مرتضى حسن علي
appleorangeali@gmail.com
قبل التكلم عن مشاكلنا علينا ان نسأل أنفسنا سؤالا: هل هناك مشكلة حقا ؟والأهم ما هي جذورها وكيف تفاقمت؟ وما هي المشاكل الاخرى المرتبطة بها؟ وهل يمكن ايجاد حلول لها لتجاوزها من دون تقديم تضحيات كبيرة، ومن جميع الأطراف؟ .
هناك مشاكل عديدة مرت على غيرنا،وتم ايجاد حلول لها، وليست هناك مشكلة تحل نفسها بنفسها تلقائيا، وخصوصا عندما تكون مرتبطة بمشاكل اخرى التي تحوّلها الى أزمات مزمنة.وكل مشكلة تبطن في أحشائها بذور حلها.وعموما لا يوجد مكان على الارض من دون مشاكل.وقد تعوّد الإنسان على مر العصور على وجودها. الإنسان القديم واجه الأخطار من كل جانب، وبالغريزة ابتعد عنها.ولم يكن ذلك كافيا،فبدأ يبتكر حلولا حتى وصل إلى ما هو عليه من وسائل مبتكرة لمواجهتها، وبالتالى تأصلت فكرة مفادها أن اية مشكلة لا تخلُ من الفوائد وانها أساس التقدم.وتحولت المشكلة من كونها غريزة تتحسس الأخطار المحدقة الى عقيدة تحوّل كل شيء حولنا الى مشكلة لنحلها بالابتكار فنتقدم.
تاريخيا حاول البعض تخيل مجتمع ما بدون مشاكل،ومنهم أفلاطون.فالمجتمع الإفلاطونى (المدينة الفاضلة) هو مجتمع بلا مشاكل ولكن ثبت أن ذلك غير واقعى، وما تم اثباته ايضا انه إذا لم يتم ايجاد حلول لها قبل ان تتفاقم فاننا بذلك نبتكر مشاكل اخرى اكبر واعقد وتتحول الى أزمات مستعصية متتالية.
يبدأ الحل بالاعتراف بالمشكلة،ثم توصيفها للوصول إلى حلول مقترحة تدرس من كافة جوانبها، ثم مراقبة عملية حلها فإن لم تُحل يعاد البحث بطرق جديدة ومبتكرة،ويتم الاستفادة من تجارب الاخرين في كيفية حل مشاكل مماثلة. وحلول المشاكل تمر على الأغلب باربعة مراحل:
المرحلة الاولى: أمام الاخفاقات المتكررة في الأداء،يتم الاعتراف بوجود مشكلة أو مشاكل تؤثر على الأداء، ويتم توصيفها.
المرحلة الثانية: نلاحظ ونبحث وندقق في ظواهر وأعراض واسباب المشكلة التي تواجهنا.
المرحلة الثالثة: نقوم بربط علاقة الظواهر والأعراض والأسباب ونستوثق ونستوعب، ويصل ذلك بنا إلى مرحلة التشبع والامتلاء.
المرحلة الرابعة: نتيجة وصولنا للتشبع والامتلاء ، ومع زيادة الضغوط الملحة لإيجاد حل للمشكلة نصل في لحظة من اللحظات إلى رؤية جميع الخيوط المستحكمة فيها،وكل ذلك يؤدي بنا إلى بداية الطريق لايجاد حلول لها.
الفرق بين المشكلة والأزمة في أن الاولى عبارة عن عقبة عارضة، يمكن أن نجد لها حلا سريعا، وتكون في العادة بسيطة وغير مركبة، أما الازمة فهي المشكلة بعد تضخمها ومرور وقت طويل على وجودها واتساع خطورتها بين اكبر عدد من افراد المجتمع من دون ايجاد حلول لها، وتستتبع معها وحولها مجموعة متشابكة من المشكلات الاخرى، ولا يمكن لفرد واحد أن يحلها بقرار، ولكنها تتطلب نخبة من الأخصائيين والخبراء لإزالتها، أو على الاقل الحد من خطورتها وتداعياتها.
في ظني فإن من ضمن المشاكل التى تواجهنا هي :
1 ــ العجز المتراكم في الميزانية العامة للدولة وتصاعد الدين العام سنة بعد أخرى، والذي قد يصل في السنة القادمة إلى نسبة ٧٠٪ من الناتج المحلي الاجمالي وتأثيرات كل ذلك على معظم الخدمات المقدمة من الحكومة.
2- ازدياد نسب الباحثين عن عمل سنويا، ولا سيما مع دخول أكثر من ٢٢ الف خريج من التعليم العالي سنويا إلى الباحثين عن عمل، وتبلغ نسبة النساء الخريجات منهم ٦٢٪.
3-قلة المشاريع في المحافظات “خارج محافظة مسقط” لخلق فرص عمل ولا سيما ان نسبة ٨٧٪ من الباحثين عن عمل هم من سكان المحافظات الاخرى حسب الإحصائيات المتوفرة الى نهاية عام ٢٠١٨، وتبلغ نسبة النساء منهم اكثر من ٦٢٪.
4- طبيعة الاقتصاد الريعي القائم على إنتاج الخدمات غير القابلة للتصدير،وعدم قدرته على خلق فرص عمل كافية ومنتجة ومجزية.
5-تدني مستويات التعليم والتدريب والذي ينتج عنها تدني المهارات وثقافة واخلاقيات العمل عند مجموعات كبيرة من الباحثين عن عمل والعاملين فعلا والذي يؤثر على تعيينهم وعلى الرواتب المقدمة لهم.
6- الإجازات الطويلة والتي تسبب خسائر كبيرة للقطاع الخاص وعلى مجمل الاقتصاد عموما.
7- وجود ميول قوية تقاوم التغيير والتطوير.
8- التضخم في الجهاز الاداري للدولة، ووجود أعداد كبيرة من الموظفين الفائضين عن الحاجة الذين يستنزفون مبالغ كبيرة من ميزانية الدولة.
9- القوانين والنظم والممارسات التي تؤثر على تدفق الاستثمارات والسواح وعلى عمليتي تنويع مصادر الدخل وتوفير فرص التوظيف للمواطنين .
عدد كبير من المشكلات تفاقمت وتحولت الى أزمات بسبب عدم مواجهتها في بدايات تشكلها. عدد كبير من البلدان فى العالم مرت بمشكلات وأزمات مماثلة، ولعلها أشد من ذلك، لكن الذى يميز بلدا عن آخر ، هو القدرة على حل مشكلاتها، وتجاوز أزماتها، من خلال تشخيصها لأسبابها، ثم تحديد الأهم فالمهم، فالأقل أهمية تبعا لتأثيرها،وتفكيك المشكلة أو الأزمة إلى عناصرها الأولية،والقيام بعد ذلك بوضع الحلول المناسبة أولا لكل عنصر على حدة، ثم باقي العناصر. وتلك البلدان حلت مشاكلها باتباع المنهج التجريبى العلمي بخلاف المنهج الجدلى والإجرائي والانفرادي.
المنهج التجريبي العلمي ينبغى أن يكون هو الإطار الذى تتبادل فيه المجتمعات تجاربها وخبراتها بدلا من أن يبدأ كل واحد منها من نقطة الصفر.
وعدم الأخذ به هو الذى يؤدى إلى مختلف ضروب الفوضى فى وجهات النظر الخاصة والشخصية، التى تبعد المجتمع عن تحقيق أهدافه الحقيقية فى التقدم، وتتركه ضحية النقاش والجدل العقيم،وكلاهما يختلط بالنزاع والتخاصم، نتيجة إعجاب كل انسان برأيه، وإحساسه بالمرارة إذا أثبت خصمه عكس ما يراه، وعلى الرغم من أننا جميعا نرفع شعار ” اختلاف الرأى لا يفسد للود قضية ” فإن الواقع يكذب هذا الشعار ، ومن الصعوبة ان نجد له أثر فى حياتنا.
إن المشكلات التي تبدأ صغيرة، تتضخم وتتحول إلى أزمات، لا يوجد لها حل سحرى، وإنما يستوجب مواجهتها بالمنهج التجريبى. والملاحظ أنه على الرغم من نجاح استخدام هذا المنهج فى عدد من البلدان، فإن البلدان النامية مازالت بعيدة عن تطبيقه، وجعله جزءا لا يتجزأ من نسيج فكرها.
ما الذى يمنع أو يعوق أو يؤخر استخدام عددا من الدول النامية للمنهج التجريبى فى حل مشكلاتها وأزماتها؟ربما هناك أربعة عوامل رئيسية:
أولها : الجهل بحقيقة هذا المنهج، وبالدور الذى قام به فى تقدم البحث العلمي على مستوى العالم كله.وثانيها: غلبة سلطة المنهج الجدلى الانفرادي على المتعلمين وصانعي القرار في تلك الدول، لأنه أكثر مبعثا للراحة واقل مدعاة للتفكير ولا سيما ان النتائج غير معرضة للمحاسبة.وثالثها : أن المنهج التجريبى يفتح الباب واسعا للحصول على المعلومات، ويعتمد على الشفافية، وهذه ليست من سمات عدد من المجتمعات النامية.
مما تقدم،فمن الواضح إن الجرأة في الاقدام والمبادرة وشجاعة الاعتراف بالمشكلة هو بداية الحل قبل أن تتحول المشكلة إلى ازمة.وعامل الوقت في هذه المسألة هو الفاصل والجوهري، وكلما تأخر تدارك الموضوع، فإن التراكمات تعقد المشكلة وتحولها إلى أزمة مستعصية، وهذا ما لا يتمناه أحد.