أحمد الرحبي
لقد شكلت مجلة العقيدة منذ بداية السبعينات وحتى نهاية الثمانيات تجربة صحفية مهمة في الصحافة العمانية، – لم يلتفت إليها أحد من الدارسين- حيث خانت الظروف بعد ذلك المجلة وجعلتها تذوي في سمط، بعد أن تخلى عنها مؤسسها وجعلها تواجه قدرها المحتوم، فقد كانت المجلة في تلك المرحلة( من بداية السبعينيات وحتى نهاية الثمانينات) والحق يقال، ورشة مفتوحة لامتهان العمل الصحفي واحترافه، من خلال إتاحة الفرصة لكثير من الأشخاص لتعلم وتشرب مهنة الصحافة من خلال الواقع العملي والميداني البحت، الذي أتاحته لهم المجلة، على أيدى خبرات صحفية عركتهم التجربة المهنية، بعضهم من لبنان والبعض الآخر من مصر، ولقد كان من ضمن هؤلاء الأشخاص الذين تخرجوا من المدرسة المهنية لمجلة العقيدة، من شغل بعد ذلك مناصب قيادية في العمل الصحفي في السلطنة، ومنهم من واصل المشوار في تحقيق أحلامه في مشاريع صحفية تلائم سعة أحلامه في مهنة المتاعب.
ولا تذكر مجلة العقيد إلا ويذكر الكاتب مبارك العامري كواحد من أهم الكوادر الذين تخرجوا من ورشتها الصحفية، حيث أحب مهنة الصحافة وتشربها، فاستطاع بهذا الحب والتشرب للعمل الصحفي أن يعطي ويبدع فيه، بشكل ميزه عن جميع من خرج عباءة هذه المجلة الرائدة، فلقد حقق مبارك العامري خلال عملة بمجلة العقيدة في الثمانينات من القرن الماضي، مساهمة رائدة فيما يعرف بالصحافة الثقافية، فقد لعب مبارك العامري دور المفعل الثقافي والمتابع للأنشطة الثقافية، وتصدى خلال عمله الصحفي في القسم الثقافي في المجلة لمناقشة قضايا الساحة الثقافية وطرح أسئلتها الملحة، وشخص همومها وشجونها بجهود صحفية كبيرة قام بها بكل حماسة ونشاط في تلك المرحلة، قدمها في ملفات صحفية ساخنة اعتاد مبارك على فتحها طوال فترة عمله بمجلة العقيدة، كما عمل مبارك بنشاط دؤوب في مواكبة الحراك الثقافي في تلك المرحلة والالتقاء بأبرز الأسماء الأدبية، فشمل بحوارته الصحفية معظم الأسماء المعروفة في الساحة الثقافية من كتاب وشعراء، واستضافهم في لقاءات شيقة على صفحات مجلة العقيدة، وسجل بقلمه متابعات موسعة للأحداث والأنشطة الثقافية في تلك المرحلة، كما كان لقلمه إسهام غزير في كتابة المقالة الثقافية التي تميزت بالسهل الممتنع في أسلوبها، جامعة في الأسلوب ما بين سهولة اللغة الصحفية وعمق وسحر الكتابة الأدبية، حيث نجد الصحفي والأديب متجاورين في انجاز مبارك العامري ومساهمته الصحفية في تلك المرحلة المبكرة من عمر الصحافة الثقافية، مرحلة لم يكن حينها في الساحة يقوم بدور الجانب الصحفي الذي يخدم الأدب والثقافة، ويتابع حراكهما، على ما أذكر سوى مجلة الغدير، التي يقف خلفها كمشروع تنويري بمعايير تلك المرحلة، الاستاذ الأديب أحمد الفلاحي، فلم يوجد بعد في تلك المرحلة، مجلات ثقافية، أو ملاحق ثقافية متخصصة في الصحف والمجلات السيارة التي كانت تصدر في مرحلة الثمانينات، إلا إذا اعتبرانا صفحات بريد القراء بديلا ملائما يفي بالغرض في تلك المرحلة.
لا شك بأن تجربة الاستاذ مبارك العامري الصحفية لو نالت الجهد البحثي الذي تستحقه وحضت بشيء من الإبراز الاكاديمي، تؤهله كرائد يستحق كل التقدير والثناء والاحترام في مجال الصحافة الثقافية والتفعيل الثقافي وخدمة الساحة الأدبية في السلطنة، رائد مهد الطريق لمن بعده، وأصبح نبراسا تنتهج تجربته الأجيال القادمة في الصحافة العمانية، هذا طبعا إلى جانب مساهمته الشعرية والأدبية ،تغمد الله روحه الطاهرة وأسكنه فسيح جناته.
*الصورة من صفحة الشاعر -رحمه الله- في الفيس بوك