح أقل نشاطا وحماسا من قبل أصابني بشيء من التردد والنفور، وعيناها الغارقتان في الحزن، إنها من ذلك النوع من الناس الذين تطفو أرواحهم على وجوههم وعيونهم فتتجلى على أجسادهم حزنا أو فرحا ولا يقدر جسد الانسان على السطيرة عليها، فترى مشاعرهم مكشوفة مهما حاولوا اخفاءها.، وأنا بدوري لم أحاول أن أتبين سبب كدرها، ولا أن أوضح أنني لمحت خوالج بؤسها، كان علي أن أمثل أنني لم ألحظ ملامح تعاستها.
- لو سمحت زينا اريد رمز الواي فاي
- حسنا، تفضل
ناولتني بطاقة صغيرة فيها الرمز وأضافت:
- الرمز هو اسم الفندق، كان على بطاقة الغرفة لو قرأت.
- أجل، لكني لا أقرأ الفرنسية.
وأضفت:
- أيضا أريدك أن تعلميني حين يصل صديقي طارق بعد ساعتين.
- حسنا سوف أفعل سيدي. هل هو عماني؟
- لا. هو فرنسي من أصل عربية.
ابتسمت ابتسامة غريبة وانحت تدون ملاحظة في ورقة مخفية أمامها.
طارق هو صديق داميان الذي جئت له زائرا في باريس، وكنت قد نسقت زيارتي مع عودة داميان من تايلند حيث يقضى فيها عامين لدراسة الهندسة وقضاء شبابه في اللهو والفسوق في بانكوك. إلا إن داميان كلف طارق باستضافتي ريثما يتمكن هو من قضاء واجبه الأسري بالبقاء مع والديه وأخته الأصغر بضعة أيام.
طارق هو أيضا صديقي لأن داميان عرفني عليه عندما التقيت بهم في اليونان صدفة، كما عرفني على صديق آخر له اسمه نسيم، ولطارق معزة خاصة أيضا لأنه تورط لأجلي في مشاجرة كلامية عنيفة مع صاحب الفندق الذي كنت أقيم فيه في اثينا، انتصر يومها العجوز صاحب الفندق علينا، وخرجت من فندقه وأنا أمشي بخذلان وغضب وألم في نفسي، كان طارق يومها معي في تلك المشاجرة ثم توطدت علاقتنا أكثر بعد ذلك..، طويل القامة طويل الأنف حاد ملامح العينين قوي البنية، كثير النقاش والمجاحد.. ، كنت في شوق لرؤيته وإعادة بعض الذكريات، بعد ساعتين رن هاتف غرفتي في الفندق ونزلت مسرعا، وجدت طارقا ونسيما ينتظراني في مقاعد اللوبي، حييتهما بالقبل والأحضان.
كانت في يدي هدية أحضرتها من عمان هي عبارة عن علبة حلوى عمانية اشتريتها من محل الديوانية في الخوير، سلمتها طارق بعد تردد واستحياء، أجل لقد شعرت بكثير من الحرج لعدم إحضاري هدية لصديقنا نسيم، إذ إنني لم أكن أحسب بأنه سيكون مرافقا لطارق أو أنني سألتقي به في رحلتي لأن علاقتنا لم تكن وطيدة جدا في اليونان ولم يكن هو يكثر الحديث معي أصلا، حتى في الفيسبوك لا يتحدث معي ولا يترك إعجابات لمنشوراتي، كان ترحيب نسيم لي هادئا جدا مع ابتسامة مريحة، كانت عيناه عاديتين جدا لا تفهم منهما شيئا إن كان سعيدا أو غضابا على النقيض من عيون زينا، وهو فوق كل ذلك كثير الصمت قليل المشاركة في أحاديثنا، حتى عندما كنا في اليونان، لم يكن له أي دور أو رأي في نقاشاتنا أو قراراتنا، لهذا تفاجأت أنه جاء لرؤيتي.. .
جلسنا قليلا على مقاعد اللوبي، عاتبني طارق عتابا عنيفا لأنني لم أتصل به فور وصولي ليستقبلني من المطار ويأخذني الى الفندق كما وصاه داميان، وسألني عن سبب اختياري لهذا الفندق.
أخبرته كل الحكاية، أخبرته أنني أحب تجربة المواصلات والتنقل من مكان الى آخر بكل أريحية لأتعرف على الناس والمكان، وإنني تهت كثيرا وتم خداعي فلم أجد الفندق الذي حجزته عن طريق بوكينج، حتى عثرت على هذا الفندق الجميل.
- كم سعر الليلة؟.
- ٥٩ يورو مع الافطار.
- جيد لكنك هنا بعيد جدا عن باريس.
- كيف بعيد؟! هذه ليست باريس؟!
- لا ليست باريس، هذه هنا أحياء لمنطقة صناعية تابعة لباريس.
- سحقا. لكن المترو والحديقة والمطاعم كل شيء هنا.
- نعم، لكنها ليست باريس يا جمال، باريس تبعد نصف ساعة من هنا.
ثم أضاف:
- باريس مدينة كبيرة جدا، يسكنها أكثر من مليونين نسمة، ويزورها في السنة اكثر من ثلاثين مليون سائح، أول نشأتها كانت قبل الفين عام وربما أكثر، كانت قرية على جزيرة صغيرة تتوسط نهر السين وكان اسمها لوتيتا ثم توسعت مع مرور الأيام على ضفتي النهر حتى صارت مدينة، وتغير اسمها إلى باريس في عهد جوليان المرتد ٣٦٠ ميلادي، باريس نسبة إلى قبيلة باريسيا التي سكنت الممنطقة بداية الأمر قبل الميلاد، وقبل أن يستولي عليها الرومان ويجعلون منها عاصمة، في العصور الوسطى باريس كانت عاصمة التجارة والدين والثقافة أوربا بلا منازع. هناك في باريس الشوارع والأبنية وكل شي عتيق ومختلف، انظر أنت هنا تسكن عند الشارع السريع يعني خارج المدينة.
- اها. ما مشكلة أهم شي توجد مواصلات بركب المترو ويوصلني إلى أي مكان أريد.
صمت طارق وكأنه شعر من اللاجدوى من كلامه، ثم عرض علي أن يأخذني في جولة بسيارته ليريني مدينة باريس وكم هي بعيدة من حيث سكني، وخرجنا في السيارة، كانت سيارته مورسيدس بنز، تفاجأت من امتلاكه لسيارة فخمة في باريس، لكنني لاحقا سألت نسيما فأخبرني إن طارقا من عائلة ثرية تعمل في التجارة وهو يحمل أيضا الجنسية الامريكية والمغربية.
كانت السماء تمطر بغير غزارة والليل غارقا في الظلمة، فلم أتمكن من مشاهدة جمال الأبنية، أو المحلات التي أغلقت في وقت مبكر. اقترحت عليهم أن نذهب مباشرة الى برج ايفيل لكي ألتقط صورة أضعها في صفحتي في الفيسبوك اليوم، لإن برج ايففل ( بالفاء الأعجمية) هو المعلم الأشهر في باريس وهو ايقونة فرنسا كلها.
- ايش هذا برج ايففل؟..
هكذا علق نسيم مستغربا من كلامي ثم أجبته مستنكرا لاستغرابه:
- برج ايففل. انت ما تعرف برج ايففل؟
تدخل طارق في الحوار موضحا:
- ها ربما تقصد ايفيل تاور.
- ايوا هو، نفس الشي
- ما نفس شي، ما اسمه برج ايففل.
- نفس الشي، بس احنا بالعربي نسميه برج ايفل بال V
ضحكنا قليلا ووافقاني على المقترح، مضينا مسرعين في الطرق المختصرة وهناك قبل البرج بشارعين أوقفنا السيارة، ومشينا في الشوارع الماطرة حتى بلغنا مطعما صغيرا اختاره نسيم لتناول وجبة العشاء، كان قريبا جدا من البرج لكنني لم أستطع أن أشاهده.
وبسبب الازدحام الكثيف داخل المطعم فإن الجرسون عرض علينا طاولة صغيرة في الخارج محمية من المطر بمظلة خضراء موصولة بحائط المبنى الحجري، أعطاني قائمة الطعام إلا إنها كانت باللغة الفرنسية فلم أفهم منها شيئا، كانت الأسعار باهضة جدا، الوجبة الواحدة تقريبا ٣٠ الى ٤٠ يورو، أي إنها تقارب سعر إقامتي في الفندق مع وجبة الافطار.
بادرني طارق عندما لاحظ دهشتي وأخبرني إن العشاء على حسابه هو ونسيم، لإنني ضيف، وقد صدمني تصرفهم لأنني كنت أحسب أن الاوربيين لا يتحملون سداد فاتورة أحد.
وقد اخترنا أن يكون العشاء عبارة عن طبقي بيتزا أحدهما بالخضار والثاني بالدجاج وكأسي بيرة وكأس نبيذ أبيض، وهناك سبب وراء اخياري للخضار وهو أنني مصاب بمرض النقرص ومحرم علي شرب أكل اللحوم وشرب البيرة، وقد سألني طارق:
- لماذا لا تأكل من بيتزا الدجاج يا جمال؟.
- لا أستطيع. أنا مصاب بالنقرس.
- ايش هذا نقرس.
- هذا مرض يحرمني من أكل اللحوم وشرب البيرة.
- لماذا البيرة بالذات!
- لا أعرف. الطبيب الهندي في عمان طلب مني أن لا أشرب البيرة، قال لي أن البيرة سترفع من حمض اليورك في دمي.
تدخل نسيم الذي كدت أنسى وجوده بسؤال:
- وهل هو مرض خطير؟
- لا يا نسيم، كان في البداية خطيرا، لكنه الان أصبح عاديا.
- كيف هذا؟ ممكن توضح لي ؟
- حسنا. المرض مثله مثل جميع المصائب الأخرى تبدأ كبيرة ثم بعد ذلك تصغر شيئا فشيء حتى تغدو جزءا من الحياة الاعتيادية. مرضي هو مرض سيء يا صديقي لكني اعتدت عليه، حتى أنني لا أكاد أذكره. حالي كحال بقية الناس المصابين بالعاهات، وأعني هنا كل العاهات جسدية كانت أو نفسية، إنهم لا يتخصلون من عاهاتهم لكنهم يتعايشون معها.
- تعني إن الانسان المعاق يتعايش مع إعاقته ويعتاد عليها.
- نعم تقريبا، لكني لا أحصر الأمر على الاعاقة الجسدية فقط، العاهات الجسدية يمكن للانسان والمجتمع تحملها بسهولة، لكنني أعني عاهات من نوع آخر.
قال طارق وهو يتجرع من كأس البيرة:
- نعم يا جمال، أفهم هذه العاهات، كلنا نعاني من عاهات، عاهات ولدنا بها وما زالت تخلق ضغوطا نفسية.
- لكننا نتعايش معها رغم ذلك حتى لا نكاد نذكرها.
- أجل، وهل لدينا خيارات أخرى !
- لا توجد.
- جمال انت شخصية رائعة، نحن نحبك كثيرا.
- لا بالعكس، أنا شخص عادي ينهزم عند أول مجابهة لمشاعر فتاة، أنتم الكريمون الرائعون.
- دعنا نشرب نخب وجودك في باريس إذن.
حملنا كؤوسنا عاليا في الوسط وصككنا بعضها ببعض مصدرة رنة خفيفة، ونحن نقول بالفرنسية:
صاغتيه، صاغتيه، صاغتيه
يعني صحتين.
بعد العشاء توقف المطر تماما، أخذنا معاطفنا وشرعنا نخطو خلف المبنى فإذا برج ايفيل يظر شامخا في الفضاء ببريقه الذهبي اللامع وكأننا حشرات تحت أقدام رجل آلي عملاق يصل رأسه إلى سقف السماء، وأرجله الأربعة مثبتة في مساحة شاسعة جدا أكبر من مساحة كرة القدم، وبيننا وبينه حديقة مفروشة ببساط أخضر من الحشائش كانت تلك حديقة شامب دي مارس، وتحيط بالحديقة شجيرات وارفة الظل، كنا نمشي نحوه خاشعين وأنا فاغر فمي في ذهول نحو السماء متأملا في البناء الحديدي العجيب الذي يصل طوله إلى ٣٥٠ مترا عندها قفز علينا شاب افريقي من خلف أشجار الحديقة ومعه زجاجتا نبيذ إحداهما حمراء وأخرى بيضاء، قال لنا كلاما بالفرنسية لم أفهمه كان ينظر إلي عندما يتحدث، لم أعرف ماذا أقول له حتى دفعني طارق من كتفي إلى الأمام ومشينا دون أن نرد عليه بشيء، قال طارق: إنه يريد يبيع الخمر والمخدرات والممنوعات للشباب.
- ولماذا يبيع المخدرات هنا في هذا المكان السياحي الجميل.
- هنا يأتي كثير من الشباب والفتيات ليلا وكثير من السياح لشراء المخدرات أو المشروبات وقضاء سهرة حمرة تحت الأشجار، غالبا هؤلاء الباعة هم من الافارقة المهاجرين وليس لهم إقامة قانونية، لهذا تجنب التعامل معهم حتى لا تقع في مشاكل.
- حسنا سأفعل.
ومشينا حتى وصلنا الى السياج المحيط بالبرج، كان هناك عدد كبير من رجال وسيارات الشرطة، كانت الشرطة قد أغلقت آخر طابور لدخول السياح، وخشينا أننا فوتنا الموعد، إلا إن طارقا دخل في المكاتب الداخلية تحدث مع أحدهم وعاد ومعه ثلاث تذاكر، لا أعرف كم رسوم الدخول لأن طارقا دفع عنا التذاكر، سألت طارقا لماذا يوجد عدد كبير من الشرطة في المكان ؟
- بسبب الأحداث الارهاربية التي حصلت في الفترة الاخيرة في فرنسا.
- الأحداث التي قام بها عرب.
- نعم هي
- اذن هل سيسمحون لي بالدخول؟
- نعم ، طبعا سيسمحون لك، هنا في فرنسا لا يوجد تمييز ديني أو عرقي بين الناس.
وفعلا دخلنا بعد البرج بعد أن نبهنا الحارس إن مدة بقائنا يجب أن لا تتجاوز الربع ساعة لحلول موعد الإغلاق، وبسرعة جرينا أسفل البرج، كانت هناك سلالم حديدية وسبع مصاعد تأخذنا إلى أعلى قمة في البرج، طبعا في البرج عدة مراحل يمكنك التوقف فيها للاستراحة والخروج من المصعد والالفتاف حول البرج، نحن ذهبنا مباشرة إلى آخر مرحلة بجوار القمة، كان الجو باردا جدا في الأعلى وباريس غارقة في ظلام دامس كئيب إلا بعض المباني المهمة، كانت هناك مناظير لمن يريد التأمل في المباني والشوارع الباريسية البعيدة، كانت بعض المباني ظاهرة بوضوح من بعيد بسبب الانارة المسلطة عليها طوال الليل، سألني طارق: تعرف ايش ذلك المبنى ؟
- لا ما أعرف.
- ذاك مبنى قوس النصر شاليشلنزيه الذي قلت أنك تريد أن تزوره.
- اه جميل..
- ترى ذاك المبنى المشع هناك في قمة التل.
- ايوا ايش هذا.
- هذي كنيسة الساكري كور
- ايش يعني ساكري كور
- مجرد اسم ، امكن يرجع لاسم قديس اسمه ساكري كور.
- تبدو جميلة جدا، هل هي أكبر كنيسة في باريس؟
- لا. لكنها مهمة جدا يأتيها الحجاج من كل مكان.
- اها، أنت تصلي طارق؟
- لا .
- ليش تسأل ؟
- بس حبيت أعرف اذا انت تصلي أو لا .
- أها. محد يصلي هنا في فرنسا، أكثرهم يذهبون الكنائس كسياحة.
- أنت ما تصلي، كيف تعرف من الي يصلي ومن الي ما يصلي!
- تريد تشوف أكبر كنسة في باريس، تعال هذا الصوب شوف
- ايش هذا؟
- كاتدرائية نوتردام.
- اوه كبيرة.. ، وبعيدة.
- شوفها زين، هذه كاتدرائية مشهورة في العالم، يجيها فوق ٢٠ مليون حاج في العالم، نوتردام ما تعرفها؟
- لا والله، أول مرة أسمع عنها.
- معقولة.
قاطعنا نسيم بالحديث:
- جمال، أمكن تعرف رسوم كروتون مشهور يطلعوه في التلفزيون يوم صغار اسمه the hunchback of notredam أكيد يطلعوه في تلفزيون عمان، وايد مشهور.
- لا حقيقة ما أذكر.
- عجيب ، ما تذكر رسوم فيها شخص قصير ظهر محدودب يدق جرس كبير في كنيسة.
- أيوا أيوا عرفته أحدب نوتردام رواية فكتور هوجو .
- المهم هذي هي الكنيسة التي جرت فيها أحداث الرسوم المتحركة.
- ما رسوم، هذي أصلا رواية مشهورة من أجمل أعمال الروائي الفرنسي فكتور هوجو، ما تعرفوها.
- أممم ، لا ما نعرفها، نحن محاميين يا جمال ما نعرف كثير في الأدب.
قال طارق:
- شوف جمال، بكرة بناخذك تشوف كل هذي الاماكن. بس لازم تغير الفندق.
- كيف وين أروح، هنا الفنادق غالية جدا.
- نسيم بيرتب لك غرفة في فندقهم.
- نسيم معه فندق.
قال نسيم وهو يبعد وجهه عنا بنوع من التذمر لم أعرف سببه:
- معنا فندق قديم مال الوالد، ما أعرف اذا بيعجبك .
قال طارق:
- بيعجبه، بس انت رتب له غرفة مستقلة وحمامها.
بدا على نسيم عدم الارتياح من المهمة التي يكلفه بها طارق، إلا أن طارقا بارده قائلا:
- انت لا تكلم الوالد اذا تخاف منه، كلم أخوك كمال، كمال يفهم وما بيقصر.
صمت نسيم برهة وهو يرسل نظره إلى نهر السين في أسفل البرج من الجهة المقابلة حيث يعبر بهدوء عاكسا بريق مصابيح الشارع ثم قال بصوت خافت:
- أمممم ، زين تمام.
وبادرته قائلا ومشجعا له:
- عادي بالنسبة لي إذا قديم، المهم قريب منكم. والمبلغ عادي مقدور عليه.
- لا طبعا المبلغ راح يكون قليل، ما نعاملك مثل بقية الزبائن أنت ضيف معنا.
رجعت الفندق في تلك الليلة متعبا على أمل أن أترك فندق بي اند بي صباح اليوم التالي وأذهب إلى فندق عائلة نسيم في رحلة مأساوية تعرضت فيها للاهانة والمسائلة القانونية في مركز الشرطة، أردت أن أرى زينا منتظرة في مكتب الاستقبال لأحكي لها عن كرم ولطافة أصدقائي طارق ونسيم، وأخبرها عن خطتي في الانتقال إلى فندق آخر، أردت أن أتحدث إليها وأن أستمع لها وهي تسترسل في الحديث عن حيها وعن عائلتها وربما تبث لي بعض أحزانها، لكنها لم تكن هناك. كان شاب فرنسي يقف خلف طاولة الاستقبال، بهي الطلة أسود الشعر، كانت ابتسامته شبه رسمية عندما مرقت أمامه دون أن ألقي عليه التحية.