حمد بن سعيد الرحبي *
قد يتعجب البعض عن تسمية فيروس (كوفيد 19- كورونا) باسم فيروس الفرص والحلول، وسوف أعرج على هذه التسمية عزيزي القارئ لاحقا ، وأود في البداية أن أتناول هذا الحدث الذي هز العالم من الصين إلى الولايات المتحدة من حيث السياق والدلالات؛ فكما هو معلوم أن أول ظهور لهذا الفيروس كان من خلال اصابة رجل يبلغ من العمر 55 عاما من مقاطعة هوبي التي تنتمي إليها ووهان الصينية، وذلك بتاريخ 17 نوفمبر 2019م، بعدها بدأ بالانتشار كما تنتشر النار بالهشيم من مقاطعة إلى أخرى ثم من دولة إلى أخرى، ولكن ما يهمنا أكثر في هذا الأمر هو تفسير أهم أسباب انتشار هذا الفيروس في العالم بهذا الشكل المرعب، وهو أن العالم لم يكن موحداً بالشكل المطلوب لمواجهة هذا الفيروس كمثل بقية الأزمات التي مرت سابقا مثل فيروس الانفلونزا H1 N1 مثلا؛ فكل دولة تريد أن تنجو بنفسها ، وكل دولة تريد أن تجد لقاحاً أو علاجاً بنفسها؛ فيكون لها السبق في ذلك، وهذا ما يفسر التسابق المنفرد للدول الكبرى لإيجاد اللقاح أو العلاج وكل هذا بسبب التفكير في الربح المادي على حساب الآخرين، ولم يعقد أي اجتماع أو مؤتمر دولي وعالمي لموجهة هذا الفيروس في بداية انتشاره لتوحيد الجهود والتنسيق المشترك بين دول العالم ،كان ذلك ما يتعلق بالبعد العالمي، ونتقل بك عزيزي القارئ الى البعد المحلي فالحمدلله أود الاشادة بالجهود التي بذلت وستبذل خلال الفترة القادمة من الحكومة الرشيدة أو من أفراد المجتمع العماني والمقيمين من خلال تشكيل لجنة عليا لمواجهة هذا الفيروس التي أصدرت عدد القرارات الحاسمة والموزونة والمتدرجة في نفس الوقت، وكذلك تفهم وتعاون أفراد المجتمع العماني والمقيمين على هذه الأرض الطيبة للعزل المنزلي والتباعد الاجتماعي أو الاحرى التباعد الجسدي وارشادات الوقاية من هذه الفيروس، وهذا ما يفسر انخفاض منحنى الاصابات والوفيات في السلطنة مقارنة بالدول المجاورة خلال الفترة الماضية. وعوداً على بدء عزيزي القاري لتفسير سبب تسمية هذا الفيروس بفيروس الفرص والحلول؛ هو أنه أظهر نقاط ايجابية فيها فراصاً وحلولاً، ولفت الانتباه إلى نقاط يجب ايجاد حلول عاجلة لها فمثلا من النقاط الايجابية على سبيل الذكر لا الحصر أولا تكاتف وتعاون أفراد المجتمع، ووعيهم لمواجهة هذا الفيروس وهذا ليس بغريب على المجتمع العماني؛ فنحن نجحنا معاً لمواجهة عدد من الأنواء المناخية التي عصفت بالسلطنة، وقبلها توحدنا معاً لمواجهة عدد من الصعاب والتحديات من بداية عصر النهضة المباركة، كما توحدنا معاً تحت راية جلالة السلطان هيثم -حفظه الله تعالى- قبل أشهر هذا من جهة ومن جهة اخرى تبين لنا أن مستوى الخدمات الصحية في السلطنة والأطباء العمانيين والعاملين في هذا القطاع مستوى متقدم وهذا ما يفسر حصول السلطنة على اشادة من قبل منظمة الصحة العالمية في هذا المجال، كذلك قدرة الشباب العمانيين لابتكار حلول لموجهة هذا الفيروس من بينها ابتكار جهاز للحد من انتشار هذا الفيروس، وابتكار جهاز للتنفس الصناعي، وكذلك ابتكار تطبيقات الكترونية تساعد على تتبع المصاب بالفيروس، و تصنيع المواد الطبية محليا بدلا أن كانت تستورد كل هذا خلال فترة لا تزيد عن اسبوعين، نعم إنه العقل العماني المبدع صاحب الحضارة العمانية المجيدة وبكل فخر والحمدلله، وأيضا من النقاط الايجابية هو انشاء صندوق الوقف الصحي الذي أمر به جلالته ومشاركة افراد المجتمع والقطاع الخاص لدعمه ومن جانب أخر ظهور هذا الفيروس حفز لتطبيق التقنية الحديثة في المعاملات مثل الشراء الالكتروني وتحويل الاموال إلكترونياً، والتعليم الالكتروني أو التعلم عن بعد الذي أتمنى أن نتقدم فيه أكثر وصولاً إلى العمل عن بعد وهذا الأمر فرض نفسه على الواقع، وهو أمر صحي حتى نواكب التقدم الهائل الذي يشهد العالم في هذا المجال، أما الجانب الاخير من النقاط الايجابية التي لا حصر لها كما أسلفت أنه جلس كل واحد منا مع أفراد اسرته حيث كنا نشتكي من عدم توفر الوقت الكافي للحوار واللقاء الأسري داخل نطاق البيت الواحد، واكتشاف مهارات وقدرات الأبناء وتنميتها ، أما ما يتعلق بالجوانب التي لفت الانتباه الى أهمية إيجاد حلول عاجلة لها أولاً أهمية التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط حيث وكما هو معلوم بأنه صادف أزمة ظهور هذا الفيروس أزمة اقتصادية كبيرة وهي أزمة انخفاض أسعار النفط، وهنا أود أن أستشهد بعدد من الحلول ذكرها أحد من الموطنين في اذاعة سلطنة عمان قبل أيام من بينها بناء مصافي للنفط بعدد أكبر في السلطنة لبيع النفط بسعر أكبر بدلاً من بيعه بسعر الخام ، ومراجعة اتفاقيات التجارة الحرة التي أدت إلى انخفاض رسوم الجمارك الى أقل من النصف تقريبا بعد أن كانت ترفد الصندوق الاحتياطي بأكثر من مليار ريال عماني، وكذلك مراجعة استشمارات الصندوق السيادي للدولة التي تمت خلال السنوات الماضية، والاستثمار داخل السلطنة بانشاء استثمارات تتعلق بالصناعات البتروكيميائية وانشاء محطات التحلية للمياة التي تستخدم في الزراعة وتحقيق الأمن الغذائي المحلي وغيرها من الحلول وأعتقد أن رؤية عمان 2040 هي رؤية واعدة وتحقق الكثير من هذه النقاط لاسيما مراجعة القوانين والأنظمة وترشيق الهيكل التنظيمي للوزارات وغيرها والتي أرى أن الفرصة سانحة وملحة في نفس الوقت لتطبيقها بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم -حفظه الله ورعاه- الذي أشرف على تخطيطها؛ ولكن نحتاج فعلاً إلى عقول اقتصادية ذكية تفكر خارج نطاق الصندوق وتبتكر الحلول من ركام المشكلات والأزمات ، وختاما أختم عزيزي القاري بتغريدة للكاتب والأديب العماني المعروف حمود بن سالم السيابي بقوله :” أن غداً سنتتصر فلدينا ما يستحق الحياة”، دمتم في رعاية الله تعالى.
*كاتب عماني
Oman99433@gmail.com